بعد التشريع للفساد … تونس تضرب مثلا في التشريع للانقلابات الناعمة .. بقلم جنات بن عبد الله

طغت الأحداث التي عاشتها تركيا ليلة الجمعة 15 جويلية 2016 اثر تنفيذ محاولة الانقلاب على حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان على وسائل الاعلام التونسية التي سقطت طوال فترة في تحليل ومتابعة تفاصيل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، واختزال كل التحديات والرهانات التي تمر بها تونس بعد الثورة في اليات تشكيل هذه الحكومة من وثيقة تأليفية وشروط استقالة الصيد وأسماء الحكومة الجديدة…مبتعدة عن المسائل الحقيقية والمصيرية ذات الأولوية في ظل التقلبات التي تعيشها المنطقة العربية والمتوسطية نتيجة العمليات الإرهابية والانقلابات المشروعة وغير المشروعة، والديمقراطية وغير الديمقراطية.
ومن المحطات الهامة التي مرت دون أن تشكل نقاط استفهام خلال الأسبوع الماضي وبالتحديد يوم الثلاثاء 12 جويلية 2016 بمجلس نواب الشعب، الجلسة التي خصصت لوزير المالية والتي تحدث فيها عن تحيين قانون المالية لسنة 2016 وذلك “تبعا لتغير المعطيات الاقتصادية”. فمنذ ثورة 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011 أضحى إقرار قانون مالية تكميلي تقليدا سنويا تلجأ اليه كل الحكومات دون استثناء ل “تعديل” أو “تصحيح” أو “مراجعة” أو “تحيين” التقديرات المتضمنة في قانون المالية لكل سنة… مصطلحات تستعملها الحكومات لإخفاء سوء تقديرها وابتعادها عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي تمر به البلاد في إطار ميزانية الدولة وقانون المالية. أو بالأصح لإخفاء إصرارها على مغالطة الشعب لاستدراج مجلس نواب الشعب في اطار الجلسات العامة على المصادقة على البرامج الطموحة جدا، والمستحيل إنجازها، في اطار ميزانية الدولة، لتحديد الاعتمادات اللازمة لتنفيذها والتشريع للجوء الى المؤسسات المالية الدولية للاقتراض واغراق البلاد في اكراهات تسديد الديون الخارجية، والعمل على توفير الشروط الضامنة لعدم المساءلة والمحاسبة، وكأن المسألة لا تعدو أن تكون إعادة كتابة حسابات خزينة الدولة في ظل ما يسمى “بمرحلة الانتقال الديمقراطي” الذي يفتح المجال أمام شرعية فسخ ما سبق وإقرار الجديد تحت عنوان ” تغير المعطيات الاقتصادية” بكل بساطة ودون الوقوف على الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد والشعب، وتسويق العملية تحت غطاء “التحيين” في حين أن الحقيقة تخفي عكس ذلك وهو تحويل أموال الشعب أو موارد الميزانية من موارد جبائية، رغم ضعفها، وقروض خارجية، لتغطية نفقات على حساب أولويات التنمية ليجني المواطن من كل عملية “تحيين” مزيدا من الفقر والبطالة والتهميش بعد الشعارات الشعبوية الرنانة التي ترفعها الحكومات عند تقديم مشروعي ميزانية الدولة وقانون المالية لمجلس نواب الشعب والضحك على ذقون الجميع لتمرير المشروعين للمصادقة.
وقد أعلن وزير المالية أمام مجلس نواب الشعب في جلسة الثلاثاء 12 جويلية 2016 أن وزارته بصدد “تحيين” قانون المالية لسنة 2016 واعتماد توازنات مالية جديدة استنادا الى التغيرات الاقتصادية خلال السداسي الأول وتقديرات السداسي الثاني. وأفاد أن وزارته اعتمدت السنة الفارطة على عدة معايير لإعداد قانون المالية لسنة 2016 من بينها توقع نسبة نمو تناهز 2,5 بالمائة للناتج المحلي الاجمالي وسعر برميل النفط في حدود 55 دولار ومستوى سعر صرف الدينار مقابل الدولار في حدود 1,970 حيث أصبح اليوم في حدود 2,200 دينار الدولار الواحد بعد تخلي البنك المركزي عن حماية عملتنا الوطنية بمقتضى تعهد محافظ البنك المركزي التونسي ووزير المالية بذلك أمام صندوق النقد الدولي في رسالة النوايا التي بعثا بها الى المديرة العامة لصندوق النقد الدولي بتاريخ 2 ماي 2016 وألزما بذلك الدولة التونسية والشعب التونسي بقبول تدهور الدينار دون الرجوع الى مجلس نواب الشعب بصفته السلطة التشريعية وممثل الشعب.
ولاحظ وزير المالية أمام نواب الشعب أن هذا التدهور لقيمة الدينار حمل أعباء إضافية لميزانية الدولة تناهز 400 مليون دينار فضلا عن التراجع الملحوظ في الموارد الجبائية للدولة نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب. لهذه الأسباب أعطى وزير المالية لنفسه شرعية “تحيين” قانون المالية في اتجاه نسف البرامج التي صادق عليها نواب الشعب عند مناقشة والمصادقة على مشروعي ميزانية الدولة وقانون المالية لسنة 2016 ليواصل مغالطة الشعب باعتماد معايير جديدة عند “تحيين” القانون بعيدة عن الواقع وعن إمكانية التطبيق لانتزاع موافقة المجلس، وبعد ذلك فليكن “الطوفان”.
ما يميز التجربة التونسية في اعداد ميزانية الدولة وقانون المالية كل سنة وبعد الثورة قدرة كل حكومة على الانقلاب على قراراتها المصادق عليها من قبل مجلس نواب الشعب واضفاء الشرعية على عملية الانقلاب دون التشكيك في مصداقية تقديرات الحكومة والتساؤل عن كفاءة أعضاءها واداراتهم لتمر عملية “التحيين” في كنف الشرعية والديمقراطية والتوافق. ان الحديث عن اعداد قانون مالية تكميلي هو حديث عن نسف برنامج عمل الحكومة ومشاريعها طوال سنة. ان المقصود بال”تحيين” هو إعادة تقدير نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي في اتجاه التخفيض والانتقال من 2,5 بالمائة مقدرة في قانون المالية لسنة 2016 ومصادق عليها، الى نسبة أضعف سيتم الإعلان عنها لاحقا، ونأمل أن تكون أقرب الى الحقيقة والواقع بما لا يفتح المجال مرة أخرى الى إعادة “التحيين” وانقلاب الحكومة مرة أخرى على برامجها.
لقد كشفت مرحلة ما بعد الثورة قدرة السلطة السياسية على القيام بعمليات انقلاب ناعمة من رحم السلطة القائمة ولفائدتها ولكن ضد أولويات البلاد واستحقاقات الثورة ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والانتقال من حكومة منتخبة الى حكومة تكنوقراط أو حكومة وحدة وطنية في ظل مغالطة الشعب والتسويق لتبريرات تحمل شعار الاستجابة لمتطلبات مرحلة جديدة تستبق السلطة السياسية الى توفير شروطها بالانقلاب على القوانين والتشريعات كما كان الشأن بالنسبة لقانون النظام الأساسي للبنك المركزي وقانون المؤسسات المالية ومجلة الاستثمار …شروط تقوم على ضرب سيادة الشعب وقدراته البشرية والطبيعية والمالية، وتعمل على حماية مصالح فئة صغيرة تحتمي بالشركات العالمية التي تحتمي هي أيضا بالمؤسسات المالية العالمية وبالاتحاد الأوروبي لامتصاص خيرات البلاد.
ان تداول اسم وزير المالية الحالي على رأس حكومة الوحدة الوطنية يستجيب لهذه الشروط خاصة بعد اعلان ولاءه غير المشروط الى جانب محافظ البنك المركزي لصندوق النقد الدولي لتطبيق برنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية لضرب حق الشعب في الحياة الكريمة لنقول ان اختيار رئيس حكومة الوحدة الوطنية اعتمادا على السند الحزبي سيكون عمره قصيرا في غياب السند الشعبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı