تونس و”الورقة الدولية”

التقى رئيس الدولة الباجي قائد السبسي أمس وفدا عن الكونغرس الأمريكي ـ أعلى سلطة في الولايات المتحدة ـ للحوار حول مستقبل علاقات البلدين والتحديات التي تواجههما “في هذه المرحلة الدقيقة”.

وكان الوفد الأمريكي ووفود أوروبية التقت خلال الأيام القليلة الماضية عددا من كبار الساسة وصناع القرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في تونس.

هذه المشاورات التونسية الدولية تزامنت مع الإعلان عن زيارة فجئية أداها زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي إلى الشقيقة الجزائر حيث التقى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة “بطلب من الرئيس الباجي قائد السبسي ضمن ما يعرف بـ”الديبلوماسية الشعبية” أو الديبلوماسية الموازية” .

وقبل ذلك أدى وفد من قيادة حركة النهضة ـ برئاسة زعيمها راشد الغنوشي ووزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام ـ زيارة رسمية إلى باريس تلبية لدعوة من وزير الخارجية الفرنسي وبتكليف من الرئيس فرانسوا هولاند . وشملت المحادثات رئيس الديبلوماسية الفرنسية ورئيسي غرفتي البرلمان ورئيس الحكومة السابق رافاران ومدير معهد العالم العربي في باريس الاشتراكي جاك لانق ومسؤولين عن القطاع الاقتصادي…

في الأثناء كثف السفراء الأوروبيون والغربيون تحركاتهم ومقابلاتهم مع ممثلي أبرز القوى السياسية المشاركة في الائتلاف الحاكم أو في المعارضة .

ولا يخفى أن أحد أبرز محاور الحوارات التي يجريها الرسميون والمعارضون التونسيين مع ممثلي “الدول الشقيقة والصديقة” ملف الاستقرار الأمني والسياسي ومستجدات مشروع “تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة”.

مرة أخرى يتضح أن “الورقة الدولية” لها وزنها في تونس وفي بعض المقررات ذات “الصبغة الإستراتيجية” التي يمكن أن يتخدها زعماؤها سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة.

ومرة أخرى يتضح أن بعض القرارات الإستراتيجية التي يمكن أن تتخذها الدولة التونسية لابد أن تراعي معطيات عديدة من بينها “وجهات نظر” الدول المجاورة مثل الجزائر أو فرنسا، أو الدول العظمى التي تتابع بدقة كل المستجدات في العالم وبينها منطقتها مثل الولايات المتحدة الأمريكية .

وحسب مصادر مطلعة فإن الديبلوماسية التونسية الرسمية والشعبية تسعى هذه المدة لتشجيع الدول العربية والغربية على تقديم دعم سياسي ومادي سريع لإنقاذ اقتصاد تونس من الانهيار دعما لـ” نموذج التونسي للاعتدال والتوافق بين العلمانيين والإسلاميين المعتدلين” والمصالحة التاريخية بين القوى السياسية التي ترمز إلى “استمرارية الدولة” ـ مثل حزب النداء ـ وتلك التي تمثل قوى كانت دوما في المعارضة، مثل حركة النهضة وقوى اليسار التونسي .

إن حاجيات تونس المالية ليست ضخمة بحيث يصعب التفاعل معها من قبل الدول الغنية والعربية والدولية.

وإذا نجحت الديبلوماسية الرسمية في عقلنة تحركات أجهزتها وتحسين أدائها يمكن أن تتهاطل بسرعة على تونس مليارات من الدولارات واليورو في شكل استثمارات وهبات وقروض بدون فوائض .

ولا شك أن الديبلوماسية الشعبية مؤهلة لتقديم شهادات ضمان في الدولة التونسية وفي الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي بما ما من شأنه أن يضاعف من فرص نجاح جهود الديبلوماسية الرسمية ومؤسسات التعاون .

ولئن شحت موارد الدولة بسبب أزمات قطاعات مهمة من بينها الفوسفاط والسياحة والخدمات، فإن تحسين أداء وزارتي التعاون الدولي والشؤون الخارجية والإدارات العامة للتعاون في مختلف الوزارات من شانه أن يسهل ضخ مليارات من الدولارات لفائدة الدولة التي يتخوف كثيرون من استفحال عجزها المالي العام القادم .

كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *