برنارد هنري ليفي يضبط ساعة تفكيك السعودية بقلم اسماعيل القاسمي الحسني

من على منبر “رأي اليوم” دعونا مرارا القيادة السعودية لضرورة إعادة النظر في سياساتها، و لم يكن من باب التهويل و لا التخويف، حين ذكرنا في لقاء لنا مع أحد سفراء دولة عربية مركزية يعود لعامين، بأن أجندة استهداف أنظمة عربية قد تغيرت أولوياتها، فبعد أن كانت الجزائر هي الهدف المباشر بعد السقوط المفترض حينها لسوريا؛ غير أن كثيرا من المعطيات فرضت نفسها بقوة، ما دفع العالم الغربي و على رأسه الولايات المتحدة، الى تغيير ترتيب الأهداف؛ هذه كانت معلومة بالغة الأهمية و الخطورة، و لم تكن مجرد قراءة تحتمل ما يريد أي قارئ أن يحمّلها.
عام 2010 لا أحد كان يتخيل ما جرى في تونس ثم مصر ثم ليبيا و أخيرا سوريا، نعم كان البعض يحذّر الأنظمة العربية من انفجار الشارع العربي، لكن لم نتصور على الاطلاق مشهد الأحداث التي عشناها بعد ذلكم العام؛ و إن كان البعض يلتمس عذر انعدام سوابق قريبة عهد في عالمنا العربي، ليبني عليها تصوره للقادم، فلا أعتقد بعد ما شاهدناه من أحداث و تقلبات صادمة، يبقي على ذلكم العذر موضوعيا.
من كان يتوقع عام 2010 سقوط زين العابدين بن علي في أيام قليلة؟ و من كان يتصور نهضة الشارع التونسي عن بكرة أبيه في ثلاثة ايام ليفرض قراره؟ و من كان يتصور سقوط معمر القذافي؟ من كان يتخيل مشهد مقتله شر قتلة على مرآى العالم؟ لا أحد قطعا؛ كل التفاصيل و خاصة منها الصادمة التي عاشتها الأمة، تدعو المرء لاعمال العقل و طرح السؤال: هل النظام السعودي بمنآى عن هذه التقلبات الدراماتيكية؟. هناك إجابتين: الاولى تنفي أي احتمال لتعرض السعودية لانفجار من الداخل، طبيعيا كان أم مصنعا، بحجة أنها تختلف عن الامثلة سابقة الذكر؛ و من المفارقة أن كل الأنظمة العربية التي استهدفت بعد تونس، حين تم تحذيرها من القادم عليها، ردت بذات الحجة، و اعتبرت حالها غير حال الآخرين، هذا ما جاء على لسان قادة مصر و ليبيا و سوريا، و ما تلوكه اليوم كذلك ألسنة قادة الجزائر، في حين أن لسان الحال يفيد على أرض الواقع، أن الاختلاف لا يعدو التسميات و العناوين، و أن الفساد و الافلاس متفاوت بنسب متقاربة لا غير.
الاجابة الثانية تطرح الاحتمال كأمر واقع الحدوث، و هناك مؤشرات قوية و موضوعية تدل عليه، دون أن نشرّح الأوضاع و السياسات الداخلية للسعودية، و فيها من القشّ و اليابسة ما يكفي لاحراقها كغيرها بثقاب كبريت فقط، فالأدوات التي استخدمتها القيادات السعودية ذرائع للتدخل في شؤون شعوب عربية، من عرقية و مذهبية و طائفية و قبلية، موجودة في أحشائها و بذات الدرجة من الخطر و التغول متى تحركت أو نُفخ في جمرها، الذي كان يغطيه رماد الثراء الوهمي.
منذ عام بدأ التحول الغربي حيال السعودية يطل برأسه علنا، و كانت إشارة المفاوضات السرية بين الولايات المتحدة و ايران بجوار السعودية، و دون إشعار قيادتها، إشارة بالغة القوة و الوضوح، و التي أعقبها تصريح باراك اوباما الذي ضمنه في معرض رده عن الخطر الايراني على السعودية، تقديرا كذلكم صريحا حد الصدمة، معتبرا بأن الخطر الحقيقي الذي يتهدد السعودية موجود بداخلها و ليس خارجها.
و منذ عام تقريبا كذلك، تورطت القيادة السعودية في حرب اليمن، بإيعاز من حليفها الاستراتيجي وفق تعريفها، فمن واشنطن أعلن عادل جبير بصفته سفيرا حينذاك بداية الحرب، و بأنها جاءت بعد تخطيط مشترك سابق مع الولايات المتحدة؛ هذا التورط كلف النظام السعودي على الصعيد الخارجي و الداخلي الكثير، و هذا كان من بين أهداف الحليف الاستراتيجي، فتآكل صورة القيادة السعودية، و التي تحولت من قطب لإصلاح ذات البين، الى منصة لاطلاق الحروب على دول عربية، و إشعال فتن بين مكوناتها، يسهم في تسهيل الاطاحة بهذا النظام و قلب الأوضاع من تحته.
حلفاء القيادة السعودية المندفعة تحت شعار بوش “من ليس معنا فهو عدونا”، اثنان لا غير، النظام المصري الذي يميل حيث مالت كفة “الرز″، و الرز الذي كانت تغوي به القيادة السعودية في حالة نفوق، كما تؤشر سوق النفط، و تترجمه أرقام العجز المخيفة في ميزانيتها هذا العام، أما الحليف التركي فلا شك أنه لا يملك القوة و لا الارادة للخروج عن حلف الناتو، متى قرر قادة الاخير التخلي عن عبئ القيادة السعودية؛ و للتذكير هنا كانت تركيا ضد تدخل الناتو في ليبيا بداية الأمر، سعيا منها للحفاظ على استثمارات حينها فاقت المائة مليار دولار، لكن حين جد الجد، أصبحت هي رأس الحربة في تدمير ليبيا.
و إن كان ما سبق ذكره – و ما لا يتسع المقال لتفصيله- لا يعني لدى البعض سوى ضربا من أماني الكاتب ( و هذا ديدن بعض العقول العربية التي لا تؤمن إلا بالعقل الغربي)، فبماذا ليت شعري يفسرون مقال برنار هنري ليفي Bernard-Henri Lèvy الذي نشر عن قصد في الصحيفة الاسرائيلية جوريسالم بوست في العاشر من هذا الشهر، تحت عنوان: Il faut tenir tête à l’Arabie saoudite/ يجب علينا الوقوف بوجه السعودية. و قد تضمن المقال تحريضا صريحا لقادة العالم الغربي، على نظام السعودية، بعد أن كال له من الصفات و الجرائم ما كان محرما تداوله الى عهد قريب، و حمّلها بصفتها أداة مسؤولية نشر الفكر الوهابي، الذي وصفه بالسلاح الارهابي الذي زرع الفوضى في دول الشرق الاوسط، و رآى هذا المنظّر الصهيوني، الذي طالما اعتمدته أنظمة الخليج و وسائل إعلامها فيلسوفا و عبقريا و مؤطرا لثورات الربيع العربي المشروعة بتحليله المعتمد، بأن ضرورة الوقوف في وجه القيادة السعودة باتت ملحة، و مصلحة للاسقرار و الأمن العالميين؛ طبعا لمن يتذكر هي ذات المفردات التي اعتمدها هذا “المفكر” لشرعنة الاطاحة بمعمر القذافي، و هي بعينها التي وظفها للتدخل في سوريا. و كان ناقوسا جديا لإعلان الحرب، و واحدا من أخطر و أهم طبولها التي قرعت.
و ختاما نسأل: ماذا ينتظر أشقاءنا في السعودية بعد مقال برنارد هنري ليفي؟ هل يعتبرون كلامه مجرد هرطقة اليوم؟ أم نذير شؤم لطالما حذرنا منه حين اتخذوه نبيا؟
لعلنا أمام فرصة أخيرة لتراجع القيادة السعودية عاجلا، سياساتها بشكل جذري، و يستفيق مفكروها و كتّابها من وهم شعار “من ليس معنا فهو عدونا”، و إلا فقد نرى هذا العام مشهد داحس و الغبراء بحلة 2016 على أرض الجزيرة العربية؛ و هو مشهد أغنى ما تكون عنه الامة الاسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *