النابلي في حديث مثير : الصراع على خلافة سي الباجي أنهك النداء والدولة

سيناريو تنظيم انتخابات سابقة لأوانها وارد

 حذار من التركيز على تغيير الأشخاص وتجاهل الآليات والمعضلات التي تواجه البلاد

 فشل الحكومة الجديدة سيدخل البلاد في أزمة عميقة

 محاربة التهريب والفساد ضرورية والتضحيات لا ينبغي أن يطالب بها العمال وحدهم

 هل كان المطلوب تغيير رئيس الحكومة أم تغيير السياسات والتوجهات؟

كيف ينظر محافظ البنك المركزي السابق والخبير الاقتصادي والسياسي لدى المؤسسات الدولية مصطفى كمال النابلي إلى مشروع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والمؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة؟

وما هي المخاطر التي حذّر منها؟

وما هي مقترحاته للتجاوز وإنجاح سيناريوهات تشكيل فريق حكومي ينقذ البلاد من أزمات سياسية، اجتماعية، اقتصادية، خطيرة قد تهددها؟

وماذا عن مشروع تنظيم انتخابات عامة سابقة لأوانها سبق أن حذّر منه في صورة فشل مسار تشكيل حكومة سياسية قوية وناجعة تدعمها الأغلبية البرلمانية؟

هذه التساؤلات وغيرها كانت محور هذا اللقاء الصحفي مع الأستاذ مصطفى كمال النابلي:

 أولا، أستاذ مصطفى كمال النابلي كيف تقيمون المستجدات في تونس بعد سحب الثقة من حكومة الحبيب الصيد وبدء مشاورات تشكيل “حكومة وحدة وطنية”؟

++ المبادرة كان يمكن أن تفتح آفاقا سياسية واقتصادية وأن تساهم في تحسين الأوضاع في البلاد،لكن أسئلة كبيرة تفرض نفسها على هامش ما يجري في البلاد منذ الإعلان عن مبادرة حكومة الوحدة الوطنية قبل شهرين.

على رأس هذه الأسئلة: هل كان المطلوب تغيير رئيس الحكومة أم مراجعة التوجهات والأولويات التي تدعمها إرادة سياسية واضحة لمحاربة الإرهاب والفساد والتهريب والتهرب الجبائي وبسط سلطة الدولة.

وأخشى ما أخشاه حسب المقترحات الأخيرة أن يقع التركيز على اختيار الأشخاص والاعتبارات السياسوية قبل توضيح الرؤية في ما يخص طريقة الحكم والأولويات لمعالجة الصعوبات والمشاكل التي تتخبط فيها البلاد.

البلاد في حاجة إلى إصلاحات حقيقية تتجاوز الأشخاص والمزايدات السياسية الضيقة وإرجاع الثقة والأمل وهو ما يبقى دون المأمول بكثير.

وثيقة قرطاج

 وقّعت قيادات النقابات ومنظمات رجال الصناعيين والتجار و9 أحزاب على “وثيقة قرطاج” التي ستوجه الحكومة القادمة.

ألا يمكن أن تعتبر تلك الوثيقة بمثابة الوثيقة السياسية التوجيهية لحكومة “الوحدة الوطنية”؟

++ إن تلك الوثيقة اكتفت بالإعلان عن بعض المبادئ وتضمنت بعض العموميات. ولكن لم ترسم الوثيقة للحكومة القادمة سياسة تفصيلية تساعد على الحكم بل وأخطر من ذلك فهي لم ترسم حتى مسلكا نحو تجاوز الأزمة السياسية المستفحلة.

 حكومات فاشلة؟

 إذا اعتبرنا أن الحكومة المتخلّية فشلت في معالجة معضلات الفساد والرشوة والتهريب والتهرب الجبائي والقمرقي فما هي الآليات التي ينبغي اعتمادها للتجاوز؟

المطلوب هو التركيز على طريقة وآليات الحكم لإنجاز الإصلاحات. وعلى رأس هذه الآليات نجد الكشف عن الحقيقة والإحصائيات خاصة في ما يخص المالية العمومية. ما وقع الاتفاق حوله لا يعطي الحكومة القادمة أي توجه أو آليات لمعالجة هذه المعضلات.

الحل سياسي أم اقتصادي؟

 في هذا السياق تتباين ردود المواقف بين من يعتبر أن أولوية الأولويات في المرحلة القادمة سياسية ومن يعتبر أنها أساسا اقتصادية تنموية.

ما هو رأيك؟

++ الأولويات الاقتصادية والتنموية لا يمكن أن تعالج إذا لم تتوفر الإرادة السياسية والاستقرار السياسي.

ومن أخطر ما تشكو منه تونس اليوم غياب الاستقرار السياسي والسلطة المؤهلة على اتخاذ القرارات السياسية الملائمة وإنجازها بما فيها ما يضمن إصلاح الإدارة والقضاء والنظام البنكي والجباية ومناخ الاستثمار والعمل وغيرها.

صندوق النقد الدولي

 أستاذ مصطفى كمال النابلي بحكم خبرتك الطويلة مع البنك العالمي والمؤسسات المالية العالمية،ألا تعتبر أن “مجال مناورة” رئيس الحكومة القادم سيكون ضيقا جدا وأن مبادرة حكومة الوحدة الوطنية أملتها “شروط” صندوق النقد الدولي الجديدة والالتزامات التي وقعها مطلع ماي الماضي محافظ البنك المركزي ووزير المالية؟

++  اعتقد أن تلك الالتزامات ليست مشكلا في حد ذاتها. الجانب الأكثر أهمية هو هل تتوفر لدينا القدرة على تشخيص الإشكاليات ورسم سياسات اقتصادية واجتماعية واضحة متوازنة تضمن تحسين أوضاع الشعب والفئات الاجتماعية وتحسين فرص الاستثمار مع عقلنة سياسات التصرف في موارد الدولة وميزانيتها، نكون نحن مقتنعين بها ومتفقين حولها ولنا إرادة سياسية لإنجازها.

وخلافا لما يورده البعض أعتقد أن الأهم هي الجبهة الداخلية وتوفر مسار وطني للإصلاح وليس الإملاءات والشروط التي قد يقدمها الممول الأجنبي بهدف ضمان استرجاع القروض.

زيادات الأجور مضخمة؟

 هناك من يعتقد أن من بين معضلات الدولة حاليا في علاقاتها مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية العالمية “تضخم نسبة الأجور” ضمن ميزانية الدولة  وتسبب الزيادات فيها في عدم احترام النسب العالمية.

هلاّ يطرح هذا الملف على الحكومة القادمة أولوية الدخول في “تحجيم اتحاد الشغل” أو في “مواجهة سياسية اجتماعية” مع النقابات؟

++ أولا هذا الموضوع يطرح نفسه بإلحاح بقطع النظر عن موقف صندوق النقد الدولي ولنا أن نواجهه. صحيح أن نسبة الأجور تضخّمت لأسباب عديدة من بينها الانتدابات المبالغ فيها في عدة قطاعات والزيادات في الأجور بما لا يتناسب دوما مع قدرات الدولة ومواردها المالية. وقد انجر عن ذلك توريط الدولة في التداين والسعي للحصول على مزيد من القروض التي سوف ترصد لدفع الرواتب والمنح وتسديد قروض سابقة لم تنفق في مشاريع تنموية.

وفي كل الحالات لابد من تعميق الحوار بين اتحاد الشغل وبقية الأطراف الاجتماعية والدولة بهدف ضمان تقاسم “التضحيات” في نفس الوقت الذي تعالج فيه مشاكل تضخم حصة الأجور والمنح في ميزانية الدولة.

لا أعتقد أن “التضحيات” ينبغي أن تصدر عن العمال والفئات الشعبية فقط، بل يجب أن تصدر عن كل الشركاء الاقتصاديين، لا بد من تقاسم التضحيات بين كل الأطراف الاجتماعية والاقتصادية.

هدنة اجتماعية

 لكن منظمات رجال الأعمال وبعض الأطراف السياسية طالبت بهدنة اجتماعية لمدة لا تقل عن عامين وتحمّل قيادات اتحاد الشغل جانبا من مسؤولية “تضخم” نسبة العمال والموظفين وارتفاع حصة الأجور في ميزانية الدولة والمؤسسات العمومية وشبه العمومية؟

++ مرة أخرى أقول: إن الإصلاح لا يمكن أن ينجح إذا لم تتقاسم كل الأطراف التضحيات.

وفي الوقت الذي نؤكد فيه على عقلنة سياسات التوظيف والانتدابات والزيادات في الأجور وهدنة اجتماعية، نسجل أنه ينبغي معالجة ملفات التهرب الضريبي والقمرقي والسوق الموازية والتهريب ضمن سياسة واضحة تضمن للحكومة تحسين مواردها المالية وانجاز برامجها والإصلاحات التنموية والاجتماعية المطلوبة.

الانتخابات السابقة لأوانها

 أصدرتم مؤخرا تحليلا موسعا عن التطورات السياسية والاقتصادية في تونس حذرتم فيه بالخصوص من أن تطور الأوضاع في اتجاه أزمة سياسية شاملة وانتخابات عامة سابقة لأوانها “غير مأمونة النتائج“..

ما هو المقصود؟

++  بالفعل هناك مؤشرات لأن تتطور الأوضاع في اتجاه أزمة سياسية أخطر.

وفي صورة العجز عن  انجاز مشروع “حكومة الوحدة الوطنية” بحكم الإشكاليات المتعددة التي رافقت الإعلان عنه والحوار حوله، أو في صورة فشل هذه الحكومة مثل سابقتها قد تدخل البلاد في أزمة أعمق تكون من بين “السيناريوهات” الخطيرة فيها حل البرلمان والدعوة إلى تنظيم انتخابات سابقة لأوانها.

أريد في الأخير أن أذكر بما كنت قد نبهت منه في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 من مخاطر عدم الاستقرار السياسي بعد الانتخابات وهو ما دفعني أساسا للترشح آنذاك.

قلت وكررت في عديد المناسبات أن الصراع حول خلافة الباجي قائد السبسي داخل الحزب سيؤدي لتفكك حزب النداء وإضعاف الحكومة التي قد تفقد أغلبيتها البرلمانية وان كل ذلك سيؤدي حتما إلى أزمة سياسية خانقة تعمق عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات.

صراع حول خلافة قائد السبسي

 أليس هذا ما نعيشه اليوم؟؟؟

 ++ للأسف لم تكن الطبقة السياسية آنذاك واعية بهذه المخاطر ومستعدة لسماع صوت آخر غير صوت صراع القطبين من اجل الفوز بالانتخابات، أمّا ما قد يتبع هذا الفوز من نتائج كارثية لم يكن موضع اهتمام من طرف الأغلبية.

إن الإشكال العميق الذي يعاني منه المشهد السياسي في بلادنا يتعلق بالبحث الدائم عن الحلول الآنية والسطحية التي قد تريحنا لبعض الوقت القصير والالتفات عن التفكير المعمق والتحليل الموضوعي، الذي قد لا يريحنا على المدى القصير ويتطلب منّا في كثير الأحيان تضحيات هامة، ولكنه يمنحنا بعد نظر وقدرة على إيجاد حلول حقيقية على المدى المتوسط والطويل.

وما أقوله اليوم حول الاختلالات العميقة التي تشوب المنهج الحالي المتّبع في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية (التركيز المفرط على الأسماء والأشخاص دون توفير الأرضيّة الدنيا من الاتفاق حول الآليات والأطر الضرورية لعمل الحكومة) والنتائج التي ستفرزها هذه الاخلالات كل ذلك سنقف عنده وربما بعد أشهر قليلة لكن سيكون الأوان قد فات للتراجع.

كل ما أتمناه لبلادنا هو الخروج من الأزمة بأقل ثمن ممكن وأرجو أن تعي الطبقة الحاكمة من أحزاب ومؤسسات بمسؤوليتها التاريخية في هذه المرحلة الحساسة من مسار الانتقال الديمقراطي وان تتخذ كل الاحتياطات من اجل توفير فرص النجاح للحكومة القادمة بقطع النظر عن الأشخاص أو المصالح الحزبية أو الشخصية لهشاشتها وانعدام أهميتها أمام المصلحة الوطنية.

 حاوره: كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *