المشهد السياسي في تونس.. أين «اليسار» و«اليمين» و«الوسط»؟ .. بقلم كمال بن يونس

اعلان المرزوقي وقادة النهضة والتكتل “القطيعة” مع حلفاء الأمس

– مخاض صعب قبل ميلاد “القطب الاجتماعي”

تسارعت محاولات “خلط الأوراق” داخل المشهد السياسي التونسي. وأصبح مؤسسو زعماء الأحزاب والتكتلات السياسية، مثل النداء والنهضة والجبهة الشعبية و”المؤتمر” و”حراك شعب المواطنين” و”القطب الاجتماعي التقدمي”، لا يستوعبون بوضوح وجهة الأحداث و”اتجاه الريح”.

ولئن خلط المقربون من الرئيس قائد السبسي ومن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي الأوراق داخل حزبيهما بسرعة فإن “المخاض” يبدو عسيرا في بقية التكتلات السياسية بما في ذلك في التيارات المحسوبة على الرئيس السابق المنصف المرزوقي وعلى السيدين مصطفى بن جعفر واحمد نجيب الشابي والمقربين منهم الذين توحي مواقفهم بـ”القطيعة” مع حلفاء الأمس.

فإلى أين تسير البلاد في مثل هذا الوضع العام؟

وهل ستبرز “بدائل” من داخل المنظومة الحالية أم من خارجها؟

حسب تصريحات عدد من رموز “الترويكا” الماضية ـ مثل السادة مصطفى بن جعفر والمنصف المرزوقي وحمادي الجبالي ولطفي زيتون ونور الدين البحيري ـ يبدو أن “حلفاء الأمس” في معارضة بن علي ثم في تأسيس الائتلاف الحاكم بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011، وصلوا إلى مرحلة القطيعة وتبادل الاتهامات “الخطيرة جدا”؟؟

رسائل المرزوقي

الرئيس السابق المنصف المرزوقي الذي دخل قصر قرطاج ما بين موفى 2011 ومطلع 2015 بفضل دعم قيادة حركة النهضة ثم فاز بالمرتبة الثانية في انتخابات 2014 بفضل دعم جانب من هياكلها ـ وجه خلال الأسبوعين الماضيين رسائل “قطيعة” بالجملة لها ولحلفائها.

كانت الرسالة الأولى تغيبه عن جلسة افتتاح مؤتمرها الوطني العاشر الذي واكبه مئات الضيوف من تونس ومن خارجها بينهم قياديون من حزبه السابق ـ “المؤتمر”ـ ومن حزبه الجديد ـ “حراك شعب المواطنين”.

وبرر المروزقي ومقربون منه تغيبهم عن الحدث بحضور رموز “النظام السابق” و”الفساد والاستبداد” فيه في إشارة إلى عدد من الوزراء ورؤساء الحكومات والمسؤولين السابقين في الدولة وفي الحزب الحاكم في عهدي بورقيبة وبن علي بينهم السادة الهادي البكوش وعبد الرحيم الزواري واحمد فريعة وعبد الحفيظ الهرقام وجليلة خياش..فضلا عن قيادات بارزة سابقة في اتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الشغل والمؤسسات الأمنية والإعلامية..

مرحلة “الجزر”

 لكن الرسالة الأخطر التي وجهها المرزوقي إلى حلفاء الأمس كانت المقال “المثير للجدل” الذي نشره في موقع الجزيرة الالكتروني وأعيد بثه في مواقع عديدة بينها مواقع خليجية معادية عادة للمرزوقي وحزبه بينها بعض الصحف المقربة من السلطات في عواصم دول مجلس التعاون الخليجي.

المقال الذي قطع فيه الرئيس السابق “شعرة معاوية” في علاقته مع حلفائه في “الترويكا” وداخل التيار الإسلامي شبه فيه ظاهرة نشطاء”الإسلام السياسي” الحالي بالنشطاء الشيوعيين واليساريين والقوميين الذين شهدوا مرحلة “مد” عقبتها مرحلة “جزر”.

واعتبر المرزوقي أن التيار الإسلامي الذي يناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ولبنان أو الذي يدعم “الأعمال الخيرية” سيلعب دورا مستقبليا. في المقابل توقع لحلفائه في الأمس القريب في الحكم وفي حملته الانتخابية بمرحلة “جزر” تنهي دورهم السياسي نهائيا .

ولا شك أن هذه الأفكار مهمة وتستحق النقاش لو صدرت عن مفكر مستقل.

 لكن “غرابتها” ناجمة عن كون صاحبها كان منذ تأسيس حزبه السابق “المؤتمر” في 2001 ثم عند دخوله قصر قرطاج ـ اعتمد بنسبة تفوق الـ 90 بالمائة على نشطاء ورموز من “حركة الاتجاه الإسلامي” السابقة ثم من “حركة النهضة” ثمل السادة عماد الدايمي وعدنان منصر وعبد الوهاب الهاني وسليم بن حميدان وسمير بن عمر وسهام بادي.. وكانت نسبة المستقلين واليساريين في حزبه ضعيفة جدا.

نجني ثمرة ما زرعنا

إعلانات “القطيعة” مع حلفاء الأمس صدرت كذلك عن قيادات من أحزاب ليبرالية ويسارية كثيرة من بينها مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي السابق واحد “الرؤساء الثلاثة” في مرحلة “الترويكا”.

بن جعفر الذي حضر افتتاح مؤتمر النهضة اعتبر أن نخب تونس “تجني ثمن ما زرعته”.

وإذ تحدث بن جعفر عن “المافيات” التي تحكم تونس والفوضى في مؤسسات الدولة، فقد كانت تصريحاته على غرار مواقف مماثلة صدرت عن قياديين في الحزب الجمهوري و”القطب الاجتماعي” ـ تحمل مسؤولية ما جري وما يجري في البلاد من تعثر وإخفاقات “للآخر” و”للخصوم” و”المنافسين”.

وهكذا تختفي مجددا نزعة النقد الذاتي والاعتراف للشعب بأخطاء الأمس .

فهل هو الميل إلى ترجيح عقلية “المؤامرة”؟

غضب من “المرزوقي” داخل النهضة والنداء

 في الأثناء وفي الوقت الذي يتواصل فيه المخاض الداخلي في صلب التيارات الدستورية الليبرالية والمقربين من حركة النهضة، يبرز قدر كبير من الالتقاء داخل الحزبين الكبيرين حول اتهام الرئيس السابق وعدد من المقربين منه في “المؤتمر” و”الحراك” بالتسبب في إخفاقات حكومات المرحلة الانتقالية السابقة وفي “إفساد” علاقات تونس الخارجية خاصة مع الشقيقة الجزائر وبعض العواصم العربية.

وقد بلغ التوتر اتجاه المرزوقي أقصاه عندما تعاقبت التصريحات التي تحمل المرزوقي والمقربين منه غلطات مرحلة “الترويكا” ومن بينها “اتهام الجيش بتنظيم محاولة انقلاب في صائفة 2013” (؟؟) و”تشجيع مشروع قانون “تحصين الثورة” و”العزل السياسي” بالرغم من تحالفاته مع رموز المؤسسات المالية والأمنية والسياسية في عهد بن علي…الخ

وبعد أن صدرت مثل هذه التصريحات عن شخصيات قيادية من حجم وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام والمستشار السياسي لرئيس حركة النهضة لطفي زيتون، انضم إلى مهاجمي المرزوقي “الزعيم التاريخي الثاني” لحركة الاتجاه الإسلامي ثم للنهضة عبد الفتاح مورو .

وقد كشفت المؤتمرات الجهوية ثم المؤتمر الوطني لحركة النهضة أن تيارا عريضا من كوادر الحركة فسر “تراجع شعبية الحركة ” في انتخابات 2014 بأعباء تحالفاتها السابقة مع بعض رموز حزب”المؤتمر” ومع زعيمه المنصف المرزوقي؟؟

كما وجه مؤتمرون من حركة النهضة إلى بعض قياداتهم في جلسات المؤتمر الوطني “لوما شديدا” بسبب “تورطهم في تعبئة جانب من كوادر الحركة ومقراتها في الجهات للدعاية للحملة الانتخابية للرئيس السابق” بالرغم من الموقف الرسمي للحركة الذي أكد على “الحياد” وعلى “الوقوف نفس المسافة” من كل المترشحين؟؟

ولا يخفى أن غالبية الدستوريين والتجمعيين يحملون المرزوقي وحلفاءه مسؤولية “غلطات الماضي”؟؟

اليسار واليمين والوسط ؟

 لكن بعيدا عن تبادل الاتهامات بين قادة الأطراف السياسية فان السؤال الذي يفرض نفسه على الجميع: متى يبرز في البلاد مشهد سياسي تتضح فيه 3 مكونات كبرى هي اليمين واليسار والوسط؟

ولعل الإشكال الكبير اليوم هو أن قادة “الجبهة الشعبية” و”النهضة” و”النداء” و”القطب الاجتماعي” يعلنون جميعا أنهم يمثلون “الوسط”؟؟ ويرفض كل منهم تصنيفه ضمن “أقصى اليسار” أو “أقصى اليمين”..

وتكشف أدبياتهم جميعا أنههم أصبحوا بالفعل اقرب إلى “الوسط”..

فهل يعني ذلك أن اللعبة السياسية في تونس سوف تختزل إلى الأبد في معركة مواقع وستختفي مرحلة المناظرات بين الأطروحات والبرامج الاقتصادية الاجتماعية والثقافية الواضحة؟

كل الفرضيات واردة في زمن تمر فيها كل النخب الحاكمة والمعارضة بمرحلة “مخاض” صعبة..لا يعلم أي طبيب ولا أي مخبر أشعة ماذا ستكون نتيجتها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *