باحث مغربي يحقّقُ كتابا قديما يُعرّي جهْل ومزاعم المُكفّرين

هسبريس – محمد الراجي (كاريكاتير – مبارك بوعلي)

في خضمّ تنامي موجة التكفير بين المسلمين، خاصّة من طرف الجماعات المتطرّفة، قدّمَ الباحث المغربي عبد العظيم الصغيري، أستاذ العقيدة بجامعة القاضي عياض بمراكش، وأستاذ بدار الحديث الحسنية، كتاباً يعودُ تأليفه إلى القرن السابع عشر الميلادي، يدحضُ مزاعمَ المُكفّرين، ويشخّص مواطنَ جهلهم وعِلَلهم النفسية.

الكتابُ الذي تطلّب تحقيقه من عبد العظيم الصغيري تسعَ سنوات من البحث، ألّفه العلّامة المغربي أبو سالم العياشي، المولود بقبيلة أيت عياش بالأطلس الكبير، وعاشَ فيها خلال القرن السابع عشر.

وحسب الصغيري فإنَّ المؤلَّف “إذا أزيلَ اسمُ مؤلّفه وما يدلّ على الزمن الذي كُتب فيه لقال قارئه إنّ الذي كتبَه يعالج داء التكفير والتشدّد في الزمن المعاصر”، على حد قوله.

ورغم أنّ الكتابَ أُلِّف قبل أزيدَ من ثلاثة قرون، إلّا أنَّ مضامينه كانت مُتقدّمة جدّا، إذ حرص العلامة أبو سالم العياشي “بإصرار غريب”، كما قالَ الصغيري، على البحث عن النصوص المُيسرّة، والتماس جميع المخارج للقول بعدم التكفير، والبحث المستميت عن النصوص والأقوال التي تحارب التشدّد وتناصر الّلين والرفق.

وأوْضح عبد العظيم الصغيري أنَّ العلامة المغربي أبو سالم العياشي كانَ مُمْتثلا في كتابه الموسوم بعنوان “الحُكْم بالعدل والإنصاف الرَّافع للخلاف فيما وقع بين بعض فقهاء سجلماسة من الاختلاف في تكفير مَن أقرّ بوحدانية الله وجَهِل بعض مَا لَه من أوصاف”، بالحديث النبوي: “إيّاكم والغلوّ في الدين، فإنّما أهلَكَ مَن قبلكم الغلوّ في الدين”.

واعتبرَ المتحدّث ذاته أنّ الكتاب “يقدم إجابات مُعاصرةً لقضايا راهنة، في زمنٍ كثُرَ فيه المتنطّعون والمتطفّلون على الدين”، مشيرا إلى أنّ أبو سالم العياشي يعتمد قول من يقول من الأئمة بعدم التكفير، لأنّه أيسر، “فما خُيّر الرسول بين أمرين إلا اختار أيسرهُما، ومن تمام اليُسر تقديمُ الرفق على كل شيء والدوران معه حيث دار، وقد كانت دعوة الأنبياء وأصل إرشادهم قائما على الرفق والقول اللين”، حسب تعبيره.

وبيْنما يوزّع مُكفّرو اليوم “صكوك” التكفير على المخالفين بغيْر حجّة وحسبَ ما تُمليه الأهواء، فإنَّ أبو سالم العياشي حرِص في مؤلّفه على التماس جميع المخارج للقول بعدم تكفير عوامّ المسلمين، لأنّ الأصل هو القول بعدم تكفير العوامّ إلى أنْ يحدث العكس، وهو يقلب القاعدة التي ذهب عليها المكفّرون، وهي القول بتكفير العامّة أصلا قبل البحث عن الأدلّة، ويرى أنّ عقائد عامّة المسلمين صحيحة، ويقدّم أدلّة مسنودة بحجاج علميّ وازن.

ووقف الصغيري، الذي قدّم المؤلَّف في لقاء بدار الحديث الحسنية، عند أبرز صفات المكفّرين كما سردها أبو سالم العياشي في مؤلّفه؛ ففي ما يتعلّق بالجانب العلميّ “فهم يتّسمون بالجهل، وعدم التفقه في الدين، والحَرفيّة في التعامل مع النصوص، والمجازفة والتعسف وعدم الاحتياط”.

ولمْ يقتصر المؤلّف عند تشخيص الجانب العلمي لدى المكفرين، بلْ تطرّق إلى الجانب النفسي، وقال إنّهم “يحبّون الرئاسة والاستبداد بالإيمان، والرغبة في تنقيط الناس والشهوة في تكفيرهم، والتعصّب والمبالغة واتّباع الهوى؛ أما في ما يتعلق بالجانب المنهجي فهم ناكبون عن منهج الدعاة الأوائل، ومُخلّون بشروط الحِسبة، والتجسّس على الناس وتتبّع عوراتهم، والتشدد والجهل، وخلْط الأولويات”.

واعتبر الصغيري أنَّ ثمّة ضرورة إلى دراسة مؤلّف أبي سالم العياشي، “باعتباره مؤلّفا مغربيا بامتياز، ومؤلِّفه مغربي المولد والنشأة، ويناقش قضايا عَقدية حساسة شاءت الأقدار أنْ تُبعث في العصر الحاضر بحدّة أقوى وبخطورة أفظع”، حسب تعبيره، لافتا إلى أنّ تحقيقَ المؤلَّف “خدمة جليلة للتراث الفقهي المالكي والمغربي، وتعريف ببعض نفائسه الفريدة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *