بعد فوز الجمهوريين في الانتخابات الأمريكية : تغيير مرتقب لخارطة دول الخليج ؟.. بقلم كمال بن يونس

* توظيف ورقات الإرهاب والطائفية وحقوق الإنسان لزعزعة دول المنطقة

 

في الوقت الذي تابع فيه العالم بقدر كبير من “التهريج ” و” التشويق ” الانتخابات الرئاسية الأمريكية مع التركيز على شخصية الرئيس الفائز ” ترامب ” تناسى كثيرون أن أهم رسائل الانتخابات الامريكية دعم هيمنة ” الجمهوريين ” على الكنغرس الامريكي بغرفتيه : مجلس النواب ومجلس الشيوخ .

بعد هذه النتائج والتغييرات التي من المقرر أن تشمل سياسات الكنغرس والبيت الابيض تطرح تساؤلات كثيرة من بينها : كيف ستكون أولويات الكنغرس والرئيس الجديدين بالنسبة للعالم العربي الاسلامي عموما والخليج خاصة ؟

هل سيتناسى الرئيس الجمهورية ترامب وأنصاره في الكنغرس تهديداتهم ب” تغيير علاقاتهم جذريا في الخليج وفي العالم الاسلامي والصين والمكسيك واوربا أم يحصل العكس وتبدأ مرحلة ” تغيير خارطة المنطقة ” التي يطالب بها زعماء جمهوريون منذ مدة ؟

تقارير أمريكية ودولية استراتيجية عديدة تتحدث عن سيناريو دفع ” الجمهوريين ” المنطقة العربية الاسلامية عموما ودول الخليج خاصة مرحلة جديدة من ” التغييرات ” الجوهرية التي ستؤدي الى اعادة رسم الخارطة الجيو سياسية فيها .

مخططات ” المحافظين الجدد”

وبعيدا عن ” انفعالات ” مختلف الاطراف السياسية في العالم وفي العالم العربي الاسلامي ـ والتي تراوحت بين الترحيب و” التشهير”بخطب دونالد ترامب واعضاء الكنغرس الجمهوريين خلال حملاتهم الانتخابية ، تكشف مصادر متنوعة أن ” المحافظين الجدد” وتيارا من ” الجمهوريين ” ماضون في مرحلة ” تغييرات استراتيجية ” في المشرق العربي وخاصة في الدول الخليجية العربية وغير العربية .

واعتبر كثير من المحللين ـ بينهم عبد الباري عطوان ـ أن تصويت 98 عضوا من بين 99 من أعضاء مجلس الشيوخ ضد فيتو الرئيس الديمقراطي أوباما حول ” قانون العدالة ضد دعاة الارهاب ” في موفى سبتمبر الماضي كان الرسالة الأكبر على عمق ” التغيرات في الأولويات الإستراتيجية الأمريكية ” في المشرق العربي الإسلامي وتحديدا في العلاقة بسلطات المملكة العربية وبعض دول مجلس التعاون الخليجي .

وكان الرؤساء الجمهوريون السابقون رونالد ريغن ثم بوش الاب وبوش الابن قد أعلنوا مرارا عن مخططاتهم لاعادة النظر في النظامين الاقليمي والدولي السائدين ، وعن اعادة صياغة خارطة المنطقة وفق الاولويات الجديدة لواشنطن ومن بينها أولوياتها الامنية ونظرتها لمستقبل التعليم والتربية والامن الثقافي والمجتمعي فيها ..

النفط وبحرا المتوسط والاحمر

وبالرغم من ” التطمينات ” التي حاول بعض الساسة الامريكيين والغربيين تقديمها إلى العواصم العربية والخليجية بعد ذلك التصويت الذي استهدف النظام السعودي، فقد كان سابقة في تاريخ العلاقات الامريكية العربية .

لكن ذلك ” التصعيد” لم يكن مرتجلا . بل جاء بعد سنوات من استفزازات بعض اللوبيات الامريكية والغربية لصناع القرار السياسي والاقتصادي في الوطن العربي عموما وفي الخليج خاصة .

وكانت وراء تلك “الاستفزازات” و” حملات التصعيد ” معطيات استراتيجية جديدة من بينها ” تراجع الحاجة لنفط العرب وثرواته ولدول البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر بعد أن أصبحت دول شرق آسيا وآسيا الوسطى الشريك الاقتصادي الاول لواشنطن وغالبية شركائها الغربيين …مثلما تكشفه تقارير البنتاغون ووزارة الخارجية الامريكية .

بل لقد أكدت كل الدراسات الاقتصادية الامريكية للعامين الأخيرين أن بعض الدول الصناعية في المنطقة أصبحت تستورد جانبا من غازها ونفطها من الولايات المتحدة الأمريكية ..الذي أصبح مؤمنا أكثر بسبب حروب اليمن وسوريا والعراق وليبيا ولبنان وفلسطين واضطرابات الاوضاع الامنية والسياسية في كامل الوطن العربي ..

من “الحرب الباردة” الى التغيير

ولا شك أن تصريحات ترامب وهيلاري كلينتون وباراك أوباما بعد اعلان النتائج تؤكد أن ” منطق الدولة يختلف عن منطق المزايدات الانتخابية ” و” التصريحات النارية والاستفزازية ” والتي تضمنت تهديدات وجهها المرشح الجمهوري لعدد من دول العام بينها الدول الخليجية والصين والمكسيك واوربا وروسيا ..فضلا عن ربطه الارهاب باللاجئين المسلمين في الولايات المتحدة وتلويحه بطردهم (؟؟) .

لكن مصادر عديدة تؤكد أن ” الجمهوريين ” في الكنغرس قد يغيرون سياستهم الخارجية بما في ذلك فيما يتعلق ب” التحالف الاستراتيجي الامريكي السعودي التاريخي “..

ومرة أخرى يعود إلى السطح وسط بعض اللوبيات القريبة من ” الكنغرس ” و” الجمهوريين” الجدل حول شعارات رونالد ريغن وتلامذته منذ خطابه في هلسنكي 1983 حول ” الانتقال من الحرب الباردة الى مرحلة تغيير الانظمة في اتجاه فرض القيم الديمقراطية الامريكية “.

وكان ذلك الخطاب وراء ” مبادرة الشرق الاوسط الكبير” التي دعا اليها بوش الابن ووزيرا الخارجية كولن باول وغوانزالزا رايس قبل حرب العراق في 2003 وبعدها حول ” استبدال التحالف مع الانظمة الدكتاتورية والمورطة في الفساد المالي ” بالمجتمع المدني ورجال الاعمال والقوى السياسية التي تدعم التنمية الاقتصادية والديمقراطية وحقوق الانسان ..

البرنامج النووي الايراني

في الاثناء يحاول قادة الدول الخليجية التقليل من ” مخاطر التحولات الاستراتيجية ” التي تهدد دولهم .

وفي قلل طهران قلل زعماء ايرام من انعكاسات نتائج انتخاب ترامب وانصاره في الحزب الجمهوري على الاتفاق النووي الايراني الاممي الغربي .

واعلن حسام الدين اشنا المستشار الإعلامي للرئيس الإيراني حسن روحاني  في حوارمع الصباح ان “طهران لا تتخوف من نتائج الانتخابات الأمريكية ومن وصول ترامب الى البيت الأبيض “.

واستبعد المستشار الإعلامي للرئيس الإيراني ان يتسبب فوز ترامب في إلغاء الاتفاق النوري بين ايران وواشنطن والعواصم الغربية “لانه كان اتفاقا دوليا رعته الامم المتحدة وشاركت فيه دول كبرى ولم يكن اتفاقا ثنائيا إيرانيا أمريكيا “.

واعتبر مستشار الرئيس حسن روحاني  ان ” خطابات الحملات الانتخابية في أمريكا ستختلف عن خطاب الإدارة الأمريكية بعد الانتخابات ” ورجح ان يحكم منطق تقاطع المصالح سياسات الإدارة الأمريكية القادمة وليس شعارات الإثارة التي تبررها الاعتبارات الانتخابية ” .

العلاقات مع السعودية

وفي الوقت الذي توقعت فيه بعض المصادر توظيف واشنطن وحلفاؤها لورقات ” حقوق الانسان ” و”الارهاب” و” الطائفية ” و” الخلافات الشيعية السنية ” في سياسات واشنطن القادمة في الخليج أورد مستشار الرئيس الايراني في حديثه للصباح انه “خلافا لما يروجه البعض فان طهران لا تسعى للتدخل في الشؤون السعودية الداخلية وليست مع إسقاط النظام السعودي او تغييره وهي تعلم ان تغيير هذا النظام قد يجر المنطقة الى مخاطر مجهولة العواقب مثلما تطورت الأوضاع سلبا في ليبيا واليمن وبقية الدول العربية التي فرضت عليها تغييرات عنيفة غير مدروسة “.
وأكد المسؤول الإيراني الكبير ان طهران تسعى الى “تطوير العلاقات الإيرانية العربية والإيرانية السعودية رغم الفتور الذي أحدثته الخلافات بسبب حروب سوريا واليمن والعراق ولبنان .”

تعددية وقبول الاختلافات

من جهة أخرى أعرب المفكر السعودي والمدير العام لمنظمة الايسيسكو ـ المنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والعلوم ـ عبد العزيز التويجري في حديث للصباح أن ” الدول العربية والاسلامية لديها استراتيجية شاملة لمكافحة الارهاب عبر الاصلاح التربوي والثقافي ونشر القراءات المعتدلة والمستنيرة للتراث الاسلامي ” .

واورد التويجري في حديثه للصباح أن ” المملكة العربية السعودية وكل الدول الاسلامية صادقت في المؤتمر الاول لوزراء التربية والتعليم للدول بتونس موفى اكتوبر على ” استراتيجية كاملة للحوار ودعم القيم الوسطية للاسلام ” و” قبول الاختلافات داخل الأمة الإسلامية بكل مكوناتها من سنة وشيعة وعرب وإيرانيين وأسيويين واوربيين ..” شريطة عدم ” تورط أي طرف في فرض أجنداته المذهبية والطائفية على البقية أو في مخططات تهدف الى التدخل في شؤون الدول الاخرى “…

وكان التويجري واعضاده التقوا في تونس الوفد الإيراني في المؤتمر وأجروا حوارا مطولا حول قبول التعدد والاختلاف داخل المنطقة واقرار مبدأ التعايش والوسطية ..” حتى لا توظف الاختلافات والخصوصيات المذهبية والطائفية ” من قبل قوى اجنبية خدمة لأجنداتها ..بعيدا عن أجندات شعوب المنطقة ودولها ..

في كل الحالات يبدو أن رمال الصحراء قد تحركها بعض العواصف الجديدة ..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *