بعد زيارة الصيد إلى ليبيا والمغرب والسراج إلى تونس.. تونس تتنفس برئة جديدة؟ .. بقلم كمال بن يونس  

فاجأ رئيس الحكومة الحبيب الصيد ووزير الخارجية خميس الجهيناوي المراقبين بـ”زيارة فجئية” قاما بها إلى الشقيقة طرابلس يوم الجمعة الماضي. وبذلك أصبحت تونس أول دولة توجه رئيس حكومتها إلى ليبيا بعد عودة مجلس الرئاسة الجديد إليه.

وبالأمس تحدث الصيد والجهيناوي من الرباط عن الملف الليبي على هامش لقاء مع رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران.

وبالأمس أيضا أنهى رئيس مجلس الرئاسة الليبي بتونس زيارة دامت يومين أجرى خلالها من جهة لقاءات مع جمع من كبار المسؤولين في الدولة ـ توجت بلقاء رئيس الدولة الباجي قائد السبسي ـ وشملت من جهة أخرى «محادثات» و»مفاوضات» مع بعثة الأمم المتحدة برئاسة كوبلر وممثلين عن المعارضين لمسار»الصخيرات» وبينهم عدد من شيوخ «القبائل» الموالين للنظام الليبي السابقأو للواء المتقاعد خليفة حفتر.

فما هي دلاله هذين الحدثين؟ وهل يساهمان فعلا في إنجاح المسار السياسي في ليبيا وفي توفير «رئة جديدة» للاقتصاد والمجتمع والدولة في تونس بعد أن «تعفنت مسالك الرئة الأولى» بسبب انسداد الآفاق داخليا وفي محيط البلاد الإقليمي وخاصة في ليبيا التي كانت قبل 2011 الشريك الأول لتونس بعد الاتحاد الأوروبي؟

 خلافا لكثير من التعليقات أكد لنا وزير الخارجية خميس الجهيناوي أن «زيارة رئيس الحكومة رفقة وزير الخارجية إلى طرابلس لم تكن فجئية بل كانت مبرمجة وتقرر أن تنظم بعد استكمال مجموعة من المسارات السياسية الليبية في تونس كان من بينها إبرام الاتفاق السياسي برعاية الأمم المتحدة وعقد مؤتمر وزراء خارجية دول الجوار الليبي ثم مؤتمر وزراء خارجية الاتحاد المغاربي بعد أن عادت القيادة الليبية من تونس إلى طرابلس مثلما سبق أن عادت القيادة الفلسطينية بزعامة الرئيس عرفات من تونس إلى فلسطين بعد عقود من المنافي والتشريد».

 تفاؤل..رغم المخاطر

في نفس الوقت أكد لنا رئيس مجلس الرئاسة الليبي فايز السراج خلال لقاء صحفي خاص أن «الأوضاع السياسية في ليبيا وفي محيطها الإقليمي ـ وخاصة في تونس والجزائر ومصر ـ تتطور إيجابا وتتناسق مع الدعم الدولي والأمم المتحدة للسلطات الشرعية وحكومة التوافق».

وقد بدا السراج خلال لقائنا به متفائلا جدا بمسار محادثاته مع المسؤولين التونسيين والمعارضين الليبيين الذين طلبوا لقاءه في تونس «بعيدا عن الأضواء». وأكد الرئيس الليبي المؤقت الجديد على الصبغة الإستراتيجية للعلاقات التونسية الليبية حاضرا ومستقبلا«.

وكان بين هؤلاء المعارضين الذين التقاهم الرئيس الليبي المؤقت ونائبه فتحي المجبري، قيادات بارزة من « إقليمي الشرق والجنوب» ومن منطقتي الزنتان ومصراطة. وقد عرف بعضهم سابقا بولائه للنظام الليبيالسابق ولقيادة «الجيش العربي الليبي» بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي أقصاه الفصل الثامن من اتفاق الصخيرات من المشهد السياسي الليبي القادم على غرار «كل الذين تحملوا مسؤوليات سياسية وعسكرية عليا في الأعوام الخمسة الماضية« .

لكن مصادر ليبية معارضة ومستقلة مقيمة في تونس ـ بينها الجامعي محمد الجراح ـ شككت في قدرة حكومة التوافق الحالية على إنجاح المسار السياسي السلمي «دون توافق مع ممثلي» القبائل «وحلفائهم داخل المؤسسات العسكرية والأمنية بصرف النظر عن المستقبل السياسي للواء خليفة حفتر».

مواقف من التدخل الأجنبي

ومن أكثر ما يلفت الانتباه في تصريحات رئيس الحكومة الحبيب الصيد ووزير الخارجية خميس الجهيناوي أمس في المغرب والأسبوع الماضي في تونس تناسقها مع تصريحات أدلى بها رئيس مجلس الرئاسة الليبي في القاهرة قبل أيام وهي جميعا تؤكد على « رفض التدخل الأجنبي في ليبيا«.

وكان إعلان تونس الصادر عن مؤتمر وزراء الخارجية المغاربيين المنعقد الأسبوع الماضي في ضاحية قمرت تضمن موقفا واضحا مماثلا يعارض « التدخل الأجنبي في ليبيا»(؟؟) .

وجاء بالأمس في تصريحات الحبيب الصيد بعد لقائه عبد الالاه بن كيران رئيس حكومة المغرب بالخصوص:

«كل تدخل في الشأن الليبي غلط» وقال الصيد إن «الشأن الليبي هو شأن ليبي – ليبي، وكل تدخل في الشأن الليبي غلط، وتونس لم تتدخل في الشأن الليبي وكان موقفها واضحا منذ اليوم الأول أي منذ 2011… فالموضوع يخص الشعب المعني بالأمر وهو الذي عليه أن يأخذ القرارات اللازمة لحل مشاكله».

وذكر رئيس الحكومة بكون «تونس فتحت أبوابها وقبلت ما لا يقل من مليوني نازح من ليبيا وتحملت كل الأعباء… وتونس هي البلد الوحيد الذي ترك أبوابه مفتوحة أمام الليبيين سواء الذين كانوا مع النظام أو الذين كانوا ضده» (أي أنها لم تفرض عليهم تأشيراتدخول(.

 خطوة إلى الأمام خطوات إلى الوراء

إلا أن السؤال الذي يطرح بعد لقاءات السيد فايز السراج بالرئيس الباجي قائد السبسي ومحادثاته في مصر مع الرئيس السيسي ومع أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي: هل تكون الأوضاع في ليبيا ثم في دول الجوار ـ وخاصة تونس ومصر والجزائر ـ مرشحة فعلا لمنعرج حاسم ولأن تتنفس بـ»رئة إضافية» اقتصاديا واجتماعيا؟

أم أن الصراعات المسلحة المتواصلة في منطقتي بنغازي وسرت و»جيوب» في مصراطة والزنتان.. توحي بأن الأوضاع الأمنية والسياسية في ليبيا ومحيطها الإقليمي ستضل تراوح مكانها: خطوة إلى الأمام وخطوات إلى الوراء ؟؟

البلاغ الصادر بعد لقاء السراج بقائد السبسي يدعو إلى التفاؤل.

وكان السراج أورد في تصريح لـ»الصباح» عن تفاؤله بمضاعفات «مشاوراته مع السيسي ونبيل العربي في القاهرة» وبنتائج «محادثاته في تونس مع ممثلين عن الشرق والغرب«.

لكن السراجسبق له أن حذر في تصريح أدلى به من القاهرة إلى الشرق الأوسط اللندنية من «تعثر عملية عقد مجلس النواب في طبرق رغم توقيع 103 من الأعضاء على وثيقة تساند اتفاقية الصخيرات«.

8 مليار دينار

في الأثناء تكشف الدراسات الاقتصادية والاجتماعية تراجع الموارد المالية لتونس دولة ومجتمعا بشكل مفزع منذ أن استفحلت الأوضاع الأمنية في طرابلس والمدن المجاورة لها وصراعات النفوذ على المطارات والبوابات في صائفة 2014.

وتقدر وزارة الخارجية قيمة المبادلات التجارية بين تونس وليبيا قبل 2011 بحوالي 2 مليار دولار أي حوالي 4 مليار دينار تونسي. كما كان عدد السياح الليبيين في تونس يتراوح سنويا بين مليون ومليونين نسبة كبيرة منهم كانوا معنيين بـ»السياحة الطبية» أي من بين الذين ينفقون أكثر من 10 آلاف دولار بالنسبة للفرد الواحد.

وفي صورة احتساب مداخيل السياحة الطبية والتجارة الموازية فان مداخيلتونس من ليبيا كانت في حدود 8 مليار دينار أي حوالي ثلث ميزانية الدولة.

وتكشف تصريحات وزراء التجارة والصناعة والفلاحة وقادة منظمات رجال الأعمال أن عشرات المصانع والمؤسسات التي تنتج أساسا للسوق الليبية وللأسواق الإفريقية التي تمر بليبيا أغلقت أو دخلت في مرحلة إفلاس منذ بدء «الربيع» العربي في 2011.

فهل تأتي الأيام القادمة بأنباء مطمئنة تؤكد انتصار «اتفاق الصخيرات» الذي دعمه مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي؟

مارتن كوبلر موفد أمين عام الأمم المتحدة صرّح لـ«الصباح» على هامش لقائه بفايز السّراج أنه «متفائل جدا بانتصار المسار السياسي في ليبيا وفي كامل المنطقة»..

أمل.. قد تصدقه التطورات الميدانية.. فيعيد الليبيون بناء بلد دمرته الحرب وتتمكن تونس من أن «تتنفس برئة جديدة».. رغم انتشار خلايا سرطانية في رئتها «الداخلية».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *