اليسار في المغرب: أزمة تاكتيك إنتخابي أم أزمة هوية؟ .. بقلم رضوان الدهبي

يحق لنا اليوم، بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر، أن نتساءل بعمق عن سبب انتكاسة اليسار وبصمه على تراجع تاريخي غير مسبوق، إذ لم يحصل سوى على خمسة وثلاثون مقعدا من مجموع المقاعد، وهي نتيجة مخيبة لآمال و طموحات اليسار المغربي بكل تلاوينه وتشكيلاته، وهو ما يدعو هذه الأحزاب لتساءل نفسها : هل هذا الإخفاق أو السقوط المذوي نتيجة أزمة تاكتيك انتخابي أم أزمة هوية لم تعد تقنع أحدا ؟.

وقبل تفكيك هذا السؤال ومحاولة تقديم أجوبة عنه، لابد من الإشارة إلى مسألة مهمة، وهو أن هذه الانتخابات عرفت ظهور أيادي كثيرة و متشعبة دفعت بتجييش مواطنات ومواطنين للتصويت لفائدة حزب معين، كما استفاد ذات الحزب من بيئة حاضنة للتحكم والمتمثلة في نظام المقدم والشيخ والقائد، في حين استفاد الحزب الآخر من عاملين أساسيين ، يتجلى الأول في قوة الدفع التي استمدها من رياح الربيع العربي وبروزه كبديل ممكن، في حين يتجلى العامل الثاني في بروز بيئة حاضنة للفكر الدعوي الذي يشكل دعامة أساسية لتواصله السياسي، وبالتالي تشكلت قطبية صورية بين حزبين لا ثالث لهما بفعل ما ذكرناه سابقا.

ومع ذلك، وفي خضم هذا الصراع السياسي والسياسوي، و مهما ألقى باللوم على عدة ظواهر غير سليمة بالمرة ، تشوب العملية الانتخابية برمتها، فإنه لابد من الاعتراف ولو من باب المراجعة النقدية الصارمة والحازمة، أن اليسار المغربي أخفق في التاكتيك السياسي على مستوى اختيار المرشحين وكيفية تسويق الخطاب الحزبي، فكيف يعقل أن الدوائر المفترضة أنها دوائر حاضنة لليسار والمشكلة من العمال والطلبة والفلاحين وعموم الكادحين صوتت لحزبين بشكل كثيف، الأول ذو مرجعية ليبرالية في توجهاته كما هي معلنة على الأقل في برنامجه الانتخابي، والثاني حاضن لفكر الإسلام السياسي بما له وعليه ، وهذه الكتلة الناخبة كانت هي كتلة اليسار الذي يدافع عنها الاشتراكيين في أدبياتهم وممارستهم وقدموا من أجلهم تضحيات جسام من أجل محاربة الفساد والاستبداد منذ السبعينيات، أضف إلى ذلك أن مطالبتهم الدائمة للعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات، فلماذا لم ينجح اليسار في بيئة مواتية لصعوده ؟. ثم لماذا لم ينجح بالشكل المطلوب اليسار المعارض ولا حتى اليسار المشارك في الحكومة؟.

الجواب قد يكون صادما للبعض، إذا قلنا أن الإسلام السياسي استعار الخطاب اليساري من اليسار، واستطاع بذكاء انتخابي جذب الساخطين على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وقد يقول البعض أنه استطاع أيضا جذب طبقة بدون وعي سياسي، طيب ، لماذا إذن لم يستقطبهم اليسار باعتباره منبع المثقف العضوي المرتبط بهموم الجماهير وناصحها ؟ . هنا يتضح أن الأمر تغير كثيرا، وأن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، ولابد من مراجعة كيفية تسويق الخطاب الجاذب للكتلة الناخبة، فالناخب زبون سياسي في مواجهة منتوج حزبي، لن يستميله إلا المبهر، والمبهر في علم التسويق – الماركوتينغ – قد يكون مبهرا على المستوى الظاهر، أما الباطن فكله اختلالات وضعف.

أما بالنسبة لسؤال الهوية، فلا نعتقد أن اليسار المغربي يعيش أزمة هوية حقيقية، على اعتبار أن الشروط الموضوعية لوجوده مازالت قائمة، الكفاح من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، والوقوف إلى جانب البلوريتاريا في مواجهة الرأسمالية المتوحشة، كما أن اليسار لم يستنفد جوهره النضالي عبر التواجد في طليعة النضال من أجل مغرب الديمقراطية، لكن السؤال المهم والمؤرق لورثة الفكر الاشتراكي، هل سيستطيع الجيل الجديد من اليسارين الحفاظ على هذه الهوية لخلق تميز سياسي بنفس يساري لربح صوت الكتلة الناخبة ؟، هل هذا الجيل قادر على إيصال لغة غرامشي والماركسية العلمية في ظل تحولات الواقع وتأثيره؟. وكيف يمكن أن نستخلص التاكتيك الإنتخابي من خلال الصراع الطبقي الدائم والمستمر والمتجدد.

من كل ما سبق، نعتقد أن اليسار اليوم، وبعد انتكاسة سبعة أكتوبر، يعاني من أزمة تاكتيك انتخابي لربح الوصول إلى السلطة، أما سؤال الهوية فللهوية مناضلين صناديد يسهرون على صيانتها ونقلها من جيل إلى جيل بكل تفاني ونكران ذات.

*عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı