تونس وليلة كشف الانتهاكات.. من هنا مر الجلادون .. بقلم خليفة علي حداد

عاش الرأي العام التونسي، مساء الخميس، حدثا غير تقليدي. فعلى امتداد ما يقارب الثلاث ساعات تابع المشاهدون فصولا قاسية من عذابات أجيال من المواطنين في إطار جلسات الاستماع العلنية التي نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة لضحايا الانتهاكات التي شهدتها البلاد في عهد الرئيسين، المتوفى بورقيبة والهارب بن علي.
عندما ينطق الضحايا.. من هنا مر الجلادون
وتوزعت الشهادات على عائلات سياسية مختلفة وعلى عهدي بورقيبة وبن علي، كما شملت فئات اجتماعية عديدة. وبدأت الشهادات باثنتين من أمهات شهداء الثورة، حيث تعرضتا لواقعة مقتل أبنيهما على يد بوليس بن علي في كل من سيدي بوزيد وتونس العاصمة. وعبرت الأمهات عن خيبة أملهن من مصير ملفات أبنائهن وعن إفلات القتلة من المحاسبة والعقاب، وطالبتا الهيئة والسلطات التونسية بتحقيق أهداف الثورة، ولمحت إحداهن إلى استعداد سكان المناطق المهمشة للانتفاض مجددا والانتقام من جلاديهم. أما الشهادة الثالثة فكانت من نصيب أرملة الناشط “الإسلامي” كمال المطماطي الذي قتله رجال شرطة في أحد المخافر بمدينة قابس تحت التعذيب ثم واصلوا تعذيبه وهو ميت، مؤكدة أن السلطات ترفض، حتى اليوم، الكشف عن مصير جثة زوجها.
مثقفون في ضيافة البوليس
الشهادة الرابعة، والتي لقيت رواجا كبيرا على شبكات التواصل الاجتماعي، كانت للأكاديمي والكاتب سامي براهم، الذي روى رحلته مع التعذيب والسجن منذ أن اعتقل وهو طالب جامعي. وتطرق براهم إلى ألوان التعذيب والإهانة التي عاشها ورفاقه في وزارة الداخلية ومقر الاستعلامات و14 سجنا نقل إليها خلال 10 سنوات من اعتقاله. كما كشف الاعتداءات الجنسية التي تعرض لها، على غرار آلاف السجناء، من طرف بوليس بن علي، مؤكدا أن الجلادين كانوا يركزون، خلال حصص التعذيب، على ضربه على رأسه لإعاقته ذهنيا ومنعه من مواصلة دراسته وعلى سكب المواد الحارقة على جهازه التناسلي لإخصائه وحرمانه من الإنجاب.. شهادة الأستاذ سامي براهم قابلها تأثر شديد من طرف المتابعين داخل القاعة، وصل حد البكاء. وعبر براهم عن استعداده للعفو والتسامح شرط حضور الجلادين للاعتراف بذنبهم وتقديم اعتذاراتهم لضحاياهم.
أجيال في “مفرمة الزعيم”
الشهادة الأخيرة كانت للناشط اليساري اليهودي جلبار نقاش الذي سرد فصولا من العذاب الذي تعرض له في معتقلات الرئيس الأسبق بورقيبة في حقبة الستينات والسبعينات لما كان ناشطا في عدد من التنظيمات اليسارية. ويعد جلبار نقاش من الجيل الأول الذي مر على مسالخ “دولة الاستقلال” التي لم تستثن أي تيار سياسي معارض من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. ويعتبر الناشط اليساري اليهودي جلبار نقاش من المثقفين التونسيين المعروفين بإتقانهم الكتابة باللغة الفرنسية، وهو ما جعله من المساهمين البارزين في نقل معاناة المساجين التونسيين وعذاباتهم إلى الصحافة الأجنبية.
شهادات حية.. وغياب رسمي
يشار إلى أن الرؤساء الثلاث، رئيس الدولة الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس البرلمان محمد الناصر، خيروا مقاطعة جلسة الاستماع العلنية رغم توجيه الهيئة دعوة إليهم للحضور، فيما حضرت عدد من الوجوه السياسية والحقوقية والثقافية على غرار حمه الهمامي زعيم حزب العمال (يسار) وراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وكمال مرجان (رئيس حزب المبادرة ووزير خارجية بن علي). وخلف غياب الرؤساء الثلاث عن هذا الحدث غير المسبوق تساؤلات عديدة حول أسبابه والرسائل التي يحملها، وذهب بعض المتابعين إلى اعتبار ذلك رفضا رسميا لمسار العدالة الانتقالية وكشف الحقائق، فيما ربط آخرون بين غياب السبسي وحضور جلبار نقاش الذي تعرض للانتهاك والتعذيب أثناء تولي السبسي وزارة الداخلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *