مغرب نيوز-منية العيادي
تعيش تونس اليوم على وقع تحديات إقتصادية كبرى حيث بات الاقتصاد التونسي على شفا الافلاس خاصّة في الآونة الأخيرة بعد انحدار نسبة النمو إلى 0.4% و تفاقم عجز الميزان التجاري في كافة القطاعات ضمن أزمة مالية و اقتصادية خانقة تتجه الى المزيد من التفاقم مع الإحتجاجات الاجتماعية الأخيرة المطالبة بالتنمية و التي عمت مناطق عديدة من البلاد .
تونس التي تواجه ضغوطات من صندوق النقد الدولي لإطلاق إصلاحات اقتصادية من أجل خفض عجز الموازنة بعد أن وافق على صرف دفعة ثانية بقيمة 320 مليون دولار من إجمالي قرض قيمته 2.8 مليار دولار تعاني اليوم من تطورات عكسية حيث أكدت وزيرة المالية لمياء الزريبي أمس أنه يُتوقع أن يرتفع عجز الموازنة إلى 5.9 بالمئة في 2017 مقارنة مع 5.4 بالمئة في توقعات سابقة و ذلك بسبب ارتفاع تكاليف الوقود و هبوط الدينار بشكل كارثي أمام العملات الأجنبية الأخرى حيث فقد 13.6% من قيمته، نتيجة للوضع اقتصادي و لتوسع العجز التجاري،موضحة أن الدينار يخضع لقاعدة العرض و الطلب و لا يمكن التدخل لتحديد قيمته حيث يبقى خاضعا لمستوى المدخرات من العملة.
في المقابل عدل البنك الدولي من توقعاته للنمو الاقتصادي التونسي للعام الحالي و الّذي كان مقررا في الأصل بـ 3.0 % ليصبح في حدود 2.3 %، كما عدل من توقعاته بشأن سنة 2018 من 3.7 % إلى 2.8 % و 4.0 % إلى 3.2 % في 2019 و قال في تقرير نشره وقال التقرير إن تونس تواجه عجزا كبيرا في موازنتها العامة و حساباتها الخارجية إذ ارتفع العجز المالي للحكومة دون احتساب المنح 6.0 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي في 2016 مقارنة بـ 5.6 بالمائة في 2015 زد إلى ذلك ارتفاع نسبة الدين إلى 61.8 % من الناتج الإجمالي المحلي في 2016 و ظل عجز الميزان الجاري مرتفعا عند نحو 9 % من الناتج الإجمالي المحلي في 2016.
و رغم تسجيل تحسن في الاستثمارات العمومية و الخاصة خلال الأشهر الثلاثة الأولى لسنة 2017 أكثر من تقديرات الحكومة لكامل السنة إلا أن نوايا الإستثمار في القطاع الخاص، غير مرتفعة و ما تزال تشهد صعوبات و تراجعا حيث تم تسجيل تراجع في القطاع الصناعي، في حين تم تسجيل ارتفاع في القروض البنكية في حدود 8 بالمائة، وفق ما أكدته وزيرة المالية التي شددت على أن المستثمر التونسي يبحث عن الإستقرار و استرجاع الثقة، و”أن ما يحدث في الجهات من احتجاجات يخيفه” .
من جهته قال وزير المالية السابق جلول عياد في حديث لمغرب نيوز إن الوضع الإقتصادي يتطلب تشخيصا جوهريا و رؤية واضحة تبنى على استراتيجيات متينة و ليس على حلول ترقيعية خاصة في ما يتعلق بالمالية العمومية موضحا أن الدولة لا تزال تعول على دور الإستثمار العمومي قي تمويل الإقتصاد و هو ما يمثل عائقا أمام الإنفتاح على الأسواق الحارجية.
و أضاف عياد أن رؤية الحكومة لإنقاذ الإقتصاد اليوم غير واضحة رغم وجود أرضية لذلك و دعا إلى إصلاح هيكلي للمؤسسات الإدارية و تقويتها بهدف التعجيل في انجاز المشاريع و إلى إعادة النظر في كافة النصوص التشريعية التي تتعلق بالإقتصاد و الاستثمار و السياسات الجبائية خاصة منها التي مازالت مفعلة منذ عهد الرئيس السابق كما دعا أيضا الخكومة إلى تشجيع المستثمرين على فتح مجال الإستثمارات و التبادل التجاري و فتح أسواق و خاصة افريقيا و آسيا وعدم الإقتصار على الأسواق الأوروبية.
من جهة أخرى قال جلول عياد “يجب أن تنظر تونس إلى الاقتصاد الرقمي الذي ساهم في ظهور أكبر القوى المؤثرة في الاقتصاد العالمي و الذي تتبعه معظم بلدان العالم التي بدأت التأقلم مع قواعد تكنولوجيا المعلومات بحثا عن مكان في الاقتصاد العالمي داعيا إلى فتح آفاق الاقتصاد الرقمي الدي يتطلب مناخ أعمال مشجع و زيادة التركيز على المعرفة و الابتكار.
و في السياق ذاته أقرّ المستشار لدى رئاسة الحكومة المكلف بالجباية فيصل دربال في تصريحات صحفية بصعوبة هذه الفترة خصوصا في ظل الوضعية الحرجة للمالية العمومية مشيرا إلى أن المؤشرات للثلاثية الأولى من السنة الحالية أحسن بكثير من الثلاثية الأخيرة لسنة 2016 خصوصا بعد زيادة المداخيل الجبائية بأكثر من 14 بالمائة إضافة إلى وجود بوادر ايجابية للنمو مع عودة الفسفاط و تحسن السياحة و بين أن هذه المؤشرات تجعلنا نأمل في أن تكون النسبة المتوقعة للنمو في 2.5 بالمائة في الثلاثي الأول من السنة الحالية و أوضح أن تقليل نسبة العجز بسرعة غير ممكن حاليا ..
كما اعتبر دربال أن القرار الأخير لصندوق النقد الدولي بالاتفاق على صرف القسط الثاني من القرض كان له أثر في سير الإصلاحات على الطريق الصحيح مشيرا إلى أن الحكومة الحالية تعمل على إصلاح المنظومة الجبائية و تعصير الإدارة بالإضافة إلى العمل على وضع برنامج كامل لإصلاح الوظيفة العمومية بدأ مع عبيد البريكي و يعمل عليه حاليا المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة توفيق الراجحي بهدف التحكم في كتلة الأجور إضافة إلى إصلاح الصناديق الاجتماعية المفلسة و مراجعة منظومة الدعم.
في المقابل أفاد وزير المالية السابق إلياس الفخفاخ أن هذا الاتفاق الحاصل مع صندوق النقد الدولي لا يعني أن الوضع سيكون أفضل مبينا أنه لم يأخذ حظه في إنارة الرأي العام و إعلامه بصعوبة الوضع و لم يناقش في مجلس نواب الشعب مشيرا إلى أن الحكومة الحالية لا تتفاوض مع صندوق النقد الدولي و البنك العالمي كبلاد تعيش تحولا ديمقراطيا اقتصاديا و سياسيا..
و يرجع العديد من الخبراء الإقتصاديين الأزمة الإقتضادية التي تعيشها البلاد إلى سوء التصرف في الموارد المالية حيث أن سيولة التداين الأجنبي المتحصل عليها لا تخصص لإقامة المشاريع الكبرى من أجل إنتاج الثروة و تشغيل العاطلين و تهيئة البنية التحتية الملائمة للاستثمار ، و إنما للأجور و الاستهلاك التي تكوم أحيانا مهددة بعدم الخلاص نظرا لفقدان السيولة المالية الكافية و انعدام فرص التداين من الداخل إضافة إلى تفشي ظاهرة الفساد صلب الدولة بعينها و إهدار المال العام و عدم اتخاذ أي إجراءات قانونية ضد التهرب الجبائي و التهريب .