خرجت حركة النهضة من مؤتمرها العاشر بالتخصّص في المجال السياسي في خطوة جديدة وجريئة نحو التخفّف من أثقال مشاغل دعويّة و نحو الإقتراب أكثر من هموم و هواجس الناس باعتبارها جزءا من السلطة السياسيّة على وجه الخصوص نحو الخروج من جبّة الإسلام السياسي الذي أصبح يثير جدلا إلى فضاء الإسلام الديمقراطي الأرحب.
لم تكن أفكار اللاّمركزيّة و الديمقراطيّة التشاركيّة وحتى التمثيليّة منها و معها ديمقراطيّة الرأي العام المولودةحديثا مجرّد أفكار تخصّ وتعني الدولة بمفردها في الفلسفة السياسيّة فهي بالأساس ضمن مقومات وعي ديمقراطي و ثقافة سياسيّة مواطنيّة تبنى عليها الأحزاب و الجمعيات و الجبهات و كل المجموعات البشريّة التي تشتغل بشكل جماعي على المشاركة في الشأن العام من زوايا مختلفة.
كلّ الأحزاب الكبيرة و العريقة تنتقل فيها مقاليد القيادة من جيل إلى آخر بسلاسة بديمقراطيّة وهي تتطوّر و تجدّد نفسها للتعبير عن هواجس الإنسان في زمانها و إنتظاراته منها بأشكال مختلفة ومن مختلف المواقع، من هذا المنطلق يكتسب التجديد الهيكلي والتشبيب أهميّة بالغة لا فقط من ناحية إعادة ولادة الحركة في ثوبها الجديد و لكن أيضا من ناحية مواكبة و مواءمة الجسم الحزبي للسياق و الزمن الثقافي والسياسي الجديد و المقبل على تغييرات متسارعة.
عملية تجديد الهياكل المحلية والجهوية تأتي في إطار استكمال مسار تجديد الهياكل القيادية في الحركة بعد المؤتمر العاشر تعزيزا للديمقراطية الداخلية والتداول على المسؤوليات وفتح المجال لمشاركة أوسع للشباب والمرأة، تداول لم تكن تتجاوزه أحزاب أخرى إلاّ مشتتة أو تعصف بها الأزمات لعدم قدرتها التنظيمية و القيادية و حتى السياسيّة على إدارة الإختلاف بالطرق الديمقراطية.
الإسلام الديمقراطي الذي تقود قاطرة التأسيس له حركة النهضة التونسيّة ليس مجرّد تيّار هلامي و لا يبدو من خلال تتبع مسار الحركة نفسها في السنوات الأخيرة مجرّد فكرة سياسية لتجاوز الإسلام السياسي و كل ما لحقه من شوائب و جدل و إنتقادات و لكنّه تطوّر نحو تحديث أساليب العمل السياسي نفسها في حركة طوعيّة داخليّة و خارجيّة.
مسار التجديد الهيكلي و القيادي في حركة النهضة بعد مؤتمرها العاشر الذي أقرّ التخصصًّ يعكس بوضوح طبيعة الديمقراطيّة الداخليّة ضمن الجسم الحزبي نفسه لهذا لتيّار جديد عنوانه الإسلام الديمقراطي ليس كما يظهر و يبدو من الخارج و لكنّه من الداخل أيضا من خلال فسح المجال أمام الهياكل المحلية و الجهويّة للتعبير عن نفسها من خلال هياكل منتخبة في مؤتمرات ديمقراطيّة و المشاركة من خلال ذلك في صناعة القرار صلب الحزب.
التجديد الهيكلي داخل حركة النهضة، ليس بهذه الصورة مجرّد نقل للمهام و المسؤولياتالمحلية و الجهويّة من مكاتب و أشخاص إلى مكاتب أخرى و أشخاص آخرين بل هو المرآة التي تعكس أن الثقافة الديمقراطية و لامركزيّة القرار و الديمقراطيّة التشاركيّة ليست مجرّد شعارات أو عناوين يتبنّاهى الإسلام الديمقراطي بل هي ممارسة صلب حزب حركة النهضة الذي أعلن عن نفسه ضمن هذا التيار قبل أن تكون في الخارج.
محمد علي عقربي