انقلاب البرلمان الأوروبي على اتفاقية “الأليكا” هل هو مناورة أو استدراج؟ .. بقلم جنات بن عبد الله

أصدر البرلمان الأوروبي بتاريخ 19 أكتوبر 2021 مقترح قرار عن الوضع في تونس من المنتظر المصادقة عليه يوم غد الخميس 21 أكتوبر 2021.
ويأتي هذا المقترح كرد فعل على التطورات التي تشهدها الساحة السياسية التونسية بعد الأمر الرئاسي عدد 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 القاضي بتجميد عمل مجلس نواب الشعب واقالة حكومة هشام المشيشي وتعليق العمل بدستور 2014 وتجميع رئيس الجمهورية للسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وقد برر البرلمان الأوروبي تحركه هذا، الذي لا يعتبره تدخلا في الشأن الداخلي، بالأولوية التي تحظى بها تونس في إطار سياسة الجوار الأوروبية للاتحاد الأوروبي، وهي سياسة دأب على تجديد الياتها بعد كل عقد من الزمن ومنذ ستينات القرن الماضي في إطار معاهدة روما لسنة 1957 المؤسسة للمجموعة الاقتصادية الأوروبية والتي وضعت أسس الشراكة بين البلدان الست الأعضاء ومن بينها فرنسا ومستعمراتها القديمة على غرار تونس.
هذا المقترح البرلماني أثار اشمئزاز عديد الأطراف الوطنية لهزالته أولا، ولطريقة تعاطيه مع الشأن الداخلي التونسي ثانيا، والذي لا يخلو من استخفاف للشعب التونسي من خلال طرحه لأولويات لا تعكس حقيقة رهانات المرحلة كما تتصورها القوى الوطنية في البلاد والتي تتسم بصعوبة الظرف الاقتصادي ومخاطر عدم قدرة البلاد على الالتزام بآجال تسديد ديونها الخارجية ودفعها الى نادي باريس حيث لم يتردد، البرلمان الأوروبي، في التعبير عن انشغاله بوضعية المثليين في تونس في نقطتين من مجموع 14 نقطة والحال أن كل الشعب التونسي، طبعا باستثناء أصحاب الجنسية المزدوجة من السياسيين، مهدد بدفع فاتورة الفشل والتبعية.
ولئن أراد هذا المقترح إعادة انتاج القرار البرلماني السابق الصادر بتاريخ 14 سبتمبر 2016، من باب التذكير الذي لا يخلو من التحذير والتنبيه، فقد كانت هذه النسخة أقل تفاؤلا من الأولى ولم تخف السموم التي يعمل المشروع الأوروبي على زرعها في المجتمع التونسي تحت عباءة أقلمة القوانين الوطنية مع المعايير الأوروبية في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها.
ففي المجال الاقتصادي الذي تعاطى معه من زاوية مشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق جاء موقف البرلمان الأوروبي من هذا المشروع في تضارب صارخ مع طرح قرار 14 سبتمبر 2016 الذي اعتبره، أنذاك، مشروعا طموحا سيعمل على تحسين النفاذ الى السوق الأوروبية وتحسين مناخ الاستثمار بل اعتبره مشروعا يتجاوز البعد التجاري ليساهم في إرساء المعايير والمواصفات الأوروبية في جميع المجالات وتدعيم المنظومة الديمقراطية ودفع الاقتصاد، ليدعو المفوضية الاوروبية الى العمل على أن يكون لمشروع الاتفاقية تداعيات إيجابية على الطرفين حسب قرار 2016 .
فبعد انتخابات 2014 انخرطت الحكومات التونسية وخاصة حكومتا الشاهد، بتواطؤ مع الأحزاب الحاكمة، في إرساء الترسانة القانونية لاتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق وسط حملات إعلامية قادها عدد من الخبراء الاقتصاديين المناصرين للمشروع الأوروبي والياته، ووسط رفض عدد من الاحزاب السياسية والقوى الوطنية حيث تم رفع كل الحواجز الجمركية والتنظيمية أمام المنتوجات الأوروبية ليختل الميزان التجاري وتغرق البلاد في عجز تجاري بلغ 31 مليار دينار في سنة 2019 و28 مليار دينار في سنة 2018 و16 مليار دينار خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة الجارية، ترفض السلط التونسية الى يومنا هذا الاعتراف به واصرارها على مواصلة تزوير مفضوح لاحتساب ميزان المدفوعات بتواطؤ مفضوح أيضا مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي يفرز فائضا تجاريا مع الاتحاد الأوروبي وفرنسا.
تغول الجانب الأوروبي في مفاوضاته مع تونس استمده من هذا التزوير في احتساب الميزان التجاري الذي يقوم على دمج المبادلات التجارية للشركات المقيمة مع المبادلات التجارية للشركات غير المقيمة الخاضعة لنظام التصدير الكلي والناشطة في إطار المناولة وهو ما يجعلها غير مطالبة باسترجاع مداخيل صادراتها باعتبار ملكية البضاعة للشركة الأم المنتصبة في الفضاء الأوروبي عكس الشركات المقيمة الوحيدة المعنية بتغذية الاحتياطي من العملة الأجنبية، تزوير أفرز فائضا تجاريا وهميا مع الاتحاد الأوروبي مقابل عجز بلغ 14 مليار دينار في سنة 2019 وفائضا تجاريا وهميا مع فرنسا مقابل عجز ب4 مليار دينار في سنة 2019 ليطلق على الاتحاد الأوروبي بالشريك التجاري الأول لتونس والحال أن عجزنا التجاري معه تسبب في انهيار الدينار وتدمير كل القطاعات المنتجة وتدمير مواطن الشغل.
تزوير منع على التونسيين اللجوء الى تفعيل إجراءات الحماية الظرفية التي أقرتها أحكام اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة في صورة تفاقم عجز الميزان التجاري مع طرف معين وألحق أضرارا بقطاعات معينة، باعتبار الفائض الوهمي لميزاننا التجاري مع الاتحاد الأوروبي بما أغلق أمام بلادنا كل فرصة لحماية نسيجنا الاقتصادي.
هذه الجريمة في حق اقتصادنا الوطني ارتكبتها السلط التونسية بتواطؤ مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي الذي سوق لمشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق كمنقذ للاقتصاد التونسي بتزكية من السلط التونسية وجوقة الأنصار الذين نترقب موقفهم اليوم بعد تنكر البرلمان الأوروبي للمشروع الذي اعتبره من الماضي ولا يستجيب لاستحقاقات اللحظة بعد أن كان مشروعا طموحا دمر باسمه نسيجنا الاقتصادي الذي عجز اليوم عن توفير الموارد الجبائية الضرورية لتمويل ميزانية الدولة.
انقلاب البرلمان الأوروبي على مشروع “الأليكا” يخفي وراءه أجندا جديدة في مسار تدمير الاقتصاد التونسي، الذي لم يتوقف منذ الاستقلال الى اليوم، لتحويل السوق التونسية الى مقاطعة فرنسية في خدمة الشركات الفرنسية ورأس المال العالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *