تونس بعد مظاهرة الأمنيين في القصبة/ مطالب اجتماعية.. وحكومة في خطر

لا استثمار ولا تشغيل دون هيبة الدولة

كشفت ردود الفعل الشعبية والرسمية على المظاهرة التي دعت إليها بعض النقابات الأمنية أول أمس الخميس وتطورت الى “اقتحام” لساحة الحكومة بالقصبة ولبهوها المركزي أزمة جديدة تتداخل فيها المطالب الاجتماعية “المشروعة” بالأجندات السياسية “الضيقة”.
ولئن تحاول مختلف الأطراف “توظيف” مضاعفات أحداث القصبة قبل يومين على طريقتها فإن البلاغ الرسمي الذي أصدرته رئاسة الحكومة تعقيبا عليها يوحي بكون أعلى رموز السيادة أصبحت مجددا مهددة ..وأن الحكومة في خطر رغم مرور أسابيع قليلة على تصويت حوالي ثلثي البرلمان المنتخب لفائدتها للمرة الثانية في ظرف عام واحد ..
فالي اين تسير البلاد في ظل مثل هذه التطورات غير المسبوقة؟
تنديد غالبية المواقع الاجتماعية ووسائل الاعلام “التقليدية” بما سمي بـ”جريمة اقتحام مقر رئاسة الحكومة” وبالشعارات التي رفعت في تجمع ضم آلاف الأمنيين من بينها دعوات لإسقاط حكومة الحبيب الصيد تزامن مع مواقف رسمية «حازمة» من تلك التحركات والشعارات .
تحركات “غير معقولة”
مستشار في رئاسة الجمهورية أورد في تصريح لـ»الصباح» أن «رئاسة الجمهورية تعتبر أن المطالب الاجتماعية للأمنيين قابلة للنقاش وان كان بعضها تعجيزيا لأنها جاءت بعد إبرام اتفاق زيادات في الأجور بين الحكومة وممثلي الأمنيين». لكن نفس المصدر وصف الشعارات والتحركات والتطاول على رموز سيادة الدولة بكونها” غير معقولة”.
في نفس السياق اعتبر الوزير الناطق الرسمي للحكومة د.خالد شوكات في اتصال هاتفي أجرته معه «الصباح» أن «الحكومة ستدافع عن رموز السيادة وستتمسك بتطبيق القانون بوضوح «.
وأشار بيان رسمي غير موقع باسم رئاسة الحكومة إلى قرار بتتبع المسؤولين عن «اقتحام حرمة مقر رئاسة الحكومة بالقصبة وتعطيل نسق العمل وترديد شعارات سياسية وتهديدات أبعد ما تكون عن العمل النقابي الأمني والمطالب المهنية والتلفظ بعبارات نابية وغير أخلاقية وهي تصرفات تدخل تحت طائلة القانون».
وحمل بيان الحكومة المسؤولية بوضوح إلى طرف واحد في النقابات الأمنية هو «النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي» والتي لديها اختلافات مع النقابات الأمنية التي وقعت اتفاق الزيادات الشهر الماضي .
«تجاوزات وعصيان مدني»
وتذكر المواقف الحازمة التي صدرت أمس عن رئاسة الحكومة ضد رافعي «شعارات مشينة» والمورطين في «تجاوزات صارخة وتهديدات بالعصيان»  بتصريحات رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في 2011 عندما كان رئيسا للحكومة، والتي وصف فيها «الأمنيين الذين ينظمون تحركات سياسية» وحاولوا عزل آمر الحرس الوطني بـ»الانقلابيين».
كما تحدث بيان رئاسة الحكومة عن «عبارات نابية ولا أخلاقية» وعن انتهاكات منظمي هذا التحرك للقانون والدستور.
البلاد في حالة طوارئ
من جهة أخرى ندد مصدر رفيع المستوى من رئاسة الجمهورية خلال اتصال هاتفي أجرته معه «الصباح» بـ»انتهاك الأطراف التي قامت بهذه التجاوزات لقانون حالة الطوارئ» الذي يطالب الأمنيون باحترامه قبل غيرهم بدءا من منع التظاهر والتجمعات التي تنال من الأمن العام فضلا عن أن يتورط بعضهم في «اقتحام مقر رئاسة الحكومة ورفع شعارات منافية للأخلاق «..
لكن التحدي الذي يواجه الحكومة وكل مؤسسات الدولة اليوم هو أن «إعلان حالة الطوارئ انتهك مرارا خلال الأشهر الماضية من قبل مدنيين ونقابيين وأمنيين».
فهل سيحاسب ممثلو «النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي» من قبل زملائهم غير المنخرطين في النقابات الأمنية أو المنتمين للاتحادات التي وقعت الاتفاق السابق للزيادات في الأجور؟
أم ستصدر الحكومة بالمناسبة إجراءات أكثر حزما مثل منع الإضرابات وتشكيل نقابات بالنسبة «للأسلاك العسكرية « مثلما ينص على ذلك الفصل 37 من الدستور؟
المعادلة صعبة والتعقيدات أكبر من أن يحاول بعض السياسيين «تبسيطها»؟
اتهامات القضاة للأمنيين؟
ولعل من بين أكثر الأسئلة إلحاحا في هذا المجال تلك التي صدرت مؤخرا عن عدد من القضاة ضد بعض الأمنيين.. في هذا المجال جاءت تصريحات رئيسة جمعية القضاة روضة القرافي وعن الرئيس السابق للجمعية أحمد الرحموني حول «تورط بعض الأمنيين في التعذيب وفي انتهاك حقوق الموقوفين «.
وذهبت القاضية روضة القرافي إلى حد اتهام بعض الأمنيين المسؤولين سابقا عن إدارة مكافحة الإرهاب في القرجاني وفي وزارة الداخلية بكون «التعذيب تسبب في « انتزاع اعترافات مزيفة «وفي « تأجيل معرفة المتهمين الحقيقيين في جريمة الهجوم على متحف باردو في مارس الماضي نتيجة فرض اعترافات بالقوة على متهمين أبرياء» . واعتبرت رئيسة جمعية القضاة أنه  «ربما كان يمكن تجنب جريمة فندق سوسة لو كان التحقيق سليما في جريمة باردو».؟؟
المسكوت عنه؟
وتكشف ردود الفعل على الاحتجاجات الاجتماعية وعلى أحداث أول أمس في القصبة وتلك التي تشهدها منذ مدة جهات مهمشة ـ من بينها القصرين وقبلي وقفصة ـ أن « المسكوت عنه وراء تلك الاحتجاجات أكثر من المعلن .
وتكشف بيانات ابرز الأطراف السياسية والاجتماعية أن غالبية «صناع القرار « داخل مؤسسات الحكم وفي البرلمان والمعارضة يميلون إلى التمييز بين المطالب « الشرعية « ـ وعلى رأسها مطالب تحسين الأوضاع الاجتماعية ـ و» التوظيف السياسي والفئوي والشخصي «.. وبينها الدعوات إلى إسقاط الحكومة ..
الشعب ممزق
وفي انتظار إجراء تحقيق قضائي مستقل وجدي سيبقى الشعب ممزقا ولا يعرف هوية «الأطراف» التي تحرك من حين لآخر جانبا من جيش العاطلين عن العمل والمهمشين أو الفئات التي تشكو من أوضاعها المادية السيئة ..وبينها فئة رجال الأمن..
وهل الهدف من مثل هذه التحركات تحسين واقع تلك الفئات الاجتماعية أم «ركوبها « لتحقيق أهداف سياسية وحزبية من بينها « إسقاط الحكومة « وهو شعار مركزي رفع أول أمس في ساحة القصبة من قبل مئات الأمنيين المتظاهرين؟؟
أين هيبة الدولة؟
مرة أخرى يجد التونسيون والتونسيات أنفسهم أمام معضلات أمنية وسياسية خطيرة جدا .. ويعلم جل الساسة أن « معاقبة آلاف الأمنيين» الذين تظاهروا في القصبة قد يؤثر سلبا على مستقبل الأمن في البلاد وعلى استقرار أجهزة الدولة ..
في نفس الوقت فان «غض الطرف» عن التجاوزات التي سجلات يوم الخميس سيعني بكل بساطة «مزيد هرسلة هيبة الدولة «..
وقد جاء في تصريح لنائب رئيس اتحاد الصناعة والتجارة البشير بوجدي: ان تيارا عريضا من رجال الأعمال ينتظر منذ انتخابات 2014 تجسيم شعار «إعادة هيبة الدولة « الذي رفعه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وحزب النداء في حملتهما الانتخابية ..
وتكشف تقارير صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومؤسسات أوربية ودولية عديدة أن الاستياء كبير جدا بسبب « حالة عدم استقرار الحكومات « و» عدم الاستقرار الأمني» في تونس منذ 2011..مع التأكيد على أنه « لا استثمار ولا تنمية بدون أمن ودون احترام جماعي لهيبة الدولة»..
عسى أن يتحرك البرلمانيون لإنقاذ الموقف وفرض احترام هيبة الدولة ..

 

كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *