تونس والحرب الجديدة على ليبيا.. خلط جديد للأوراق .. بقلم كمال بن يونس

تونس والجزائر والسودان يعارضونها ومصر تساندها

مخاطر أمنية واقتصادية وسياسية

بعد أيام قليلة من الموقف المعارض لشن حرب جديدة في ليبيا توجه بها رئيس الدولة الباجي قائد السبسي تعاقبت تصريحات كبار المسؤولين في الدولة المناصرة لخيار التسوية السياسية. كما أعلنت تونس أنها ـ على غرار الجزائر والسودان ـ لن تسمح باستخدام أراضيها لشن الهجوم “الأطلسي المرتقب”.

وأعلن رسميا أن تونس سوف لن تغلق حدودها مع ليبيا لكنها مستعدة “لكل السيناريوهات” بما في ذلك شن الحرب البرية داخل الأراضي الليبية من قبل القوات الأطلسية.

فإلى أين تسير الأوضاع ؟

وهل ستنجح تونس في احتواء مضاعفات الحرب والأزمات التي قد تستفحل داخليا وفي كامل المنطقة ومن بينها فرار مئات الإرهابيين ومئات آلاف المدنيين إلى الجنوب التونسي ؟

وهل تنحاز تونس إلى موقف الجزائر والدول المعارضة بقوة “للعدوان العسكري الجديد على ليبيا” وللتدخل البري الأجنبي في سوريا واليمن أم ينتهي بها الأمر إلى “الرضوخ” إلى الضغوطات الفرنسية الأمريكية الأطلسية؟

ما بات مؤكدا في تونس حسب مصادر أمنية وقمرقية وعسكرية في الجنوب والمناطق الحدودية ارتفاع منسوب توافد الأشقاء الليبيين الفارين من مواطنهم تحسبا لشن حرب جديدة في بلدهم تحت مبرر “محاربة تنظيم داعش” وحلفائه من مقاتلي التنظيمات الإرهابية الذين سبق للقوات الأطلسية أن شجعتهم على الانتقال من أفغانستان والباكستان ثم من العراق وسوريا إلى ليبيا ومالي وإفريقيا” لأسباب جيوسياسية وإستراتيجية “.

موقف تاريخي وشجاع

وفي الوقت الذي انخرط فيه وزير خارجية أمريكا جون كيري في جناح الذين يلوّحون بشن حرب “ضد داعش” و”القاعدة” في ليبيا، صدر موقف وصفه كاتب الدولة السابق السفير صلاح الدين الجمالي بـ”التاريخي والشجاع” عن الرئيس الباجي قائد السبسي .

أهمية هذا الموقف “التاريخي والشجاع” المعارض للحرب أنه لم يكن عرضيا بل أعلن عنه في “الخطاب الرئاسي السنوي” في قصر قرطاج على هامش “الحفل الرسمي” عند تقبل تهاني استقبال السفراء المعتمدين في تونس بمناسبة السنة الإدارية الجديدة.

وبعد الموقف الصادر عن رئيس الدولة الباجي قائد السبسي دعا وزير الخارجية خميس الجهيناوي الموفد الأممي مارتن كوبلر إلى مكتبه في الوزارة وأعلن في موقف علني أن تونس تدعو إلى إنجاح مسار “التسوية السياسية” ومفاوضات “الصخيرات” بالمغرب وخيار تشكيل حكومة “وحدة وطنية” وأنها تطالب بالتشاور معها قبل أي تصعيد عسكري في ليبيا الشقيقة.

ثم أدلى وزير الدفاع فرحات الحرشاني والوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد شوكات بتصريحات تؤكد معارضة الحرب وتعلن في نفس الوقت أن “تونس لن تغلق حدودها مع ليبيا” وأنها “مستعدة لكل المستجدات سلما وحربا”.

عمليات “بيضاء”؟

في الأثناء تجاوزت الاستعدادات لسيناريو حرب برية “وشيكة” في ليبيا مرحلة التصريحات إلى مرحلة التحركات الميدانية التي قام بها وزير الدفاع فرحات الحرشاني وقادة القوات المسلحة بالقرب من “الحاجز الترابي الحدودي” الذي أنجز على طول 200 كلم من بين الـ500 كلم من الحدود الصحراوية.

وفي القطاعات “المدنية” تتعاقب منذ أيام “العمليات البيضاء” في ولايتي مدنين وتطاوين بما في ذلك في مستشفياتها تحسبا لـ”توافد أعداد كبيرة من الجرحى والمصابين” في الحرب الأطلسية الجديدة .

وبالرغم من التصريحات التي نفت مرارا وجود “قواعد عسكرية” أجنبية في الجنوب التونسي تؤكد مصادر مطلعة ترفيع مستوى “التنسيق الأمني واللوجيستي” بين تونس والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا في الجنوب ..في سياق “الحرب العالمية على الإرهاب”..

تونس والجزائر والسودان

والملفت للانتباه أن كلمات الرئيس الباجي قائد السبسي وعدد من كبار المسؤولين في الدولة لا توحي فقط بمعارضة الخيار العسكري بل بـ”الانحياز” إلى صف الدول في المنطقة التي ترفض شن الحرب وعلى رأسها الجزائر والسودان أي الدول العربية المجاورة لليبيا غربا وجنوبا.

في المقابل كشفت مصادر فرنسية ودولية أن رؤساء مصر والنيجر والتشاد يساندون الغارات الفرنسية الأطلسية التي تنظم منذ مدة من القاعدة الفرنسية “مادما” في النيجر “ضد داعش”.

وتكشف تقارير إستراتيجية أمريكية وأوربية تخوفات من أن تكون “النتائج عكسية” للهجومات الجوية والبرية الأطلسية الجديدة في ليبيا. كما تزايدت التخوفات من “الانقسام الإقليمي” وبروز “محاور جديدة” في العالم العربي الإسلامي وإفريقيا بسبب احتداد التناقضات من الموقف من الحروب في سوريا والعراق واليمن والصومال ومالي وليبيا.

 وإذا كانت قوات مصرية تدخلت سابقا في ليبيا دعما لقوات الجنرال خليفة حفتر فان التحدي الكبير إذا ظلت تونس والجزائر معارضتين للحرب الجديدة، هو “استحالة شن هجوم بري” انطلاقا من مصر والنيجر والتشاد بحكم تمركز غالبية الشعب الليبي والمسلحين بالقرب من البحر الأبيض المتوسط ومن حدود ليبيا مع تونس .

نتائج سياسية واقتصادية

ولعل من أكبر التحديات التي سوف تواجه تونس وليبيا والجزائر وكامل المنطقة في صورة شن الحرب الجديدة: ماذا بعد الغارات الجوية والغزو البري؟

ومن سيضمن أمن ليبيا وبلدان الجوار بعد عودة المقاتلات الفرنسية والأمريكية والايطالية والبريطانية إلى قواعدها ؟

فرضية مزيد خلط الأوراق السياسية والأمنية واردة جدا ..

وعلى غرار ما أورد السفير محمد الحصايري فإن “التلويح بهجوم بري شامل في سوريا واليمن وليبيا مع تعهدات بـ”حروب ذكية” ضد الإرهابيين يذكر بحروب مماثلة شنتها الولايات المتحدة والقوات الأطلسية خلال العقود الثلاثة الماضية في أفغانستان وباكستان والخليج وكانت نتيجتها عكسية بالنسبة للحرب على الإرهاب وللأمن الإقليمي والدولي وبالنسبة لمصالح الشعوب وأمنهم الاقتصادي.

ويعتقد السفير محمد جنيفان أن “الشعب التونسي عامة والجنوب التونسي خاصة سيكونان من بين أكثر المتضررين من استمرار الأزمة الحالية في ليبيا وسيتضرران أكثر من الحرب القادمة والفوضى التي قد تعقبها ومن فرضية تسلل إرهابيين جدد إلى تونس”.

ويسجل السفير صلاح الدين الجمالي أن قيمة المبادلات بين تونس وليبيا كانت رسميا قبل حرب 2011 تتجاوز المليارين ونصف.

في المقابل يقدر رئيس مجلس الأعمال التونسي الليبي عبد الحفيظ السكروفي القيمة الفعلية لتلك المبادلات بحوالي 4 مليار يورو أي 8 مليار دينار..فضلا عن “تعطل السياحة ورحلات العلاج بين البلدين”..وهو ما “يوشك أن يستفحل ويزيد من معاناة المواطنين في البلدين” حسب الإعلامي الليبي فؤاد عوام نائب رئيس المجلس الأعلى للأعمال التونسي الليبي والمستثمر التونسي في ليبيا غازي الملولي.

البديل؟

في ظل هذه التعقيدات ما هو البديل الذي يمكن أن “تفرضه الدبلوماسية الرسمية والموازية” التونسية والجزائرية وفي البلدان المعارضة للحرب؟

أمير اللواء محمد المؤدب المدير العام السابق للأمن العسكري وللديوانة يعتبر أن “توجيه ضربات أمنية محدودة ضد مواقع الميليشيات الإرهابية في ليبيا قد يكون ضروريا بالنسبة لمستقبل أمن ليبيا وتونس وكامل المنطقة” . لكن تلك الضربات “لا تعني حربا شاملة”.

في المقابل يؤكد السياسيون في تونس والجزائر والمغرب والسودان وتيار من الساسة الليبيين أن “الخيار الأفضل بالنسبة لليبيا وكل الأطراف مزيد دعم مسار “الصخيرات” والتعجيل بتشكيل “حكومة الوحدة الوطنية” برئاسة فؤاد السراج على أن تتولى تلك الحكومة “مسؤولية حفظ الأمن في ليبيا وتتبع الإرهابيين” ثم التحضير لانتخابات ديمقراطية وتعددية جديدة تمهيدا لإعادة بناء البلد الذي دمرته الحرب وتسببت في تشريد ما لا يقل عن ثلث شعبه.

وفي كل الحالات تبدو تونس وليبيا وكامل المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من خلط الأوراق السياسية وتعقيدات أمنية اقتصادية إضافية داخليا وإقليميا..

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *