تفكيك الجبهة الشعبية يعني تهشيم المشهد كلّه .. أيّة لعنة أصابت “الرّفاق”…؟! بقلم مراد علالة

*فعل “الرفاق” بانفسهم وجبهتهم ما لم يفعله فيهم وفيها الاعداء والخصوم بعد حروب الاستنزاف والاغتيالات
*مؤلم ان يتخّفى “الرفاق” اليوم وراء منطق التعامل بالمكتوب وينحدر النقاش الى مستوى التجريح
*اعادة خلط الاوراق والمقايضة برئاسة القائمات التشريعية وربما الذهاب بمرشحين اثنين الى الرئاسية هو العبث بعينه

خلافا لم يراه البعض، لا تشكل التطورات الاخيرة في الجبهة الشعبية مفاجأة بقدر ما تمثل النهاية الطبيعية لمسار طويل من التأزم السياسي والتنظيمي يعود الى لحظة التأسيس، وتفاقم بعد 2014 نتيجة مراكمة الاخطاء والتقصير والقصور بدل العمل على بناء الكيان الأقدر على تحقيق اهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة في ابعادها الشاملة خصوصا في سياق اجتماعي وموضوعي جدّ مناسب وسقف انتظارات شعبية غير مسبوق من مشروع حكم جديد لتونس الجديدة.
وبطبيعة الحال، جاءت نهاية المسلسل تراجيدية الى أبعد الحدود وفعل فيها «الرفاق» بأنفسهم وبجبهتهم ما لم يفعله فيهم وفيها الاعداء والخصوم بعد حروب الاستنزاف الكثيرة والاغتيالات التي عطّلت الانطلاقة الطبيعية للجبهة الشعبية.
وبلغ العبث ذروته بالتجرؤ على «القضاء» على وجود الجبهة الشعبية في السلطة الاصلية في رحاب مجلس نواب الشعب وذلك من خلال الاقدام على حل الكتلة النيابية بتقديم اغلبية 9 من ضمن 15 عضوا استقالاتهم الى جانب استقالة رئيس الكتلة من خطته وهو ما يعني اضمحلال الكتلة برمتها بما ان العدد الأدنى لوجودها هو 7 اعضاء.
خطوة مستهجنة
هذا ورغم تبريرات النواب «المستقلين» وحديثهم عن «رمزية» حركتهم وامكانية العدول على الاستقالة وتقديمها على كونها ورقة ضغط لحلحلة الأزمة فهذا كلام مردود على أصحابه ولا يرقى الى سمعة وتاريخ وأداء كتلة الجبهة الشعبية في مجلس نواب الشعب والتي يقر القاصي والداني بأنها من أفضل الكتل التي حافظت على تماسكها ونضاليتها وتعبيرها عن نبض الشارع التونسي ولم تسقط في فخ الشقوق والسياحة الحزبية علاوة على كونه ليس من حق اي نائب او قيادي ان يحتكر الجبهة التي اصبحت في وجدان الشعب ورقما اساسيا في المشهد السياسي والضامن للحد الادنى من التوازن بين مكونات منظومة الحكم والمعارضة الوطنية.
وحسنا ارتفعت بعض اصوات العقل من خارج الجبهة ـ هذا دليل اخر على مكانتها ـ ومن داخلها لاستهجان الخطوة والدفع باتجاه تجاوزها مثلما فعل حزب القطب الذي دعا الى المحافظة على الوحدة ورص الصفوف وحزب الطليعة العربي الديمقراطي الذي لم يخف انزعاجه من الاستقالة ودعا بدوره الى العدول عنها والجلوس مجدّدا الى طاولة الحوار الذي يتحمل الجميع مسؤولية انجاحه او فشله.
ورغم جسامة الضرر والهزّة التي ضربت في العمق صورة الجبهة لدى الجمهور عموما وجمهورها الخاص فإن الوعي والنضج الذي أبداه الكثير من قادتها الذين أهابوا ايضا بالمناضلين والانصار الى التوقف عن كل ما من شأنه تأجيج الخلاف بدل رأب الصدع واستعادة الوحدة، يبرز أن امكانية التدارك والانقاذ ممكنة وان «الضربة التي لا تميت تقوي» كما يقال في صورة توفر الشروط لذلك.
وأول الشروط هو الوضوح في الرؤية والتشخيص الدقيق والاعتراف الصريح بان «الرفاق» جميعهم مسؤولون ومخطئون ومقصّرون ولو بدرجات ومن يحاول اليوم القاء المسؤولية برمتها على الناطق الرسمي للجبهة حمة الهمامي مثلا يجانب الصواب لانه لو كان الامر كذلك لكان يسيرا انقاذ الجبهة بمجرد ازاحته من الخطة التي لم يتمسك بها صراحة بل وأدارها باقتدار باعتراف أغلب قادة الجبهة كي لا نقول جميعهم.
اسئلة مشروعة
ثانيا، مؤلم ان يتخفى «الرفاق» اليوم وراء البيروقراطية ومنطق التعامل بالمكتوب والمطالب الورقية والمواعيد المضبوطة والتهرب من لقاء فلان مع فلان بعد عقود من الالتقاء الميداني العفوي والثوري والانساني وان ينحدر النقاش الى مستوى التجريح.
ثالثا، صحيح ان موضوعات الهيكلة والخطط القيادية مهمة في العمل السياسي العام، لكن ما الذي منع «الرفاق» من عقد ندوتهم الوطنية الرابعة ودون شروط مسبقة وتقاسم للغنيمة كما يحصل في الاحزاب اليمينية والرجعية؟ ما الذي منع الرفاق من الحضور في الاستحقاق البلدي في 2018 بقوة؟ ما الذي جعلهم لا يعدون برنامجهم الاقتصادي والاجتماعي في افق استحقاقات 2019 الانتخابية كما فعلت النهضة والنداء وآفاق وغيرها بما في ذلك المنظمات الاجتماعية والنقابية على غرار اتحاد الشغل؟ ما الذي منع «الرفاق» من الادلاء بدلوهم في امهات القضايا الوطنية والاقليمية ـ ولا نتحدث هنا عن مجرد بيان ـ من الاليكا ومن الديون ومن الوضع في ليبيا والجزائر وصفقة القرن للتفريط في فلسطين والتطبيع مع الكيان الصهيوني؟
رابعا، لنقلها بوضوح هي عدوى منطق الغنيمة وعدوى لغة الشقوق طفت الى السطح مع بدء العد العكسي للانتخابات الرئاسية والتشريعية وغذتها مراهقة سياسية داخلية وإرث قديم من الصراع العبثي بين مكونات اليسار التاريخي بأجنحته الماركسية المتعددة والعروبية والقومية المختلفة.
لا شيء يبرر عدم طي صفحة مرشح الجبهة الشعبية للانتخابات الرئاسية وهو حمة الهمامي على قاعدة الاختيار الاغلبي الديمقراطي لمكونات الجبهة التي التزم بكل موضوعية بالتعبير عنها وقدم لها اضافة انتخابية في 2014 حين حل ثالثا في السباق الرئاسي والمفروض ان يكون ترشحه في سياق دعم وتعزيز حضور الجبهة في الاستحقاق التشريعي للوصول الى السلطة الاصلية.
أما اعادة خلط الاوراق اليوم وربما المقايضة برئاسة القائمات التشريعية ومن يدري الذهاب بمرشحين اثنين للرئاسية فهذا لا يمكن ان يكون سوى العبث بعينه وهو ما يتقاطع مع انتظارات الخصوم الآخرين الذين يراهنون على ضرب وحدة الجبهة وتغذية الانقسام حول خطها السياسي ليصبّ في نهاية المطاف في حساب احد اطراف منظومة الحكم ان لم يكن في حساب المنظومة كلها التي سيطيب لها الحكم في غياب الجبهة الشعبية وتهشيم المشهد كله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *