النص الكامل لرسالة قيس سعيد إلى رئيس البرلمان حول المحكمة الدستورية

السلام علينا و عليكم مثل ما القينا
الموضوع: رد مشروع قانون اساسي يتعلق بتنقيح و اتمام القانون الاساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 المتعلق بالمحكمة الدستوية.
المرجع: مراسلتكم المؤرخة في 25 مارس 2021( مع التنويه الى ان التاريخ المذكور مهذه المراسلة ليس نفس تاريخ المصادقة على مشروع القانون الاساسي المذكور فقد تمت المصادقة على الساعة الواحدة من صباح يوم الخميس 25 مارس 2021 لا كما ورد في مراسلتكم المذكورة و المرجع ليس تاريخ الجلسة العامة لمجلسكم الموقر بل تاريخ المصادقة على مشروع القانون المعروض على مصادقتهيا)
السيد رئيس مجلس نواب الشعب انكم تعلمون دون شك ما نص عليه الدستور في الفصل الثاني و السبعين منه من ان رئيس الجمهورية يسهر على احترام الدستور و انني كنت اقسمت بالله العظيم بمقر مجلسكم على ان احترم دستور تونس و تشريعها كما تعلمون ايضا ان الدستور الذي اقسمت على احترامه يمنحني حق رد مشاريع القوانين كافة باستثناء مشاريع القوانين الدستورية و حدد الاجال بعد ان اشترط التعليل كما هو مصوص على ذلك بالفصل 81 منه. كما لا اخالكم الا انكم تستحضرون قوله تعالى “و لكل امة اجل فاذا جاء اجلهم لا يستاخرون ساعة و لا يستقدمون” و قوله جل من قائل”فلما كشفنا عنهم الرجز الى اجل هم بالغوه اذا هم ينكثون” و قد نص الدستور في باب الاحكام الانتقالية انه يتم في اجل اقصاه ستة اشهر من تاريخ الانتخابات التشريعية ارساء المجلس الاعلى للقضاء و في اجل اقصاه سنة من هذه الانتخابات ارساء المحكمة الدستورية. فهذا الحكم لم يقتصر على ذكر اجل في المطلق بل سماه و المسمى هو المعين و المحدد و ليس لاي سلطة داخل الدولة ان تتجاوز الوقت الذي حدده الدستور و سماه و نص على الاجل و ذكر اقصاه.
و ليس بحاكم من لا يبالي. قصيدة ابو العتاهية بمطلعها التي اورد الرئيس 4 ابايات منها:
أَذَلَّ الحِرصُ وَالطَمَعُ الرِقابا********وَقَد يَعفو الكَريمُ إِذا اِستَرابا
إِذا اِتَّضَحَ الصَوابُ فَلا تَدَعهُ********فَإِنَّكَ كُلَّما ذُقتَ الصَوابا
وَجَدتَ لَهُ عَلى اللَهَواتِ بَرداً********كَبَردِ الماءِ حينَ صَفا وَطابا
وَلَيسَ بِحاكِمٍ مَن لا يُبالي********أَأَخطَأَ في الحُكومَةِ أَم أَصابا
وَإِنَّ لِكُلِّ تَلخيصٍ لَوَجهاً********وَإِنَّ لِكُلِّ مَسأَلَةٍ جَوابا
وَإِنَّ لِكُلِّ حادِثَةٍ لَوَقتاً********وَإِنَّ لِكُلِّ ذي عَمَلٍ حِسابا
وَإِنَّ لِكُلِّ مُطَّلَعٍ لَحَدّاً********وَإِنَّ لِكُلِّ ذي اجل كتابا
لن تتم الاشارة في هذا الكتاب الى التنقيح المتعلق بحذف كلمة “تباعا” ففضلا على ان التنقيح كله بل فضلا عن النص الاول و نص التعديل جاءا خارج الاجال فان الواو في كتاب سيبويه تفيد التتابع من جملة المعاني التي يمكن ان تفيدها. و ذلك في قوله تعالى”و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون”
لقد تم تجاهل النص في الدستور و لم تكن نية التتابع الا بقصد البحث عن التوابع، والتوابع تليها الزوابع كما جاء في عنوان رسالة ابن شهيد الاندلسي.
السيد رئيس مجلس نواب الشعب منح الدستور لرئيس الجمهورية وحده اختصاص اليتم و خول له حق الرد. و الختم كما ورد ذلك عند صاحب تاج العروس يفيد الطبع و هو الاستثاق في ان لا يدخله شيء من ذلك قوله”ام على قلوب اقفالها” و منه قوله تباركت اسماؤه”ختم الله على قلوبهم” و الختم كما يعرفه الفقهاء هو العنصر اللازم المكمل للقانون لان قابلية النفاذ تجد مصدرها في عملية الختم لا في النص التشريعي الذي عبرت به الهيئة التشريعية عن ارادتها. لعل الختم حري بالتذكير باصله و محتواه و اثاره فهو قرار كما يجمع الفقه على ذلك، و رفضه ايضا قرار تترتب عليه اثار قانونية كما لا يختلف الفقهاء حول ذلك.
تستحضرون دون شك ما اقتضاه الفصل 148 في الفقرة الخامسة منه انه يتم في اجال اقصاه سنة من تاريخ الانتخابات التشريعية ارساء المحكمة الدستورية. مرت اليوم اكثر من ست سنوات، و تذكر المجلس الذي تراسونه المحكمة الدستورية، بعد ما كان يتذكرها البعض بين الحين و الحين لاعتبارات سياسية خالصة لا حرصا على الحفاظ على علوية الدستور. و قد تم في الاثناء وضع القانون الاساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرخ في 3 ديسمبر 2015 المتعلق بالمحكمة الدستورية و لكن لم يتم ارساؤها عملا بالفصل 148 من الدستور، و في ذلك خرق واضح للدستور، بل ان المجلس النايابي بمثل هذا الموقف وضع نفسه في موقف دستوري مستحيل. بل على امتداد عدة سنوات لم يتوفق الا في انتخاب عضوة واحدة. و بين فترة و اخرى يشاع انه هصل و فاق بين الكتل لا اثر له الا في التصريحات و الاجال تهم النظام العام، و الدستور اعلى في نظامنا القانوني من كل نص و من كل تاويل بريء او غير بريء لاحكامه. و انتم اقسمتم على احترامه و لا تجهلون ان الاجراءات تكون باطلة اذا نص القانون على خلاف ذلك(قرار تعقيبي مدني عدد 5742 و 5780 مؤرخ في 23 ماي 1968) و ان القيام بالاجراء بعد فوات الاجال التي هددها القانون للقيام به يضاهي عدم القيام بالاجراء اصلا(قرار تعقيبي عدد 160 صادر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب بتاريخ 26 افريل 2001). و توجد من مثل هده القرارت العشرات لان الاجراء ات تهم النظام العام فكيف اذا نص عليها الدستور. و لعله من المفيد التذكير في هذا الاطار براي المحكمة الادارية حول ارساء المجلس العلى للقضاء بتاريخ 20 نوفمبر 2015 المتعلق باجال ارساء المجلس الاعلى للقظاء. و قد ورد في نص هذه الاستشارة و بناء على ما سبق بيانه فانه من المتجه اعتماد اليوم الموالي لتاريخ 21 نوفمبر 2014 بوصفه يوم نشر النتائج النهائية للانتخابات التشريعية بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية كمنطلق لاحتساب اجل الستة اشهر المنصوص عليها بالفقرة الخامسة من الفصل 148 من الدستور لارساء المجلس الاعلى للقضاء فعليا بشكل ينتهي معه الاجل الدستوري الاقصى تحديدا بتاريخ 21 ماي 2015. ولا اثر في القانون التونسي لما سمي خطأ بالاجال الاستنهاضية(راجعوا ان شئتم الفروق الفقهية بين اجال التقدم و لاجال النهائية و سقوط الاجال). فما يتعلق بالنظام العام لا يوجد فيه لا لاستنهاض و لا استحثاث، فلاستنهاض يفيد ان ما قبله هو النوم او السبات، سبات مصطنع ظاهره نوم او تناوم و باطنه ما وصف بالتوافق او الوفاق المستتر. و الاستحثاث نقيض التقاعس و الاسرتخاء. فان كان هناك نوم او تناوم و جر بطيء للخطى فالمجلس النيابي هو الذي يتحمل وحده المسؤولية و الاثار التي اعدت لهذا التاخير. و لم يتعرض المجلس الوطني التاسيسي جزافا لارساء و الارساء ليس الاحداث فارساء كما اوضح ذلك صاحب التحرير في شرحه لقوله تعالى ” مجراها و مرساها” اذا جعلها راسية، اي واقفة على شاطئ. و لكن المحكمة الدستورية التونسية لم ترس او تقف في اي مرسى او شاطئ، بل بقيت تتقاذفها الامواج في ظل ريح صرصر عاتية تتقلب كل يوم، بل و كل ساعة و تهب في شكل اعصار مصطنع في كل اتجاه.
ان الله و حده هو اعلم بخائنة الاعين و بما تخفي الصدور، و لكن لا احد يشك الا اذا عميت البصائر و زاغت الابصار المقصد الحقيقي من هذا القانون، اذ لا علاقة له بعلوية القانون و ضمان علوية الدستور، فكيف لمن هو مطالب امام القضاء و فار من العدالة، بل كيف للراشي و المدان و المتعدي ان يطالب بمحكمة ينتصر اليها في الظاهر و يعمل على التسلل اليها في الخفاء.
ان لدينا من المعلومات الكثير ، ليس هذا مجالها تعدادها و ذكرها، و انا على يقين انكم على علم بها، لذلك فاننا نرد اليكم هذا لاقانون المتعلق بتنقيح القانون الاساسي للمحكمة الدستورية، ولن يتم القبلول بالختم الا بعد تحققنا من تغليب احكام الدستور. و من مقصده غير هذا، فليعلم ان حججنا واضحة جلية، و ان مواقفنا ثابتة قوية، و ارادتنا في ضمان علوية الدستور و حقوق شعبنا صادقة خالصة سوية.
و السلام علينا و عليكم و على من اتبع الهدى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *