امريكا ودول اوربا.. “التي لا نعرفها..” .. بقلم كمال بن يونس

زرت الولايات المتحدة الأمريكية لاول مرة في مهمة صحفية ودراسية عام 1991 بعد اشهر من حرب الخليج التي أسفرت عن سقوط مئات الالاف من الأشقاء العراقيين و الكويتيين وعن خراب كبير في المنطقة…
دامت تلك الزيارة حوالي شهرين كاملين.. وجاءت بعد سلسلة مقالات انتقدت فيها، مثل اغلب الكتاب والمثقفين العرب أداء واشنطن وحلفاءها في الحرب… فضلا عن انتقاداتي الحادة لانحيازها المبالغ فيه لتل ابيب… مقابل عدم الضغط عليها لتعترف قولا وفعلا بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني..
.
بعد شهرين من المقابلات في عدة ولايات امريكية وفي واشنطن و نيويورك عدت إلى تونس وكتبت سلسلة من المقالات تحت عنوان : “امريكا التي لا نعرفها”… (؟!!)
عدت إلى أمريكا 3 مرات بينها زيارة دراسية و صحفية في 2004بعد عام عن احتلال بغداد وتركيز قواعد عسكرية بالجملة في المنطقة…
وكتبت مجددا مقالات بعنوان “امريكا التي لا نعرفها”…
وزرت اهم دول اوربا واسيا عشرات المرات في مهمات صحفية و أكاديمية.. بينها بريطانيا وفرنسا والمانيا وبلجيكا واسبانيا وإيطاليا…
واليوم… بعد مرور حوالي 4 أشهر عن “طوفان الأقصى “و انفجار صراعات دولية جديدة في فلسطين وفي كامل المنطقة ، اقول : للأسف فان ساستنا لايعرفون جيدا امريكا والدول العظمى… بما فيها دول الاتحاد الأوربي” الشريك التقليدي… ”
لماذا؟
لاني اكتشفت خلال جولاتي في امريكا واوربا والعالم شرقا و غربا اننا لا نعرفالاخر.. و لانعرف جيدا امريكا ودول اوربا وحلفاءها ..
لا نعرف كثيرا من نقاط ضعفها القاتلة… كما لانعرف بدقة كثيرا من نقاط قوة المجتمعات والنخب الامريكية والأوروبية والاسيوية .. ولا الصين وروسيا وامريكا اللاتينية…
نسبهم ونشتمهم او نمدحهم ونتغزل بهم سياسيا دون أن نعرفهم جيدا… بعيوبهم ومحاسنهم… بما في ذلك مخططاتهم لتابيد الهيمنة العسكرية والاقتصادية والتفوق العلمي والتكنولوجي… مع اغراء مئات الالاف من شبابنا ونخبنا العلمية والثقافية بالهجرة…
وصلتني مرارا أصداء مختلفة بعد مثل تلك المقالات من قبل ديبلوماسيين ومثقفين واصدقاء غربيين وعرب…
وافقني كثيرون وعارضني آخرون… بسبب دعواتي إلى “تنسيب الأمور” و الى التخلي عن “المنهج التامري”… دون أن نتخلى عن الحق في انتقاد” سياسات المكيالين “عند التعامل مع العالم العربي الإسلامي وسلطات تل ابيب…
كانت حصيلة مئات من زياراتي الدراسية والصحفية لامريكا واوربا استنتاجات كثيرة من بينها اثنتان :
+ الأولى هي ان اغلب المثقفين والسياسيين العرب لا يعرفون جيدا امريكا والدول الغربية التي ينقدون ويسبون ويعارضون … وهم غالبا يسبونها دون فهم تعقيدات صنع القرار وكواليسه في واشنطن وفي حكومات اوربا …
ولا يفهمون جيدا المشهد المعقد في الولايات المتحدة والدول الصناعية الغربية و الصراعات في الكواليس بين أصحاب المصالح وأصحاب المبادئ… بين لوبيات المال والسلاح من جهة و الديبلوماسيين و المثقفين و المختصين في الدراسات الإستراتيجية من جهة ثانية…
وفي المعسكرين عدد كبير من العقلاء والحكماء وانصار حوار الثقافات والحضارات والسلام العادل والشامل…
+ ثانيا : إذا كان من حق الشعوب المنكوبة بالاحتلال والفقر والتخلف ان تنتقد غلطات حكام واشنطن والدول الغنية عسكريا اقتصاديا وقوى الاستعمار القديم والجديد ، فانه يجب التعرف على “الوجه الاخر” لامريكا والدول الغربية التي تهيمن على اغلب ثروات العالم وحكوماته وشعوبه..
ويجب اولا فهم أسرار تقدمها والأسباب الداخلية والخارجية لتخلف دولنا العربية ودول “العالم الثالث”عموما…
ان الحق في انتقاد مواقف واشنطن وعواصم الحلف الاطلسي لايجب ان يخفي حقيقة ساطعة، وهي ان اغلب شعوب العالم العربي الاسلامي واسيا وافريقيا ليس لديها صورة واضحة عن نقاط القوة داخل المجتمعات الامريكي والاوربية و موسساتها العلمية والثقافية والجيو استراتيجية العملاقة.. َ
امريكا واوربا ليست حاملات الطائرات فقط… بل هما موطن اعرق الجامعات ومراكز الدراسات والابحاث وارقى المؤسسات الطبية والثقافية والفنية والصحفية والامنية في العالم …
لابد اذن من عدم الخلط بين امرين : الحق في نقد السياسة الخارجية والعسكرية لواشنطن وبروكسيل وباريس ولندن وبرلين وغيرها وواجب الانفتاح على المجتمعات والجامعات العالمية … وعلى التقدم العلمي والثقافي والاقتصادي في الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين …
يحق لمئات الملايين من العرب وانصار السلام في العالم اجمع ان يتضاهروا ضد استخدام “الفيتو الامريكي”… وان يدافعوا عن حقوق شعب فلسطين والشعوب المحتلة في كل مكان… مع انتقاد اجندات لوبيات السلاح والاعلام والمال القدامى والجدد…
لكن علينا أن ندرك مجددا ان سياسات الدول يحكمها منطق “تقاطع المصالح” وليس ” المؤامرات”…
وعلى الدول ومؤسسات صنع القرار الشعبية والرسمية ان تحسن توظيف أوراقها الكثيرة خدمة لمصالحها ومصالح شعوبها..
ولا سبيل لاقناع الاخر بالشراكة معك الا اذا اقتنع بتقاطع مصالحه مع مصالحك… على غرار ما نجحت فيه الصين والهند واليابان و تركيا جزئيا إيران وبعض دول اسيا وافريقيا..
مجرد وجهة نظر..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *