بعد حملة التناقضات… ترامب يستعيد وجهه الحقيقي .. بقلم جنات بن عبد الله

مغرب نيوز – جنات بن عبد الله

وأخيرا نجح المهمشون والطبقة الوسطى من الشعب الأمريكي في الوقوف في وجه أنصار “وول ستيرت” وبورصة نيويورك والجشعين من السلطة المالية العالمية وايصال احتجاجاتهم ورفضهم للسياسات المدافعة عن راس المال والضاربة عرض الحائط بأبسط حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية مثل حقهم في التعليم والصحة والحياة الكريمة.
دونالد ترامب الرئيس الجديد للولايات المتحدة الامريكية، رغم أنه ترشح باسم الحزب الجمهوري، فقد تخلى عنه عدد هام من الجمهوريين وتقدم الى الانتخابات الرئاسية بأفكاره المناهضة، ظاهريا، للعولمة وللهيمنة الامريكية على حساب فئات اجتماعية لا تزال تجني تداعيات عولمة جشعة ووحشية. هذه الأفكار لا تندرج ضمن ايديولوجية واضحة الا أنها جاءت في إطار برنامج اقتصادي يعكس في العمق توجهات الحزب الجمهوري ويأخذ في الاعتبار بعض امال الفئات المتضررة من الأزمة المالية العالمية لسنة 2008 والتي دفعت تكاليفها باهضة لفائدة البنوك والمؤسسات المالية التي كانت وراء انهيار المنظومة المالية العالمية آنذاك.
نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية كان تعبيرا عن ثأر هذه الفئات من كل من خرج منتصرا من الأزمة المالية ولم يكن انتصارا عليهم باعتبار قدرتهم على التربص والاستفادة من الازمات للخروج أقوى من السابق سواء كانوا من الجمهوريين أو الديمقراطيين، فهم يلتقون دائما في النقطة التي تشكل السقف الذي لا يجب تجاوزه لحماية مصالحهم المتضاربة والمشتركة أيضا. المعركة سيكون مسرحها الكونغرس الأمريكي حيث سيواصل الجمهوريون تنفيذ سياساتهم الاقتصادية والمالية والتجارية دون الاكتراث بما وعد به ترامب أنصاره من البيض في مجال السياسة الاجتماعية من أجل تحسين ظروف عيشهم. البرنامج الاقتصادي الذي سوق له ترامب في حملته الانتخابية لم يكن متناقضا مع سياسات الجمهوريين الذين يرمزون، وبكل قوة، للنظام الاقتصادي الليبيرالي الجشع. ولئن عبر ترامب في برنامجه وفي مستوى بعض المحاور عن تطلعات الفئات الهشة والطبقة المتوسطة بما سمح له بدخول البيت الأبيض، فان المنظومة المالية العالمية ستتغول في عهده، حيث كان واضحا في برنامجه الذي يرتكز على ستة محاور أساسية ترمي كلها الى مزيد حماية مصالح الشركات الأمريكية المنتصبة بالولايات المتحدة أو العابرة للقارات وتوسيع مجال نفوذها.
ورغم أن غالبية المتضررين من الازمة المالية العالمية صوتوا لترامب، فانه بمجرد دخوله البيت الأبيض سيلبس جلباب المقاول ورجل الاعمال ليدافع عن جشعهم ويحمي سلطاتهم. ترامب سوق في برنامجه الاقتصادي لسياسة التجارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية حيث وضع الصين في موقع العدو بسبب سياستها في مجال الصرف ووصف سياستها بالتلاعب بسعر صرف الايوان ووعد بفرض عقوبات ضدها. كما وعد بعقوبة كل البلدان التي تنتهك الاتفاقيات التجارية من جهة، وإعادة التفاوض حول اتفاقية التبادل الحر مع المكسيك من جهة أخرى. مثل هذه الوعود ترمي كلها الى مزيد تكريس اليات العولمة الاقتصادية والمالية ومواصلة العمل بالسياسات التجارية التوسعية للولايات المتحدة التي تستبيح كل الوسائل من أجل ضمان مصالح الشركات الامريكية في الداخل والخارج.
لقد عاش العالم على وقع هذه السياسات ولا يزال يعاني من تداعياتها بسبب استماتة الجمهوريين في الدفاع عن هذا التوجه الذي لا يتناقض مع قناعات الديمقراطيين ولكن الاختلاف يكمن في حجم جرعة المعطى الاجتماعي الذي يبقى خاضعا لسياسة الكر والفر للديمقراطيين حسب الظروف العالمية الجيو-سياسية والجيو- اقتصادية. في ذات السياق وبخصوص النقطة الثالثة من برنامجه المتعلقة بالتغيرات المناخية فقد كان ترامب واضحا وعبر بالصوت العالي ما حاول الديمقراطيون الإفصاح عنه بالصوت الخافت حيث رفض بروتوكول كيوتو والاتفاقيات الدولية في مجال التخفيض من الانبعاثات الغازية السامة بما يضمن الأنماط القائمة للإنتاج والاستهلاك ويؤمن مصالح الشركات الامريكية ولا يكبدها تكاليف إضافية بما من شانه أن يقلص من قدراتها التنافسية.
واجمالا جاءت محاور البرنامج الاقتصادي لترامب في تطابق مع توجهات الجمهوريين الذين لا يعترفون بالبعد الاجتماعي في سياساتهم وبرامجهم الاقتصادية. لقد نجح ترامب في استدراج الطبقة الوسطى والفئات الهشة المتضررة من الأزمة المالية العالمية لسنة 2008 للدخول الى البيت الأبيض الا أنه سيعول خلال مدة رئاسته على رأس المال والشركات العالمية وسيخدم مصالحها في الداخل والخارج لترتكز سياسته الخارجية على ضمان التوسع لهذه الشركات على حساب حقوق بقية الشعوب في ثرواتها وسيادتها الوطنية. لقد اختار ترامب في حملته الانتخابية أن يكون صوت المتمردين على مسار العولمة وسكان “وول ستيرت” ليضمن دخوله الى البيت الأبيض ويكون صوت الليبرالية الجشعة ويفتح المجال أمام تغول “وول ستيرت”.
حرر بتاريخ 9 نوفمبر 2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *