صادف الإعلان عن التشكيلة الكاملة لتركيبة حكومة يوسف الشاهد ـ التاسعة منذ جانفي 2011 ـ الذكرى الثالثة للقاء التاريخي الذي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس بين الزعيم المؤسس لحزب نداء تونس و»الاتحاد من اجل تونس» الباجي قائد السبسي وزعيم حركة النهضة و»الترويكا» الحاكمة آنذاك راشد الغنوشي..
كانت البلاد مهددة وقتها بمنعرج عسكري أمني خطير على غرار ما حصل في دول شقيقة أجهضه «الشيخان» بتوافقات مكلفة للجانبين..
حسم لقاء باريس النزاعات السياسية وأوكل إلى ممثلي «المجتمع المدني» تأثيث حوار وطني، كانت نتيجته معلومة مسبقا: استقالة حكومة علي العريض وتشكيل حكومة «تكنوقراط» تزعمها المهدي جمعة، مهدت لانتخابات 2014 التي أوصلت قائد السبسي وحزبه إلى الحكم.
ولئن تباينت التقييمات ولا تزال للقاء باريس بين الباجي والغنوشي ، فإن الجميع يقر اليوم بكون اتفاقات زعيمي النهضة والنداء كانت مدعومة من كبار صناع القرار دوليا وداخليا ، ضمن توجه يراهن على نجاح «النموذج التونسي «السلمي للتغيير والتداول على السلطة وعلى خيار «التوافقات».. تمهيدا لتصديره عربيا وإسلاميا..
وقد تطور موقف كثير من معارضي لقاء باريس تدريجيا إلى مناصرين له داخل الدستوريين والتجمعيين واليساريين والإسلاميين والقوميين.
وأثبت هؤلاء إيمانهم بقاعدة أن «السياسة هي فن الممكن» وأن التحالفات السياسية يحكمها منطق «ميزان القوى» وليس الشعارات الجميلة فقط .. وقد بدا كل هذا منطقيا..
لكن العنصر الجديد في مشروع الحكومة الجديدة أنها وحدت لأول مرة في تاريخ تونس رجال أعمال ونقابيين وسياسيين بارزين من رموز اليسار «الراديكالي» وتجمعيين ودستوريين وندائيين من مختلف المدارس وإسلاميين من قيادة حركة النهضة..
فهل يتعلق الأمر بنجاح تاريخي أنجزه الباجي قائد السبسي وشركاؤهفي «وثيقة قرطاج» من خلال بناء «حكومة وحدة وطنية» كرست لأول مرة مصالحة وطنية وسياسية شاملة بين الدستوريين واليساريين والإسلاميين والليبيراليين والعلمانيين؟
قد تبرز تباينات في تقييم الشخصيات التي وقع تأثيث الحكومة بها.. وفي تقدير الحقيبة التي أسندت إلى بعضها..
لكن الأمر يتعلق بمناصب سياسية وطنية..
والإعلان عن التشكيلة الحالية ـ بصرف النظر عن مآلها ـ منعرج سياسي تاريخي كرس تطبيعا غير مسبوق بين خصوم الأمس وبعض «أعداء ساحة باردو 2013».. فضلا عن كون هذا «التطبيع» شمل لأول مرة زعامات من اليسار النقابي والطلابي ومن رموز حركة الاتجاه الإسلامي / حركة النهضة لاحقا / بقياديين من حزب بورقيبة / بن علي: الحزب الدستوري ومن « النداء»..
وسوف تثبت الأيام والأسابيع القادمة إن كان هؤلاء الزعماء والرموز والقيادييين استوعبوا فعلا دعوات قائد السبسي والغنوشي والمقربين منهم للمصالحة الوطنية والتوافق أم لا..
في كل الحالات فان حوالي 700 ألف شاب عاطل عن العمل ـ بينهم 250 ألف من حاملي الشهائد العليا ـ يتطلعون إلى حكومة والى سياسيين ومثقفين يتسابقون من أجل معالجة مشاكل الحاضر والمستقبل وليس الصراع حول الماضي والشعارات الإيديولوجية التي لم تعد تغري المراهقين والأطفال فضلا عن الكهول..
ان الشعب ينتظر من حكومته الجديدة البدء فورا في معالجة المشاكل التنموية للبلاد وعلى رأسها مناخ الاستثمار وظروف التكوين والتشغيل.. عسى الابتسامة تنتشر مجددا في البلاد ويتوقف مسلسل الانتحارات وتتراجع نسبة لجوء الشباب من الجنسين إلى الحلول اليائسة.. وبينها العنف والجريمة المنظمة والإرهاب..