تعطيل تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات: حرب عالمية بالوكالة .. في تونس أيضا ؟ .. بقلم كمال بن يونس

يتعثر مشوار تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات ، وتتعاقب الأزمات السياسية والأمنية في وقت كان مفترضا أن تحتفل فيه تونس والشعوب العربية بالذكرى التاسعة للانتفاضات الاجتماعية والثورات الشبابية التي طالبت بالشغل والكرامة ومحاربة الرشوة والفساد وبالإصلاح السياسي وتحرير فلسطين ..


وتؤكد ” النخب السياسية الحاكمة والمعارضة ” مرة أخرى أنها ليست في مستوى إرادة التغيير والإصلاح التي عبر عنها الملايين من الشباب والمواطنين التونسيين والعرب طوال عامي 2011 و2012 خلال مسيراتهم وتظاهراتهم السلمية التي امتدت من الدول المغاربية إلى الخليج مرورا بمصر وسوريا والعراق ..
وكشف المنعرج العسكري الأمني الذي شهدته دول المنطقة منذ صائفة 2013 أن “النخب السياسية والثقافية ” قبلت الانخراط في أجندات إقليمية ودولية وظفت ثورات الشعوب من اجل توريط الجميع في حرب عالمية بالوكالة ..
واستخدمت أبشع أنواع الأسلحة في هذه الحرب بما في ذلك تفجير فتن داخلية لافتعال عنف لفظي ومادي غذته الخلافات الاديولوجية والدينية والمذهبية والجهوية والقبلية والطائفية ..تكريسا لشعار السياسة الاستعمارية :” فرق تسد”..
وقد نجحت النخب التونسية مرارا في استبعاد دفع البلاد نحو الحسم العسكري الامني للخلافات وقبلت الغالبية تبادل ” التنازلات سياسية ” والاحتكام الى صناديق الاقتراع وليس الى صناديق المفرقعات والسلاح ..
لكن تونس تشهد بدورها منذ أكثر من 6 أشهر صراعات في الكواليس توشك أن تدفعها نحو مستنقع العنف والعنف المضاد والاصطفاف الى جانب طرفين تشقهما تناقضات جوهرية من حيث تحالفاتهما الاقليمية والدولية :
– الاول أقرب الى المحور القطري التركي وحلفائه في المنطقة وخارجها ..
– الثاني أقرب إلى المحور السعودي الاماراتي وحلفائه اقليميا ودوليا..
وقد أقرت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتقارير مراكز الدراسات العالمية المختصة أن الادارة الامريكية في عهد الرئيس باراك اوباما ومؤسسة البنتاغون ساندتا ما بين 2010 و2013 ” الثورات العربية ” ومسار ” الانتقال الديمقراطي “..وسارت في نفس المنحى أغلب الدول الاوربية وبعض العواصم العربية والاسلامية ..
ثم ضغط المحافظون في واشنطن فكان المنعرج العسكري في مصر وسوريا واليمن وليييا منذ موفى 2013 ومطلع 2014..وأصبحت أولوية واشنطن وتل أبيب وحلفائهما في الوطن العربي أمنية وليست سياسية ..
كما لم يعد عدد من كبار صناع القرار الدولي يخفون معارضتهم للمسار الديمقراطي و لتنظيم مزيد من الانتخابات في البلدان العربية اذا كانت سوف تؤدي إلى فوز جماعات إسلامية بالاغلبية المطلقة أو النسبية ، على غرار ما حصل في أغلب بلدان ” الربيع العربي” بين 2011 و2013..وقبل ذلك في الجزائر عام 1991 وفي فلسطين عام 2006..
لذلك فإن المطلوب من السياسيين في تونس وليبيا وبقية الدول العربية اليوم الكف عن اضاعة الوقت والاجابة بوضوح عن الأسئلة المحرجة المسكوت عنها داخليا وخارجيا : هل ينبغي ” تعليق” المسار الديمقراطي والانتخابي والعودة إلى مربع ” الحزب الواحد والزعيم الأوحد و…”؟
أم يجب المضي في الخيار التعددي والديمقراطي مع ما يعنيه ذلك من احترام إرادة الناخبين وتهديد لمصالح بعض الأطراف المعارضة للإصلاح والتغيير من جهة ول” هيمنة الجماعات الإسلامية على الدولة” من جهة ثانية ؟
وكيف يمكن تحقيق ” التوازن الصعب ” بين المصلحة الوطنية العليا للبلاد وأجندات بعض الشخصيات والأحزاب واللوبيات التي تشقها تناقضات جوهرية فيما يتعلق بعلاقاتها بالمتحكمين في الحروب التي تشهدها المنطقة منذ 2011؟
.. في كل الحالات فإن السياسيين والمثقفين والإعلاميين التونسيين مطالبون أولا باستبعاد إلحاق تونس بقائمة دول ” الربيع العربي” التي تشهد منذ أعوام حربا عالمية بالوكالة .. لأن إيقاف الحروب والفتن أصعب ألف مرة من تفجير شرارتها ..
وعلى الجميع أن يدرك أن لا أحد من التونسيات والتونسيين يتمنى دفع الأوضاع نحو العنف المدمر والاقتتال والصراعات المدمرة على غرار ما يجري في عدد من الدول الشقيقة مثل ليبيا وسوريا واليمن والعراق..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *