اتصلنا من سماحة الشيخ المختار السلامي المفتي السابق ب” الرد الأخير” على ما نشره د. منجي الكعبي تعقيبا على التفسير للقرآن الكريم الذي أصدره الشيخ السلامي مؤخرا تحت عنوان : ” نهج البيان في تفسير القرآن” . وفيما يلي نص” الرد الاخير”:
الرد المفهم والمنبي عن زيف .د. الكعبي
بقلم سماحة الشيخ المختار السلامي
مفتي الجمهورية السابق
” أكد لي الكعبي بما نشرته له جريدة الصباح الغراء من يوم 16 جوان في ثلاث حلقات، أن فيروس الثرثرة والإسهال قد تمكن منه ، ونفذ إلى شعاب فكره وقلمه ولهواته . واستفدت منه أمرا واحدا : أني ظفرت بصورة متحركة لما كان يقاسيه النبي صلى الله عليه وسلم من مشركي مكة، وهوّن القرآن عليه أمرهم بالكشف عن طبيعتهم المنحرفة (بل هم قوم خصمون) يدمغهم الحق فتذعن له بواطنهم ، ويعملون على الخروج من الموضوع إلى جوانب أخرى إمعانا في التشغيب .ويدرك القراء بسليم فطرتهم الطريقة الملتوية التي سارعليها الكعبي في سلسلة الأباطيل الخمس الأولى وفيما سماه :الرد المنبي عن صدق الكعبي !
أريد :
1) أن أفْصِل بين الكعبي والشيخ السياري رحمه الله .قصدي أن أظهر للقراء المحترمين : أن تنويه الكعبي بتفسير السياري ورفعه إلى مستوى المصلح المغمور في القرن العشرين ، مغالطة ليروج التفسير ويغنم من ذلك ربحا ماليا. وذلكحتى لا تنومهم الصورة التي روج لها .
2) أن الشيخ السياري ترك تفسيره مسودة لم يبيضها، فالأخطاء التي اشتمل عليها يسأل عنها الذي قام بترويج الكتاب على علاته .وأن البارقة التي ظهرت للشيخ السياري وهو يحاول تفسير قوله تعالى :إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته . وظنه أنها فتح مبين لم يسبق إليه، هي قارعة تهدم أصلا يقينيا. إذ جعل النبي صلى الله عليه وسلم واقعا تحت تأثير الشيطان< أستغفر الله>، ولفظ ما علل به: الرسول أو النبي ليسا بسياسيين يدوران مع العلة حيث دارت. الرسول صلى الله عليه وسلم أرقى مستوى عرفته البشرية سياسيا،كون أمة وبنى دولة وصمدت مع هزات الزمن. هو صلى الله عليه وسلم ذكي إلى مستوى هو أبلغ ما يكون قد وصل إليه إنسان. أقامالدولة على أساس الأخلاق الرفيعة التي أدّبه بها ربه فأحسن تأديبه. يعطي لكل موقف ما يمكّن الأمة من النصر . يستشير أصحابه وينفذ الرأي الأصلح للموقف الخاص ، ولم يجمد في مباشرته للأحداث . والشيطان أخسأ وأضعف من أن يتسلط بوسوسته على الرسول المعصوم . فمن الطبيعي أن لا يقول بمقال الشيخ السياري أحد ممن تقدمه. ولكن الكعبي رفع الشيخ السياري بتفسيره هذا للآية إلى مرتبة المحققين ص21 بالقسم الذي ألحقه بالتفسير ، فهو الملوم .وقد يكون الشيخ السياري ،لو مد الله في عمره وتمكن من إخراج كتابه أن يعدل رأيه .
3) قال تعالى : فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض سورة التحريم آية3 فكان من كمال أدب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكشف عن كل ما أعلمه الله به مما دار بين نسائه ،ترفعا منه صلى الله عليه وسلم عن الإلحاح في العتاب .وإبراز الأخطاء .وبهذا الأدب أخذتُ، لما لم أناقش الكعبي في كل ما كتبه ، تعرض إلى ما ورد في منهج البيان في تفسير القرآن من أخطاء في القرآن ، وجعلها مؤثمة. والله يقول ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الكذب لا يفلحون سورة النحل آية 116 – والكعبي لا يعرف كيف يقرأ سورة الفاتحة قراءة صحيحة على رواية قالون وأعيد كلامه حرفيا : المصورة للمصحف التي اعتمدها تجدها من أول سورة الفاتحة غير مطابقة لرواية قالون .التي من بين ما يميزها على غيرها ضم ميم الجمع مع صلتها <هكذا>بواو ومده قدر حركتين كالمد الطبيعي في قوله تعالى في آخر سورة الفاتحة ( عليهم ولا الضالين )هذا كلامه….ما قاله جهل مركب لأن رواية قالون هي بتسكين الميم، وهو يخلط بين رواية ورش وروايةقالون. وما حاول التشنيع به ، لا قيمة له ، لأن الآيات مكتوبة في الوحدة مصورة بالرسم التوقيفي . ثم يُكتَب ما يشير للآية عند شرحها فهي مرتبطة بالأصل. وقد سقطت ثلاث نقط تفصل بين أول الآية ونهايتها. وأما الاقتباس فالمقتبس مخير بين ذكر النص القرآني بلفظه، أو بمعناه. وهذه أمور تغيب عنه لأنه ليس من أهل هذا الشأنوليست من اختصاصه. وما تركت التعقيب عليه من عديد السفاسف، أو المغالطات ، أو الفهم السقيم ،التي انتشرت فيما كتبه، كل ذلك من هذا الباب .
4) أكرر ليفهم أني لا أنتقد الشيخ السياري ، وإنما أقصد الكعبي لما اختار العينة الثامنة ص32من المقتطفات التي رضيها معبرة عن عمق ما ورد في التفسير. وما علق به في رده أن نيتشه هوالذي طور نظرية التطور الطبيعي ووصل بها إلى السوبرمان .كلام يقتلع ابتسامة من كل من خالط الفلسفة ورجالها ونظرياتهم في القرن التاسع عشر .و ليس بين نيتشه ونظرية التطور الطبيعي أي صلة إلا تعلق الكعبي بالثرثرة . ليظن أنه بذلك قد تمكن من الرد. ومن ظنونه التي لا أساس لها أني اطلعت على ما كتبه لويس عوض ، وأقول هذا بيانا للحقيقة :قد أبحث عن هذا الكتاب الذي ما وقع عليه نظري ، وإذا كانت فيه فائدة فالحقيقة ضالة المؤمن .
5) أذكره بأن النقاد غربلوا ما وصلهم من الشعر ، وكانوا لا يتسامحون مع الشاعر الذي يسرق من غيره فيفضحونه ، ويكشفون عن عجزه .والسرقة في الشعر لا تعني أن الشاعر اللاحق يدمج شطرا أو بيتا أو أكثر في شعره، من قصيد قالها غيره على النحو الذي قاله .وإنما تجد الشاعر يعجب بمعنى صاغه سابقه ، فيصوغه صياغة جديدة فيكوّن منه وحدة في قصيده ، دون أن يضيف إليه إضافة جديدة. ولذلك حرر المنصفون: أن العيب في التكرار المعنوي وإن اختلفت الصياغة، وأما إذا كان اللاحق طور المفهوم وأضاف إليه إضافة ذكية فإنه لا عتب عليه وقالوا عبارتهم المشهورة: أرقه فاستحقه.فماذا صنع الكعبي في إكمال الناقص من تفسير الشيخ السياري الذي التزم حسب قوله أن يكمله على نسقه ؟
ابتدأ عمله من النصف الثاني من ص396 بتفسير سورة الحجر . وسأعرض عليكم الصفحات الثلاث الأولى من عمله .الآية 2 من سورة الحجر 397- نقل نقلا حرفيا كامل الصفحة من تفسير الزمخشري ،ثم في الصفحة التالية 398 نقل أحد عشر سطرا من الكشاف أيضا، ثم كتب قال الزمخشري :وقد يوجد كثيرا في كلام العجم يرمي إلىإيهام القارئ أن ما سبق هو من تعبيره، وشتان ما بين أسلوب الزمخشري المتين وأسلوب الكعبي المهلهل . ثم من السطر الثاني عشر إلى السابع عشر منقول نقلا حرفيا من التحرير والتنوير.
الصفحة التالية 399من السطر الثاني منقول حرفيا من التحرير والتنوير. ثم من سطر 10 إلى سطر 21 منسوخ نسخا تاما من الكشاف
الصفحة التالية400 تفسير الآية 15/14 منقول أيضا نقلا حرفيا من الكشاف.
وهذا شأنه في بقية ما كتبه لإكمال ما لم يجده من تفسير الشيخ السياري .وما قام به من نسخ كلام غيره مع عدم التنبيه بذكر الأصل المنقول عنه والصفحة والسطر، موهما أنه من كلامه، تعد غير مقبول، سمى النقاد ما هو أهون منه سرقة.
وهو ما اضطر وزيرة التربية الألمانية إلى الاستقالة. فقد جاء في جريدة لومند الفرنسية في عددها الصادر يوم 2013/2/9 أن الوزيرة الألمانية للتربية -أنات شفان – اضطرت للاستقالة من منصبها ، وأن ميركل لم تجد بدا من قبول الاستقالة رغم علاقتها الحميمة بها.وذلك تبعا لسحب شهادة الدكتوراه منها يوم /2/5 لاتهامها بأنها سرقت في أطروحتها في الفلسفة التي قدمتها بجامعة دوسلدورف عام 1980.
وبما أن من شب على شيء شاب عليه، والكعبي لا يرى عيبا في السطو على الملك الفكري لغيره. فلا يبعد أن يكون نيله لشهادة الدكتورا فيه شبهة قوية ، قد تظهر في بعض الأيام .
وحاول الاعتذار ، ورب عذر أقبح من ذنب وكما قال الحبيب جاء وحدو:
ورب عذر كان من ذنب أشر ***
وحرف نقدي فجعله مسلطا على الأقواس التي أهملها، وأنا أتجاوز عن التوافه فلا تهمني الأقواس بمقدار ما يهمني تحتم تنبيه القراء إلى الأصل الذي نقل عنه، ولا يُخيِل لهم أنه من تفكيره وتعبيره. وزاد فافترى على الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور وعلى بقية المفسرين أنهم ينقلون دون ذكر من نقلوا عنه. سبحانك هذا بهتان عظيم . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري :أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت .
6) يسألني في خاتمة ما توهم أنه جرح الحقائق ، وهو فضيحة التزييف ، يسألني أين كنت حين كان الشيخ السياري عندما كانت الشرطة تلاحق الشيخ السياري؟ سؤال وجيه جدا.وأجيبه إجابة أولية:
أنه في نفس الوقت كانت الزنزانات تحت الأرض تعج بالإسلاميين، في الظلام الدامس، وصنوف التعذيب والقهر المادي والنفسي تسلط عليهم وعلى كل من يواجه الظلم والاستبداد. وماأزعج الشيخ السياري ، وإن كان لم يسمع به أحد إلا ما كتبتَه أنت الآن، هو ظلم سيحاسب الله ظلمته، وينتصف منهم ويجزيه ثوابا من عنده . وكنت أنكر في قلبي، وهو القدر المشترك بيني وبين بقية التونسيين. وليست لي حصانه برلمانية تحميني عند المواقف العلنية شأني شأن العلماء الصالحين والمفكرين الأحرار، موقفي هو موقف شيوخي كالشيخ محمد الطاهر ابن عاشور والشيخ محمد الفاضل وسيدي أحمد ابن ميلاد وغيرهم رحمهم الله، الذين لم يتلوثوا يوما بانتسابهم للحزب الحاكم. وحماهم الله من أن يكونوا دعاة للظلم والاستبداد. متملقين بإنكار الحق و التأييد للمنكرات. وكنتُأيضا أتهيب من أهل الشر أمثالك .
وإجابةثانية ستسمعها يوم تقف معلنا عن جرائمك في حق الشعب، طالبا الصفح منه. بمصارحته عن الأساليب والوسائل القذرة التي توصلت بها إلى أن عينت عضوا في اللجنة المركزية، ثم نائبا في المجلس النيابي، توافق على المشاريع القانونية الظالمة وغيرها، وتتوسل إلى الطاغية أن يوالي ترشحه لمنصب رئاسةالدولة.تستمتع بالعسف والسحق للشعب ،ما دام مرتب النيابة أرفع . ولا يهمك حتى آلام كفّيك التي تنقلها حواسك إلى دماغك من كثرة التصفيق.
7) وما جاء في آخر تعليقه أن له عودة وستأتيك الأيام بما لم تزود. أقول له متمثلا
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا*** أبشر بطول سلامة يا مربع
وليكن واثقا أنني سوف لن أرد عليه في المستقبل ولا أشغل نفسي بتفاهاته التي يدركها القارئ الفطن. والتي تعلن عن شحنة البغض والكراهية التي لفتُ إليها نظره في فاتحة ردي الأول. كاشفا عن خبايا نفسه المريضة التي تتميز حقدا وإيذاء. ولا أستثني إلا ما التزمت به في الإجابة الثانية عن سؤاله أين كنت ؟
فليواصل ثرثرته لاهثا.”
وكتب يوم الاثنين 15 رمضان 1437- 2016/6/20.
محمد المختار السلامي
عن الصباح