تونس: الملفات الأمنية والاجتماعية المُعقدة تنفجر تباعا أمام حكومة الشاهد

 لم تنتظر الملفات الأمنية والاجتماعية المُعقدة التي تُعاني منها تونس طويلا، حتى بدأت تنفجر الواحدة تلو الأخرى أمام حكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد التي عقدت الأربعاء مجلسها الوزاري الأول برئاسة الرئيس الباجي قائد السبسي. وشكل الهجوم الإرهابي الذي استهدف الاثنين دورية عسكرية في منطقة جبل سمامة من محافظة القصرين، مُخلفا ثلاثة قتلى وتسعة جرحى في صفوف الجيش التونسي، بداية انفجار هذه الملفات الدقيقة بكل ما تتضمنه من تحديات، لا سيما أنه تزامن مع بدء مراسم تسلم يوسف الشاهد لمهامه رسميا من سلفه رئيس حكومة تصريف الأعمال الحبيب الصيد.

ورغم أن رسائل ذلك الهجوم الإرهابي وصلت مباشرة إلى يوسف الشاهد وحكومته التي تعهدت بأن تكسب المعركة على الإرهاب، حيث ردت بعملية وُصفت بالنوعية، أسفرت فجر الأربعاء عن مقتل إرهابيين إثنين في حي الكرمة من مدينة القصرين، فإن ذلك لم يمنع المراقبين من الإشارة إلى أن ملف الإرهاب سيبقى يؤرق هذه الحكومة وغيرها من الحكومات الأخرى بالنظر إلى تعقيدات هذا الملف وتشابك عناصره التي تداخلت بين الوطني الداخلي والإقليمي والدولي. وتُقر الحكومة بأن ملف الإرهاب يُعد واحدا من أبرز الملفات التي تشكل تحديا جديا بالنظر إلى تداعياته على بقية القطاعات وخاصة منها الاقتصادية والمالية، لذلك فهي تعتزم بلورة إستراتيجية أمنية واضحة ومتكاملة العناصر، للتصدي له، والحد من انعكاساته السلبية.

غير أن هذا الملف الذي عاد ليلقي بظلاله من جديد على المشهد السياسي، والعمل الحكومي، ليس هو الوحيد الذي تتعين على حكومة الشاهد مواجهته، حيث تفجر أمامها الملف الاجتماعي المرتبط بحالة الاحتقان الشديد الذي تعرفه عدة مناطق في البلاد، وكذلك أيضا العديد من القطاعات الأخرى. وبدأ هذا الملف يضغط بشكل مباشر على هذه الحكومة، حيث اندلعت موجة جديدة من الاضطرابات والاحتجاجات بعد يومين فقط من تسلم الحكومة مهامها، ما يعني أن الأيام القادمة ستشهد تصعيدا لافتا لمثل هذه التحركات الاحتجاجية التي شملت قطاع الفوفسات، وذلك في الوقت الذي لوحت فيه نقابات أخرى منها نقابة التعليم، بالتصعيد إذا لم تستجب الحكومة لمطالبها.

وشهدت منطقة الحوض المنجمي الأربعاء تصعيدا خطيرا، تسبب في شل الإنتاج بشكل تام، ترافق مع احتجاجات أخرى متواصلة منذ ثلاثة أيام في مدينة المكناسي من محافظة سيدي بوزيد. والأربعاء عمد العديد من العاطلين عن العمل إلى منع حافلات نقل عمال مقاطع ومغاسل مناجم الفوسفات في مدينة المتلوي، كما منعوا مرور شاحنات نقل الفوسفات إلى معامل تكرير هذه المادة الحيوية للاقتصاد التونسي. ولا يلوح في الأفق أن حكومة الشاهد ستجد حلولا سريعة لهذه المعضلة التي تراكمت مفاعيلها على مدى السنوات الخمس الماضية، الأمر الذي تسبب في تراجع نسبة إنتاج الفوسفات إلى 2.4 مليون طن منذ شهر يناير الماضي وذلك بحسب ما أكده علي الهوشاتي رئيس دائرة الاتصال بشركة فوسفات قفصة.

ولأن حكومة الشاهد تدرك تداعيات مثل هذه التحركات الاحتجاجية، وما رافقها من اعتصامات، وأعمال عنف، سارعت الأربعاء إلى عقد جلسة عمل لبحث ملف الفوسفات بمنطقة الحوض المنجمي بحضور وزراء الطاقة والمناجم والنقل وبالعلاقة مع مجلس نواب الشعب والعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان ونواب الشعب عن محافظة قفصة. غير أن كل الدلائل تشير إلى أن معالجة هذا الملف مازالت بعيدة المنال، لاعتبارات عديدة، أبرزها التجاذبات السياسية، والمطالب النقابية على ضوء موقف الاتحاد العام التونسي للشغل(أكبر منظمة نقابية في البلاد)، الذي رغم توقيعه على وثيقة “اتفاقية قرطاج” التي حددت أولويات عمل حكومة الشاهد، عاد ليؤكد أن أزمة إنتاج الفوسفات “مُفتعلة”، ويقف وراءها ما وصفه بلوبيات الفساد التي قال “يجب مواجهتها بالأساس”.
ودعا في بيان صدر الأربعاء عن هيئته الإدارية الوطنية مجلس النواب(البرلمان) إلى الإسراع بالمصادقة على قانون إحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي، مطالبا في الوقت نفسه الحكومة بالشروع في التفاوض حول الملفات الكبرى، وبإشراكه في الأعمال المرتبطة بإعداد الميزانية التكميلية لعام 2016 المزمع تحضيرها، مرورا بميزانية عام 2017، ووصولا إلى المخطط التوجيهي الخماسي للتنمية. وقبل ذلك، وجه حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل انتقادات مباشرة للحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد، وطالبها بالبحث عن “حلول أخرى لإنقاذ تونس من الوضع الاقتصادي الخانق الذي تعيشه دون اللجوء إلى التقشف على حساب الشغالين والفئات الهشة”.

واعتبر أن من بين أهم تلك الحلول تبقى مسألة “محاربة الفساد، والاقتصاد غير المنظم، ومقاومة الإرهاب، وإرساء الأمن ومراجعة قانون الجباية”، على حد قوله. ويرى مراقبون أنه من خلال هذه التطورات المتسارعة، يتضح أن الملفين الأمني والاجتماعي اللذين تفجرا بهذا الشكل السريع أمام حكومة يوسف الشاهد، سيُحددان مسار الحراك السياسي المُرتقب في البلاد، وطبيعة أجواء السجالات التي ستحيط به، بما يجعل شحنة التفاؤل التي سعى يوسف الشاهد إلى الدفع بها في بيانه الحكومي، تتلاشى أمام الصورة القاتمة التي رسمها لواقع تونس الراهن.

المصدر: العرب اللندنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *