بعد 5 أعوام عن الثورة : أسئلة محرجة لكل السياسيين ..

· لماذا كانت الإخفاقات أكثر من الانجازات ؟

بعد 5 أعوام كاملة عن انفجار الحركات الاحتجاجية وما اصطلح على تسميته بثورات الشباب والمهمشين وابناء الطبقة الوسطى تطرح اسئلة محرجة بالجملة على ” النخبة ” وعلى ” السياسيين ” الذين تداولوا على توجيه القرار السياسي والاقتصادي والخيارات الكبرى في البلاد .

أولى تلك الاسئلة : هل كانت” النخب” والساسة في مستوى الأمانة التي عرضت عليهم ؟ أي هل كانوا أوفياء للشعارات الطموحة جدا التي رفعت منذ الايام الاولى التي عقبت انهيار حكم بن علي ثم بمناسبة المواعيد الانتخابية الثلاثة التي مرت بها البلاد ؟ أم حصل العكس ؟

هذه الاسئلة وغيرها تحيل على سؤال أخطر وأكثر دقة : هل نجح ” الثوار” وشركاؤهم في الحكم في تدارك النقائص التي ورثوها عن مرحلة ما قبل 14 جانفي أم أن الاوضاع ازدادت سوءا؟

وهل كانت النجاحات أكثر من الاخفاقات أم أن العكس هو الصحيح ؟

غموض ..وألغاز

لعل الطرح العقلاني ـ الذي يفرض نفسه هنا ـ يدعو الى الإقرار بكون ” انهيار رأس النظام في تونس حصل فجأة دون تهيئة البديل بخلاف ما حصل في دول اخرى مثل مصر وليبيا واليمن ..”

ولا يخلو هذا التحيل من وجاهة ..

فقد حصل شغور في أعلى هرم السلطة في تونس وغالبية صناع القرار في مؤسسات الرئاسة والحكومة والجيش والامن والبرلمان لا يدركون جيدا حقيقة ما يجري ..

وبالرغم من ترحيب جل الساسة والإعلاميين في تونس وخارجها مبكرا منذ مساء يوم 14 جانفي وصبيحة 15 جانفي 2011 ب”التغييرين” على رأس الدولة فقد ظل الغموض سائدا في قرطاج والقصبة وجل مؤسسات الدولة حول مصير البلاد في عهد الرئيسين الجديدين: محمد الغنوشي الذي تولى الرئاسة لمدة 15 ساعة ثم رئاسة الحكومة حتى موفى شهر فيفري وفؤاد المبزع الذي عين رئيسا صباح السبت 15 جانفي و بقي ” في الصف الثاني” حتى ما بعد انتخابات 23 أكتوبر2011..

وبالرغم من مرور 5 أعوام كاملة عن منعرج 14 جانفي التاريخي فان الغموض لا يزال سيد الموقف ..ولا تزال ألغاز كثيرة تنتظر التفكيك رغم الاف جلسات الاستماع والحوار التي عقدناها مع نخبة ممن ساهموا مباشرة وغير مباشرة في صنع القرار ما بين موفى 2010 وانتخابات اكتوبر2011..

اشارات حمراء

ولا يختلف اثنان اليوم في كون كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والامنية تؤكد أن حصيلة الحكومات السبعة الماضية ـ التي حكمت البلاد منذ 15 جانفي 2011 ـ تعقد الملفات الموروثة اكثر بدءا من ملفات الشباب المهمش والاخفاق المدرسي والجامعي والبطالة والانحراف والجريمة المنظمة والفردية والارهاب ..

في نفس الوقت استفحلت ديون الدولة الخارجية والداخلية بشكل غير مسبوق وتجاوزت نسبة الديون الاجنبية ال80 بالمائة ..وبلغت قيمة الدينار التونسي لاول مرة اقل من نصف دولار واقل بكثير من نصف يورو ..فيما التهبت الاسعار ومر عدد العاطلين عن العمل من 300 الف الى حوالي مليون ..رغم التسهيلات التي قدمتها الحكومات المتعاقبة للمؤسسات ومن بنيها ” تأجيل ” مواعيد تسديد الضرائب ومساهماتها في الصناديق الاجتماعية المفلسة ..

مراحل انتقالية

فهل يمكن تفسير كل هذه الاخفاقات ب” المرحلة الانتقالية ” ـ أو ” المراحل الانتقالية ” التي تمر بها البلاد ؟

صحيح أن الرئيس الباجي قائد السبسي وصف حكومة الحبيب الصيد الاولى ب” حكومة تصريف أعمال جديدة “..

وصحيح أن المراقبين وصفوا كل الحكومات السابقة ب” حكومات انتقالية ” و” حكومات تصريف اعمال “..

لكن هل يعني ذلك انه لا ينبغي أن يقيم أداء تلك الحكومات ” الانتقالية ” و” المؤقتة “؟

وهل لا تنبغي محاسبة ” المسؤولين سياسيا ” عن اخفاقات الاعوام الخمسة الماضية امنيا واقتصاديا وسياسيا ؟

ألا ينبغي مصارحة الشعب بالحقيقة وتقديم نقد ذاتي له من قبل كل النخب والسياسيين وقيادات الاحزاب والوزراء الحاليين والقدامي ؟

الولاء قبل الكفاءة

في هذا السياق يمكن التوقف عند ملاحظات منهجية وتقارير دقيقة صدرت سرا وعلنا حول أداء الاحزاب والشخصيات السياسية والاقتصادية الرئيسية خلال الاعوام الخمسة الماضية .

ألم يكن القاسم المشترك في حكومات ما قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011 وما بعده ثم في عهد التكنوقراط وما بعد انتخابات 2014 التعامل مع ملف ” التعيينات ” وفق قاعدة :” الولاء قبل الكفاءة ” ؟

ألا يمكن تفسير جانب كبير من ” الاخفاقات التي فاقت الانجازات ” ب”الاجندات الخاصة” لبعض الشخصيات واللوبيات والقيادات الحزبية والسياسية وقوى الضغط الاقتصادي والمالي ؟

أليس من باب الانصاف الاقرار بكون ” العوامل الهيكلية ” و” الاترث الثقيل ” و” التركة الثقيلة ” تبريرات لا تفسر دوما غلطات بعض المسؤولين في الدولة الذين عينوا ولا يزاولون يعينون على راس مواقع استراتيجية دون أن تتوفر فيهم شروط الخبرة والكفاءة والنزاهة والمصداقية ؟

3 قوى .. ومافيات

واذ يتطلع الجميع الى المستقبل بعد تشكيل الحكومة الثامنة وانطلاق الدورة البرلمانية الجديدة فان التحديات التي تواجه البلاد سياسيا وامنيا واقتصاديا توشك أن تتعقد بشكل غير مسبوق وسط تخوفات من اندلاع أزمات اجتماعية أمنية خانقة جديدة ..

وتؤكد هذا السيناريو التقديرات الاولية لخسائر قطاعات السياحة والصناعات التقليدية والخدمات والفلاحة والصيد البحري بسبب استفحال الازمة الامنية في ليبيا من جهة ومضاعفات العمليات الارهابية المتعاقبة من جهة ثانية .

في هذا الصدد يتحدث عدد من الخبراء عن كون تونس أصبحت فريسة قوتين كبريين : الأولى مافيات المال السياسي الفاسد والثانية مجموعات الضغط واللوبيات الاجنبية . في المقابل تبقى القوى الثالثة قوة الوطنيين والنزهاء والكفاءات والخبراء المستقلين مهمشة وعرضة لمزيد من التهميش ..

في انتظار تحرك ” الفاعلين الوطنيين والنزهاء” ستبقى الاعناق مشرئبة ..والانظار محدقة .. تحسبا لانفجارات مجهولة العواقب قد يقوم بها مجددا ” المهمشون ” و” الشباب ” الذي أصدر منذ ربيع 2011 حكمه القاسي والنهائي :” ثورة الشباب ركبها الشياب “..أي “الشيوخ ” والكهول ..

كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *