تغيير النظام من جديد ؟ .. بقلم كمال بن يونس

تتراكم الصعوبات و الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في تونس وفي كل دول المنطقة بما يتسبب في نشر مزيد من مشاعر الإحباط في صفوف الشباب والنخب والنشطاء السياسيين والحقوقيين .

وفي الوقت الذي يتفاءل فيه عدد من الساسة بفرص انقاذ الأوضاع في تونس رغم فشل مسار التغيير في بقية بلدان ” الربيع ” العربي ، تؤكد الدراسات والتقارير أنه لا مجال لاي دولة في العالم ـ وخاصة بالنسبة للبلدان الصغيرة والتابعة اقتصاديا ـ أن تتحرر من ضغوطات محيطها الاقليمي وبلدان جوارها الاستراتيجي .

ولا تزال الرهانات كبيرة على أن يوفق ” التحالف الحاكم الجديد ” في معالجة ازمات تونس المتراكمة منذ عقود والتي تعقدت وازدادت حدة خلال الاعوام القليلة الماضية .

ولا شك أن تشريك غالبية الاطراف السياسية والحزبية والنقابية في ” حكومة الوحدة الوطنية ” يمكن أن يؤدي إلى بدء معالجة الملفات المستعجلة في البلاد وعلى رأسها استفحال ظواهر الرشوة والتهريب والاضرابات وارتفاع نسب الفقر والتهميش والبطالة والادمان على المخدرات ..

لكن مؤشرات عديدة ترجح فرضية الفشل والاخفاقات واستفحال المشاكل القائمة وطنيا من بينها غموض تطورات الوضع في الدول المغاربية والاوربية والافريقية وتمديد الحروب في ليبيا وسوريا والعراق والخليج وفلسطين ولبنان …بما يعني حرمان شباب تونس من فرص توظيف مئات الالاف منهم مباشرة أو غير مباشرة .

ويتضح بعد 40عاما عن تفجير حروب لبنان وافغانستان والخليج العراق وايران والنزاع حول الصحراء بين الجزائر والمغرب أن مسلسل المواجهات الدموية والعنيفة داخل دول المنطقة وتطورات الاوضاع في كل بلد عربي واسلامي اصبحا رهينة مستجدات عديدة من بينها الصراعات الدولية والاقليمية من اجل بناء نظام اقليمي ودولي جديد.

وتكشف القراءة المتأنية لهيكلة الاستثمارات والتجارة أن تونس كانت ولا تزال تعتمد بنسب مرتفعة جدا على ” الخارج” في توفير مواردها المالية وتحقيق أمنها الغذائي و ضمان “أمنها القومي “…

لكن الارتجال الذي يحكم مواقف غالبية السياسيين منذ سنوات تسبب في مزيد تعميق الهوة بين الشباب و” الطبقة الحاكمة ” و في اعطاء الأولوية للولاء على الكفاءة والخبرة والوطنية …

في مثل هذا المناخ المتأزم قد تتعاقب مبادرات ” الاصلاح ” و” الترقيع ” و محاولات ” التدارك ” ، لكن المخاطر تبدو أكبر بكثير من أن تنجح خطة احتوائها عبر الحلول المنقوصة والظرفية التي لا تعالج الاسباب العميقة والهيكلية بابعادها الوطنية والاقليمية والدولية والجيو استراتيجية …

لم يعد واردا اليوم ” التقوقع ” واعتماد سياسة ” النعامة ” أو اعادة انتاج نفس الاخفاقات التنموية والسياسية والثقافية والتربوية والامنية ..

إن المطلوب اليوم بدء مسار تغيير شامل للنظام الاقتصادي الاجتماعي والسياسي الثقافي الامني .

والمطلوب من صناع القرار في القطاع الخاص والاحزاب والنقابات ومؤسسات الدولة التفكير في تغيير حقيقي لكامل المنظومة المعتمدة والتي أفرزت ملايين الفقراء والاميين ومئات الاف العاطلين والمهمشين والمدمنين والمنحرفين..

ليس مطلوبا التورط في مسلسلات جديدة من التغييرات العنيفة على غرار ما يجري في البلاد والمنطقة منذ ثورات 2011 ، لكن لا بديل عن اعاد بناء نظام اقليمي جديد وعن تغيير النظام السياسي داخليا وبناء منظومة قادرة على مواكبة التحديات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية الثقافية الجديدة ..

كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *