المصالحة بين الدولة والشباب والأحزاب

شهدت الأيام القليلة الماضية منعرجين هامين داخل الحزبين الكبيرين في تونس: الأول تمثل في دعوة قيادات النداء من طبرقة إلى اجتماع موسع للمكتب التنفيذي المؤجل منذ موفى العام الماضي، والثاني انعقاد المؤتمر الوطني العاشر لحركة النهضة الذي وصفه بعض المراقبين بـ”المؤتمر التأسيسي” الحقيقي.

وقد فتحت مقررات اجتماع الهيئة التأسيسية لحزب النداء فرصة أمام إعادة التوازن في المشهد السياسي والحزبي الوطني بعد الانقسامات التي أنهكت الحزب وكوادره وأربكت مئات الآلاف من أنصاره منذ مؤتمر سوسة في جانفي الماضي. وكان طبيعيا أن تستفيد كتلة الحزب الثاني في البرلمان ـ أي كتلة حركة النهضة ـ من تلك الانقسامات والصراعات.

وقد أسفر المؤتمر الوطني العاشر لحركة النهضة ـ الذي حضر افتتاحه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ومئات النشطاء السياسيين من “النداء” والتيارات اليسارية والدستورية والمعارضين للتيار الإسلامي ـ عن النتائج السياسية والتي كانت مرتقبة.

وبصرف النظر عن الأبعاد الداخلية لمؤتمر حركة النهضة فقد كانت أهم نتيجة سياسية توصل إليها المؤتمر هي المصالحة الرسمية والعلنية مع رئاسة الجمهورية ومؤسسات الدولة وإعلان نقد ذاتي فكري وسياسي علني شمل اعترافات من قبل زعيمها ومؤسسها راشد الغنوشي بغلطات مرحلتي ما قبل ثورة جانفي 2011 وما بعدها.

كما كانت الإضافة في إقرار “مصالحة علنية ورسمية مع “الدستور الوضعي للجمهورية” ـ أي دستور 27 جانفي 2014 ـ بما في ذلك الفصل بين “المقدس الديني” و”السياسي الدنيوي” والتمييز بين مهمات الأحزاب والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني .وقد اختزل البعض تلك المقررات في ما سمي بـ”الفصل” بين الأحزاب السياسية والجمعيات الاجتماعية والخيرية والتثقيفية أو “الدعوية“.

هذه المستجدات التي واكب جانب منها مئات الضيوف والإعلاميين العرب والأجانب و السفراء والدبلوماسيين قد تكون مدخلا لإعادة الحركية والمصداقية للحياة السياسية والحزبية التي تكشف كل استطلاعات الرأي تعمق الهوة بين كبار صناع القرار فيها وبين شباب تونس وطبقاتها الشعبية والوسطى وخاصة فئات المهمشين.

إن المصالحة بين رموز التيارات الفكرية والكتل السياسية مع الدولة ومؤسساتها ودستورها وقوانينها و”إيديولوجيتها” أمر مهم جدا.. لكن الأهم من ذلك ردم الهوة السحيقة بين النخب والشباب المهمش ورموز الدولة وزعامات الـ204 حزبا و20 ألف جمعية.

كان ايجابيا جدا أن يعلن رئيس الدولة قائد السبسي في مؤتمر النهضة مجددا ما سبق أن أعلنه في مؤتمر حزب النداء في سوسة من كونه يقف “على نفس المسافة” من كل الأحزاب والقوى السياسية.

وكان ايجابيا أن يعلن مع زعماء النهضة أمام الدبلوماسيين وأكثر من 12 ألف مشارك في افتتاح مؤتمرهم الوطني عن التمسك بثوابت النظام الجمهوري التونسي ومكاسب دستور 2014 وعلى رأسها “مدنية الدولة والأحزاب القانونية” مع مراعاة خصوصيات المجتمع الثقافية وبينها مرجعياته العربية الإسلامية.

لكن ما بات متأكدا اليوم، بعد أعوام من “تضخيم” الاهتمام بالشعارات السياسية، هو صرف طاقات الدولة للتنمية الشاملة حتى تتحقق المصالحة الشاملة بين تونس الرسمية وتونس الأعماق بالنسبة لقيادات الأحزاب والمجتمع المدني ولملايين الشباب والمراهقين الممزقين بين نخب “ضعيفة” وواقع مادي يزداد تدهورا كل يوم.

كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *