بعد اوباما.. البرلمان البريطاني يعترف بخطأ التدخل العسكري في ليبيا..

عندما سئل “الفيلسوف” الفرنسي برنارد هنري ليفي في برنامج “بل قيود”، على قناة “بي بي سي” العربية، التي اجرتها الزميلة رشا قنديل قبل يومين، عن فشل التدخل العسكري لحلف “الناتو” في تحقيق الامن والاستقرار في ليبيا بالنظر الى الفوضى الدموية التي تعيشها البلاد حاليا، أجاب بأن الوضع في ليبيا حاليا افضل من نظيره في سورية التي احجم الرئيس اوباما على التدخل فيها عسكريا بعد اختراق رئيسها “الخطوط الحمر” باستخدام اسلحة كيماوية عام 3013، وقال غاضبا، بما معناه ان الامر استغرق اكثر من قرن حتى استقرت الاوضاع بعد الثورة في فرنسا، واستخدم حجج كثيرة لتبرير تدخل حلف “الناتو” في ليبيا، من بينها منع “مجزرة” للنظام في بنغازي.
اسوق اقوال الفيلسوف ليفي الذي كان يقف خلف التدخل العسكري لبريطانيا وفرنسا وامريكا في ليبيا، واكد انه فعل ذلك خدمة لقيمه اليهودية وللسلام مع دولة اسرائيل، في كتاب له اصدره لاحقا.
بمناسبة صدور تقرير للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني، وجهت فيه نقدا شديدا لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون في حينها، بسبب قراره بالتدخل العسكري في ليبيا، لانه تدَخُل استند الى “افتراضات خاطئة”، وقالت اللجنة “ان اخطاء عديدة اعترت عملية قرار انضمام بريطانيا وفرنسا في التدخل عسكريا لحماية المدنيين الليبيين من نظام العقيد معمرالقذافي عام 2011″.
وجاء في التقرير ان حكومة كاميرون “لم تتمكن من التحقق في التهديد الفعلي للمدنيين الذي كان يشكله نظام القذافي.. لقد اخذت بشكل انتقائي وسطحي بعضا من عناصر خطاب القذافي، وفشلت في تحديد الفصائل الاسلامية المتشددة في صفوف التمرد”، وقال رئيس اللجنة كريسبين بلونت “كان على حكومة كاميرون البحث عن حل سياسي عوضا عن التدخل العسكري يحمي المدنيين، مثل اصلاح النظام او تغييره، وكان عليه ان يعرف (اي كاميرون) ان الاسلاميين المتشددين سيحاولون استغلال التمرد”.
هذا الشعور بالذنب الذي عبرت عنه اللجنة البرلمانية البريطانية لن يعيد الحياة الى الاموات الذين استشهدوا بصواريخ طائرات حلف “الناتو”، كما انه لن يقدم اي تعويضات مادية لاكثر من ثلاثة ملايين ليبي تشردوا وذاقوا الجوع والحرمان في منافيهم في دول الجوار، ومختلف انحاء العالم، ولكنه يظل اعترافا مهما، بالنسبة الينا على الاقل، الذي عارضنا الغزو منذ اليوم الاول وللأسباب نفسها التي اقر بها التقرير، وابرزها معارضة حملات التضليل الاعلامي التي مورست من قنوات عربية واجنبية وتحدثت عن مجازر وهمية كانت في طريقها للحدوث في بنغازي وغيرها، رغم ان الطائرات الفرنسية تدخلت قبل صدور قرار من مجلس الامن الدولي يطالب بحماية المدنيين.
تقرير اللجنة البريطاني اكد بطرق مواربة عدم وجود اي دلائل تشير الى احتمال حدوث هذه المجازر عندما اتهم حكومة كاميرون بأنها “لم تتمكن من التحقق بالتهديد الفعلي للمدنيين الذي كان يشكله نظام القذافي”.
سيلفيو برلسكوني، رئيس وزراء ايطاليا، الذي شاركت بلاده في التدخل العسكري في ليبيا اعترف في مقابلة مع وكالة انباء “اينا” الايطالية الرسمية، ان ليبيا لم تشهد ثورة، وان بريطانيا وفرنسا هما اللذان “فبركا” هذه الثورة لتبرير تدخلهما العسكري من اجل الاستيلاء على النفط والغاز الليبيين، والشعب الليبي كان يعيش اوضاعا معيشية جيدة وبلده مستقر”.
من خلال تجربتنا العملية، والمتابعة الدقيقة للحرب وتطوراتها في ليبيا نستطيع ان نؤكد ان شركات علاقات عامة بريطانية وفرنسية جرى توظيفها من اجل التضليل، وطمس الحقائق، ومهاجمة كل شخص يشكك، او يعارض التدخل العسكري.
برنارد هنري ليفي نفسه قال ان الحكم في ليبيا الجديدة حمله رسالة الى القيادة الاسرائيلية تعد بتطبيع العلاقات، وهي رسالة جرى التنصل منها وضمونها لاحقا، لان حاملها تسرع في الكشف عن مضمونها.
ليبيا تعيش اوضاعا مأساوية منذ خمس سنوات، والمشردون الليبيون لم يعودوا اليها، وثروات ليبيا، تماما، مثل ثروات العراق، تتعرض للنهب من قبل الثوار الجدد، عشرات المليارات من الدولارات الليبية التي جرى فك التجميد عنها، عادت الى ليبيا لتخرج منها الى البنوك السويسرية.
القوات الخاصة الامريكية والفرنسية والبريطانية تتواجد على الاراضي الليبية بقوة وهي التي تخوض الحرب ضد الجماعات الاسلامية المتشددة، كل هذا ليس من منطلق الحرص على حياة الليبيين ورفاههم، فقد رحل معظم هؤلاء بحثا عن الامان، والذين بقوا في ليبيا يواجهون خطر الموت والبؤس، وانما من منطلق السيطرة على ثروات ليبيا وامتصاصها، ومنع الهجرة غير الشرعية الى الشواطيء الاوروبية.
برلسكوني برأ ضميره بالاعتراف بالمؤامرة، والبرلمان البريطاني اقر بالاخطاء، والرئيس الامريكي باراك اوباما اعترف بأن اكبر خطأ ارتكبه اثناء فترتي حكمه هي التدخل العسكري في ليبيا، وما زال هناك من العرب من يحاول تبرير هذا العدوان ويدافع عنه.
ستظل هذه الصحيفة “راي اليوم” في خندق الشعب الليبي الطيب، وكل الشعوب العربية الاخرى في مواجهة المؤامرة التي تستهدفها وتقف خلفها القوى الاستعمارية التي تريد بذر بذور الفتنة الطائفية والعرقية لتمزيق وحدتها الترابية والوطنية، ونحمد الله ان الحقائق التي تتكشف بين الحين والآخر، تؤكد ان خيارنا كان الخيار الصحيح، ليس لأننا نضرب من الرمل، ونقرأ الطالع، او نملك ذكاءا خارقا، وانما لأننا نتعلم من دروس التاريخ، والمتعلقة بمواقف الغرب تجاهنا.

“راي اليوم”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *