المشهد السياسي مع بدء مناقشة الميزانية: محاولات ل “إسقاط النظام السياسي “؟ .. بقلم كمال بن يونس

· دعوات جديدة لتشكيل ” حكومة إنقاذ” وإلغاء نتائج انتخابات 2014

تونس مغرب نيوز
بدأت في مجلس النواب مناقشة مشروع الميزانية وقانون المالية لعام 2007 في ظرف استفحل فيه الاستقطاب واحتدت فيه الصراعات والمعارك الكلامية بين أبرز الأطراف الاجتماعية من جهة وبين عدد من الأحزاب والسياسيين من جهة ثانية .
وفي الوقت الذي برزت فيه دعوات ” للانسحاب من التوافق حول وثيقة قرطاج ” ومن حكومة ” الوحدة الوطنية ” ، لوحت أطراف سياسية ونقابية عديدة بسيناريوهات انفجار عنف سياسي اجتماعي واندلاع” انتفاضات شبابية جديدة ” و” وثورة ثانية “..غيما لم يستبعد آخرون دخول البلاد في “مسار سياسي إعلامي ” يهدف إلى الإطاحة بالنظام السياسي الذي أفرزته انتخابات 2014 في أطوارها البرلمانية والرئاسية .

بالرغم من مشاركة وزراء من الزعامات النقابية واليسارية التاريخية في الحكومة ـ بينهم السادة محمد الطرابلسي وعبيد البريكي و ناجي جلول وسمير الطيب ـ لم تفرز المفاوضات المارطونية مع قيادة اتحاد الشغل في حسم الخلافات الحادة بين الأطراف الاجتماعية .

حكومة ” انقاذ وطني “؟

ورغم جلسات الحوار الثنائية والجماعية التي نظمها كل من رئيس الدولة الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد وزعماء الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي وبينها قيادات النهضة والنداء وحركة آفاق ، فإن ” التجاذبات ” لا تزال على أشدها .. بما يوحي بوجود “أجندات” تراهن على تغيير المشهد السياسي ودفع الأوضاع نحو” المأزق الشامل ” الذي يبررون به مجددا دعواتهم إلى استبدال ” حكومة الوحدة الوطنية ” ب” حكومة انقاذ وطني ” مطلع العام القادم (؟؟)
ولا يخفى أن هذا “المقترح” سبق أن روج في قرطاج والقصبة وباردو وفي كواليس الاطراف السياسية الفاعلية في البلاد ، لكن الرئيس الباجي قائد السبسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وقياديين من أحزاب عديدة رفضوه لأنه يبرر بكل وضوح ” لإلغاء النتائج السياسية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي نظمت في موفى 2014 ” .

توافق باريس ؟
وكانت أهم تلك النتائج تكريس ” التوافق بين الدولة و3 قوى سياسية رئيسية “هي النداء والنهضة والجبهة الشعبية .
كما كانت من بين النتائج السياسية لتلك الانتخابات تكريس ” توازن سياسي حزبي” جديد يقوده بزعامة الثنائي الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي وشركاؤهما في ” المشاورات السياسية ” التي تحققت منذ لقاء باريس في صائفة 2013 .
وبالرغم من ترحيب غالبية مكونات المجتمع المدني بنتائج ذلك ” التوافق ” وقتها ودعمها له عبر ” الحوار الوطني ” الذي قاده “الرباعي” وخاصة السيدة وداد بوشماوي والسيد حسين العباسي، فقد عادت الى السطح مرارا الدعوات الى ” القطيعة ” و” الصدام ” بين النداء والنهضة من جهة وبين نقابات العمال ورجال الاعمال من جهة ثانية .

” المواجهة ” ؟

ولعل من أخطر ” محطات” تصعيد اللهجة بين رموز ” الأقطاب السياسية والاجتماعية ” اثنتان :
· الأولى : مع تعمق الهوة بين الحكومة ونقابات العمال ورجال الأعمال حول مشروع قانون المالية ومقترحات ” تجميد الانتدابات والزيادات في الأجور ” و ترفيع الاداءات .
· الثانية : ردود الفعل العنيفة والمتباينة على حكم القضائي الذي أدى الى الافراج عن المتهمين بالمشاركة في حادثة قتل القيادي السابق في اتحاد الفلاحين ومكتب نداء تونس في تطاوين المرحوم لطفي نقض .
وقد تسبب ذلك الحكم في ” تعميق الفجوة بين قياديين في النداء وحلفائه والنهضة وحلفائها ” مع بروز سلسلة من الاتهامات لقيادات ” الترويكا” السابقة بتحمل مسؤولية سياسية عن جريمة قتل لطفي نقض .
لكن قيادة النهضة ردت ببلاغ نفت فيه مجددا مسؤوليتها عن الجريمة . كما أورد البلاغ أنها تحترم استقلالية القضاء الذي أوقف المتهمين الأربعة في عهد حكم الترويكا في 2012 وأفرج عنهم في عهد حكومة النداء في 2016 ؟؟

محاولة إضعاف حكومة الشاهد

وبصرف النظر عن مصير ” الجدل العقيم ” حول بعض القضايا الخلافية بين الأطراف الاجتماعية أو بين قيادات النهضة والنداء والجبهة الشعبية ، يرجح أن تنجح القيادات المركزية في احتوائها كالعادة .
يمكن أن يقع امتصاص الغضب بين ” الندائيين ” وحلفائهم عبر استئناف الحكم ضد المتهمين بقتل لطفي نقض .
ويمكن أن تحتوي الحكومة والنقابات ومنظمات الاعراف مسار التصعيد الاجتماعي والخلافات حول قانون المالية والميزانية عبر ” حلول وسطى ” .
لكن ما لن يختلف حوله اثنان هو أن النتيجة المرتقبة في كل الحالات لمثل هذه المزايدات والصراعات والتجاذبات اضعاف حكومة السيد يوسف الشاهد وهي في المهد .
فكيف الخروج من المأزق ؟

حلول اقتصادية ” وسطية “

حسب عدد من الخبراء الاقتصاديين بينهم الاستاذ رضا الشكندالي المديرالعام السابق لمركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية ـ سيريس ـ يمكن احتواء الازمة بين الاطراف الاجتماعية عبر عدد من الحلول “الوسطية”.

على رأس تلك الحلول يعتبر الشكندالي أنه يمكن ” تأجيل ” جانب من المشاريع المبرمجة ضمن ” برامج التنمية ” الجهوية والوطنية والتي تقدر قيمتها بحوالي 6 مليارات من الدنانير.

كما يقترح الاستاذ رضا الشكندالي أنه يمكن أيضا اعادة النظر في الزيادات المقررة ل” وسائل المصالح ” ـ أي سيارات كبار الموظفين والخدمات المرافقة ـ والتي تحوم حول 900 مليون دينار.

ويعتبر هذا الخبير الاقتصادي أنه يمكن بسهولة توفير حوالي 4 مليار دينار تحت هذا الباب بما يضمن للحكومة والنقابات عدم التوصل الى توافق حول زيادات الاجور التي قدرت بأقل من مليار دينار.

انهيار قيمة الدينار وتوقف الاستثمار

لكن المتخوفين من انهيار الاوضاع الاقتصادية مثل الخبراء عزالدين سعيدان ومراد حطاب والحبيب الكشو يحذرون من ” مؤشرات مالية واقتصادية ” أخرى توحي فعلا بكون البلاد مقبلة على مخاطر من الحجم الكبير من أبزرها ” تعويم الدينار” ليفقد مجددا ما لايقل عن ثلث قيمته .

كنا يحذر هؤلاء الخبراء من مخاطر مضاعفات توقف الاستثمار الوطني والدولي وتراجع مردود قطاعات استراتيجية في تونس منذ عقود من بينها السياحة والصناعات التقليدية والخدمات والفوسفاط .

لذلك فإن مصير المشاركين في محاولات ” اسقاط النظام السياسي الموروث عن انتخابات 2014 ” او استبدال ” حكومة الوحدة الوطنية ” ب” حكومة انقاذ وطني ” سيبقى رهين تطور المؤشرات المالية وقدرة مؤسسات الدولة على احترام تعهداتها لفائدة المؤسسات العالمية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي الذي من المقرر أن يساهم في تغطية عجز ميزانية الدولة التونسية هذا العام ب6 مليار دينار ( حوالي 3 مليار دولار أمريكي ) ..

ولا يخفى أن قروض صندوق النقد وغيره مشروطة ..حتى تكون الأموال المسداة مؤمنة نسبيا ..وحتى لا تتبخر مع أي ” انتفاضة جديدة ” أو “ثورة ثانية “..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *