انقلاب تركيا الفاشل.. وبداية النهاية للسيسي .. بقلم محمد عايش

تُمثل محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا نقطة تحول مهمة على مستوى المنطقة بأكملها، حيث كان مقرراً أن تطيح بأهم نظام إقليمي، وكان مقرراً أن تؤدي لانهيار أكبر وأهم ديمقراطية في المنطقة، إن لم تكن الديمقراطية الوحيدة، ولذلك فإن فشل المحاولة الانقلابية يعني بالضرورة أن قوى الاستبداد والقهر في المنطقة قد تلقت ضربة قاسية، وأن مشروع الانقلابات العسكرية الذي بدأ في مصر عام 2013 وما تلاه من صعود للثورات المضادة قد مني هو الآخر بضربة قاسية نتيجة فشل انقلاب تركيا.

مشهدُ الانقلابيين على جسر البوسفور في إسطنبول، وهم يسلمون أنفسهم رافعين أيديهم مستسلمين بعد أن ألقوا السلاح، يمثل لحظة تاريخية فارقة في تاريخ المنطقة والأمة، ففضلا عن كون جسر البوسفور هو النقطة الحيوية الأهم في الجمهورية التركية بأكملها، فإن مشهد استسلام الانقلابيين المُذل يُمثل بداية النهاية للانقلابات العسكرية والثورات المضادة في هذه المنطقة.

بفشل المحاولة الانقلابية في تركيا يكون النظام العسكري في مصر قد تلقى أهم ضربة، ومني بأكبر انتكاسة، منذ استيلاء السيسي على الحكم في 2013، كما أن محاولات الجنرال خليفة حفتر للاستيلاء على ليبيا ستمنى هي الأخرى بانتكاسة، وكذا الأمر بالنسبة للثورات المضادة في كل من سوريا واليمن.

وبفشل الانقلاب العسكري في تركيا ربما تكون موجة الثورات المضادة في المنطقة العربية قد وصلت ذروتها وبدأت مرحلة الهبوط، لأن انقلاب تركيا كان مقرراً له أن يكون امتداداً للثورات المضادة في المنطقة والتي لم يكن ممكناً لها أن تكتمل ما دام أردوغان على رأس السلطة في تركيا، وما دامت إسطنبول مركزاً لمعارضي الثورات المضادة، بما في ذلك معارضي النظام العسكري في مصر.

يُجمع فقهاء السياسة وعلماء الاجتماع أن الثورات عابرة للحدود، وأن الجغرافيا تمثل عاملاً بالغ الأهمية فيها، وهذا ما حدث فعلاً في “الربيع العربي” عندما بدأت الثورة في تونس، وتوسع “المد الثوري” جغرافياً نحو ليبيا فمصر واليمن، ثم  انتقل إلى سوريا التي توقف عندها “المد الثوري” بفعل نجاح “الثورة المضادة” التي قادها النظام السوري وحلفاؤه ووصلت إلى درجة استبدال الشعب بالكامل، وطرد أكثر من سبعة ملايين شخص من بلادهم لمجرد أنهم طالبوا بالتغيير.

“الثورة المضادة الناجحة” في سوريا ونجاح الأسد في البقاء بالسلطة، هو الذي أغرى الجيش في مصر أن ينفذ انقلابه العسكري في تموز/ يوليو 2013، ونجاح انقلاب مصر هو الذي أغرى حفتر بأن يركب طائراته ويحارب الثورة أملاً في الاستيلاء على السلطة في ليبيا، كما أن نجاح انقلاب مصر هو الذي دفع علي عبد الله صالح إلى أن يفقد عقله ويرتمي في أحضان الإيرانيين أملاً في العودة إلى السلطة باليمن، ونجاح كل هذه الانقلابات العسكرية والثورات المضادة هو الذي أغرى في النهاية فصيلا مهما وكبيرا من الجيش التركي للعمل على “انقلاب عسكري”، في دولة لطالما حكمها العسكر، ولطالما شهدت انقلابات عسكرية ناجحة، بل بالغة النجاح طيلة العقود الماضية.

وهكذا فإن “الثورات المضادة” كانت طوال السنوات الثلاث الماضية تتمدد في المنطقة، وواهم من يعتقد بأن انقلاب علي عبد الله صالح والحوثيين على الشرعية في اليمن لا علاقة له بانقلاب السيسي على الشرعية في مصر، فلولا هذا الأخير لما تجرأ الآخرون على الانقلاب.

بهذا المنطق وبهذا التحليل فإن انهيار المحاولة الفاشلة للانقلاب في تركيا يمثل بداية النهاية للأب الروحي للانقلابات العسكرية في المنطقة وهو انقلاب السيسي في مصر، كما أنّ فشل انقلاب تركيا يعني بالضرورة نهاية السنوات الثلاث العجاف من “المد الثوري المضاد”، وبداية الانتكاسة للأنظمة التي وصلت إلى الحُكم على ظهور الدبابات في هذه المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *