تونس :مغرب نيوز
ريم حمودة
عاد الجدل حول قانون المصالحة بقوة خاصة بعد عرضه على لجنة التشريع العام و مناقشته و إدخال جملة من التعديلات قبل المصادقة عليه فصلا فصلا.
لقد شكل هذا القانون محور خلاف كبير بين الأطياف السياسية و قد كان أهذا الخلاف صدى في الشارع التونسي .
ان مبادرة قانون المصالحة الاقتصادية تهدف حسب رئاسة الجمهورية إلى تسوية وضعية بعض رجال الأعمال و مساعدتهم على الرجوع لممارسة أنشطتهم مع التزامهم بإرجاع ما تعلق بذمتهم بفائدة الدولة حتى تتمكن عجلة الاقتصاد في تونس من استعادة دورات ها العادية ليتعزز هذه المبادرة بمبادرة رءيس حركة النهضة مصالحة وطنية شاملة التي ستساهم في انتعاش المجالات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية حتى يتناغم المجتمع و يعمل الجميع في جو من التجانس و الوفاق و يتم تجاوز عثرات الماضي بأقل الخسائر الممكنة .لكن و من الضفة المقابلة نجد بعض من الأحزاب المعارضة ومن المجتمع المدني يهددون بالعصيان و يعتبرون تمرير مثل هذا القانون جريمة في حق الشعب التونسي و أنه عبارة عن إعفاء مقنن عن من ارحموا في حق تونس و شعبها .ومثلما لمشروع قانون المصالحة له أنصار فكذلك اعداؤه .وبين هذا و ذاك يمكن للتجارب المقارنة ان يكون لها صدر كبيرا بيمر قانون المصالحة في جو من التوافق و التآلف إيمانا بالمصلحة العليا بتونس.
تجربة المصالحة الوطنية في ماليزيا
ماليزيا دولة متعددة الديانات والأعراق والتي تضم بين طياتها فسيفساءا متنوعا عرف كيف يتعايش فيما بينه بروح من المحبة والتسامح وقبول الآخر متناغمين ومتجانسين بشكل انساني جميل … يحافظ فيه الجميع على خصوصياتهم … ويحترم فيه الجميع أعراف وتقاليد وطبائع الآخر مادام لا ينتهك حرية الآخر ، ويصب الكل ثقافاتهم ونتاجهم الحضاري في الوطن الواحد الذي يسعى الجميع الى بنائه وتقدمه ورخائه ورفاهيته والتي بالضرورة تنعكس ايجابيا على جميع أفراد المجتمع الماليزي.
منذ بدء تشكيل الدولة الماليزية الفدرالية الحديثة أدركت أن تقدمها ونهضتها مرتبط بشكل أساسي قي انسجام الأعراق الماليزية المختلفة والأنفتاح على الآخر وضمان حرية الدين والمعتقد … فعندما تذهب الى ماليزيا تجد الحجاب بأشكاله الحديثة والكلاسيكية (ان جاز التعبير) والسفور بتنوعه الغربي والشرقي … كما تجد الجامع والكنيسة والمعبد جنبا الى جنب دون أن يثير أي منهم حفيظة الآخر.
في ماليزيا يحتفلون بالأعياد الدينية كلها والمناسبات الثقافية كلها فقد أقرت الدولة الفدرالية عطلة لعيدي الفطر والأضحى وعطلة لعيد الميلاد وعطلة في الأعياد المرتبطة بالديانات الآخرى … كما أن هناك عطلة لرأس السنة الهجرية وعطلة لرأس السنة الميلادية وعطلة لرأس السنة الصينية … الأجمل من كل ذلك أن جميع الماليزيون على أختلاف أعراقهم وأديانهم يحتفلون بهذه العطل … فالمسيحي يفرح لعيد المسلم والبوذي لعيد الهندوسي في مهرجانات وأحتفالات تلم شمل الماليزين جميعا … كما يحتفل الصيني برأس السنة الهجرية والملايو يرقصون في رأس السنة الصينية بدون حساسيات … لقد رفعت ماليزيا منذ عهد طويل شعاري التناغم والأحتمال (Harmony and Tolerance) وتعلمت القبول بالآخر وطبقتها على أرض الواقع فليس لأحد فضيلة على الآخر الا بالعمل والأجتهاد المبني على القدرة والكفاءة ويقول ممثل ماليزيا لدى الأمم المتحدة في كلمته أمام الجمعية العامة بتاريخ 20/10/2006 حول الحوار بين الحضارات في الجلسة المخصصة لثقافة السلام: “نحن في ماليزيا نعيش وحدة مبنية على الأديان المختلفة والأعراق المتعددة والثقافات المتنوعة … الأسلام هو الدين الرسمي للدولة فيما تعيش بقية الأديان والمعتقدات في بيئة منفتحة تقبل بالآخـر.
تمكنت ماليزيا وعلى الرغم من استقلالها المتاخر، وقلة مواردها الطبيعية نسبيا، من تحقيق تطور اقتصادي وسياسي واجتماعي فريد من نوعه في العالم الثالث بشكل عام … وغالبا ما يُعزى هذا التطور الى طبيعة النظام السياسي الماليزي الذي يتميز بمرونة كبيرة مكَّنته من ان يستوعب التباينات العرقية والدينية والثقافية المكونة للمجمتع الماليزي، وبالتالي أن يحافظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي الذي كانت تحتاجه عملية التحديث والتنمية ، فضمان حقوق جميع الاطراف قانونيا وعمليا بشكل متوازن ومنحهم الفرصة للمشاركة الأيجابية في عملية التغيير مما جعل الجميع يشعرون بانهم يستفيدون من هذا النظام وعزز من ثقتهم به.
تجربة المصالحة الوطنبة في جنوب إفريقيا
يعلم الكثير عن تجربة المصالحة التي مرت بها جنوب إفريقيا بعد عذاب التفرقة العنصرية ما يقارب قرناً من الزمان بقيادة رئيسها السابق والمناضل الشهير نيلسون مانديلا وفريدريك دوكليرك، آخر الرؤساء البيض حينئذٍ ونائب مانديلا في أثناء رئاسته. لكن، لعله ليس من المعروف كثيراً كم كانت صعوبة مرحلة المصالحة نفسها. فلعلهم يظنون أنه بمجرد الإفراج عن مانديلا ورفع راية التفاوض من أجل الوصول إلى مصالحة شاملة، أن الأمور سارت بيُسر وانفرجت الأزمات وتوقفت الصراعات في وقت قصير.
- عاشت جنوب إفريقيا فترةً عصيبةً جداً مليئة بالدماء والفوضى بعد خروج مانديلا، الذي لم يُعلِن هو وحزبه (حزب المؤتمر الوطني الإفريقي) إنهاء الكفاح المسلح إلا بعد أكثر من 5 أشهر من خروجه! بل وبمبادرة من رئيس الحزب الشيوعي، جو سلوفو، المتحالف مع حزب مانديلا والذي كان من أشد المؤيدين لمبدأ التفاوض والتصالح كان مانديلاً يرغب في ذلك، ولولا دفاعه عنه بشدة أمام المعارضين الكُثُر في حزبه لما أُعلن وقف الكفاح المسلح رسمياً. وحتى بعد إعلان إنهائه، استمرت المتاعب أيضاً،؛ فالشرطة لا ترغب في المصالحة، وأصحاب النفوذ وبعض الجماعات والقبائل المسلحة التي سيطر الثأر والعنف على سلوكها، وعلى رأسها “انكاثا” بزعامة رئيسها بوتيليزي، كانوا مستمرين في عملياتهم المفسدة لها. ساد العنف في البلاد لتصبح جنوب إفريقيا كل يوم على مجزرة جديدة، “كان يموت المئات كل شهر” كما قال مانديلا الذي تحدث عن “طرف ثالث” لا يعرفه يريد أن يقضي على المفاوضات والحل السلمي، وتكلم عن أرباب مصالح يريدون إعاقة مسيرتهم السلمية وعن عجز الحكومة -إن لم يكن تواطؤاً- عن محاسبتهم.
تصاعدت حدة الأحداث وتهديدات مانديلا وحزبه، وكان كل ذلك مؤشراً قوياً على أن الانتخابات الديمقراطية الحرة صارت أمراً حتمياً.
لم تثنهِ الضغوط من كل جانب عن يقينه وعزمه عن حلم تحقيق السلام لوطنه. كانت براغماتية دوكليرك وواقعيته أكثر إثماراً له عن كل مَن سبقه، وهو أمر لا بد أن يُؤخذ بالتقدير المناسب والاستفادة منه في شكل استمساكٍ بالفرصة أياً كانت العوائق، فقد أدرك يقيناً أنه “لا مستقبل بلا عفو” كما قال القس ديزموند توتو الذي ترأس لجنة الحقيقة والمصالحة التي أنشأها مانديلا بعد تنصيبه رئيساً، لم يكن أبداً النضال السلمي مفروشاً بالورود، ولكن بدماء أبرياء كانت الثمن الأغلى الذي تكفلت به المصالحة. فسلام جنوب إفريقيا هو الذي توج جهاد أبنائها ومهّد لمستقبل أفضل .
أن ثمرة المصالحة تأخذ وقتاً طويلاً حتى النضوج، لذلك يجب بذر بذرتها مبكراً ولو في أسوأ الفصول .