الغنوشي: حركة النهضة في تونس "تراجعت" لصالح المشروع الديمقراطي

اعتبر أن فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا بمثابة نجاح للعرب أيضًا

إسطنبول/ محمد عقل/ الأناضول

أقر رئيس حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي، أن حركته التي قادت الحكم بعد الثورة تراجعت، وأصبحت اليوم جزءً من حكم يقوده “نداء تونس”.

وقال في حوار مع الأناضول بإسطنبول، “نستطيع القول أن هناك تراجعًا موضوعيًا لصالح المشروع الديمقراطي، لكن الأهم من ذلك هو أن الذين وصلوا لحكم تونس (اليوم)، كيف وصلوا؟”.

وأكد أن جميع مكونات المجتمع التونسي ارتضوا “طريق التصالح والتوافق”، الأمر الذي جنّب البلاد أزمات عصفت بغيرها من دول الربيع العربي.

وعرجنا معه على ما جرى في الساحة المصرية كإحدى دول الربيع العربي التي تعرضت لمحاولة إجهاض مشروعها التحرري نحو الديمقراطية فاعتبر الغنوشي “أن جزءً صغيرًا من الشعب المصري راضٍ عن الانتخابات (الأخيرة)، وهذا نجاح لخط الثورة، ودليل أن الشعب المصري يطالب بانتخابات أفضل”.

وأضاف أن “الانتخابات في عصر (الرئيس المصري الأسبق حسني) مبارك أفضل من الآن، فبالتالي الاعتراف بالواقع هو المطلوب، وهو الانتهاء من الإقصاء”.

وبرر ذلك بأن “طريق الإقصاء مسدود، يوصل إلى الكوارث، وفي تونس سلكنا طريق التصالح والتوافق، ولا نرى لغيرنا من الدول إلا نفس الأمر، والاعتراف ببعض، وأنادي النخبة المصرية إلى الانتهاء من الإقصاء، وتبادل الاعتراف بين مكونات المجتمع”.

وحول تعليقه على التصريح الأخير للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن “الإخوان جزء من الشعب المصري” قال الغنوشي “الإخوان مكون أساسي، كما القبطي والليبرالي والجيش، كلهم لا يمكن إنكارهم، ومستقبل مصر أمانة تهمنا جميًعا، وطريقها الاعتراف المتبادل بين كل المكونات، وطريق التصالح، هو طريق السلامة فلماذا تضييع الأوقات؟”.

وأشار رئيس حركة النهضة أن “الجيش سيبقى، وسيبقى الإخوان، حتى وإن تم الاعتراف بهم متأخرًا، وأن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي أبدًا، كما يقال، فينبغي على مثل هذا الاعتراف، حقائق بأنهم مكون أساسي، ومكانهم ليس السجن ولا المشانق، بل المشاركة بحكم مصر مثل غيرهم”.

وفيما يتعلق بأمر بلاده، أفاد الغنوشي أن “أوضاع تونس تختلف، رغم تشابه الأوضاع العربية.. التشابه جعل الشرارة تلتقط خارج تونس، لأن الأوضاع العربية تعاني الاستبداد، ويجري دم مشترك، وبذلك سمح للعلاقة (الثورة) أن تنتقل في مجرى الدم نفسه، وتجري وقائع مشابهة”.

وتابع شارحًا “أن الأوضاع (في تونس) تختلف من ناحية التعقيد عنها في مصر وليبيا وسوريا وغيرها، فالنسيج التونسي أكثر اتساقًا من ناحية اللغة والدين والعرق الواحد، وهو ما جعل (الرئيس الأسبق زين العابدين) بن علي لا بواكي له، لم تكن هناك فئة مرتبطة به ارتباطًا مصيريًا، بن علي لم يكن مستندًا على عرق أو طائفة، وعندما ثار الناس عليه وجد نفسه وحيدًا”.

ولفت إلى أنه “من ينظر لتاريخ الثورات يتساءل لماذا نظن نحن العرب أننا نسيج منفرد عن بقية ثورات العالم، فالثورة الفرنسية بقيت نحو مئة سنة لتحول نقلتها من النظام الملكي المقدس إلى نظام ديمقراطي شعبي، والثورة الأمريكية مرت بحرب أهلية طاحنة، فلا نظن أنفسنا خارج السنن في تغيير الأنظمة”.

وأشار أن “هناك تغير حصل في النفوس، والمسألة مسألة وقت للتغيير حتى ينتج الأنظمة الملائمة له، طريق شعوبنا إلى الحرية ليس بالضرورة أن يمر عبر الثورة السلمية أو المسلحة، ربما يكون عبر الإصلاح المتدرج”.

وأضاف أن “ثورات أوروبا سلكت نفس الطريق، وتنوعت المسالك نحو الديمقراطية .. بعضها تحول من الملكي للديمقراطي، فإنكلترا مختلفة عن فرنسا، بعضهم سلك طريق الثورة الباهظ التكاليف والبعض الآخر سلك طريق الإصلاح الأكثر اقتصادًا في الأموال والنفقات والأرواح”.

وعما جرى في تونس، وتراجع حركته للمركز الثاني في آخر انتخابات برلمانية أوضح أن “حركة النهضة الآن جزء من حكم يقوده النداء (نداء تونس)، والموضوع الأهم من هم الذين يحكمون؟ هل وصلوا عن طريق الثورة، أم عن طريق الانقلاب؟، وواضح أن (القايد) السبسي رئيس الجمهورية (التونسية)، يحكم كما رئيس الحكومة بالدستور الذي صنعته الثورة، لقد سلكوا الطريق الديمقراطي عبر مؤسسات أنتجتها الثورة، فالثورة ودستورها في تونس لا يزالان يحكمان”.

وحول نيله جائزة تكريمية من إحدى المؤسسات الأمريكية علق قائلًا “تلقيت والسبسي تكريمًا من قبل هيئة النزاعات الدولية، وهي منظمة أمريكية مدنية وليست حكومية، كما أن رباعي المجتمع المدني كوفئ من قبل (نوبل)، وهي جائزة دولية غير مرتطبة بحكومة معينة، كما أننا لا نجد مشكلة بوجود تأييد رسمي أو مدني لنا، ونحن حريصون على ذلك”.

وعن محاولة الجماعات الإرهابية إجهاض التجربة التونسية لفت إلى أن “الديمقراطية التونسية شكلت سدًا في وجه الإرهاب والانقلاب والثورة المضادة، نعم يوجد إرهاب كما هو الحال في كل الديمقراطيات، ولكن التراب التونسي كله تحت رقابة الدولة، ويمكن للإرهاب، في غفلة، أن يضرب هنا وهناك، ولكن لا يمكنه أن ينازع السيادة على جزء من تونس”.

وحول نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في تركيا، كشف أن “نجاح (العدالة والتنمية)، هو نجاح للعرب وتركيا وحزب العدالة نفسه”.

ونوّه أنه “كان ينظر لتركيا في العالم العربي، وكأنها في قارة أخرى منفصلة عنّا، اليوم أصبحت انتخاباتها تهم العرب، وهذا يعني أن العدالة والتنمية أعاد تركيا لجزء من تاريخها، وما يجري في العالم العربي يؤثر في تركيا والعكس صحيح، وتركيا عمق عربي والعالم العربي عمق لها والتأثير متبادل”.

وتابع  “في العالم العربي قوى مختلفة كما في تركيا، والله خلق الناس مختلفين، فمن العرب من سُرّ بالنتائج، وأحسبهم من أنصار الديمقراطية والثورة، ومنهم مخالفون نعتبرهم من القوى المضادة للثورات، حزنت للنتائج، وتمنت نتائجًا أخرى، حتى ولو جاءت النتائج بأقوام ليسوا معروفين”.

وأردف “وما حصل في تركيا نظر إليه من مواقع مختلفة، بحسب نوعية الانتماء الأيديولوجي، وأحسب أن المنتمين للتيار الديمقراطي سُرّوا، وعلامة ذلك المشاركة الكبرى في الانتخابات، مقارنة مع الانتخابات في العالم العربي”.

وشدد الغنوشي على أن” التجربة التركية لم تخيّب ظننا، ومستوى الشفافية بالانتخابات كان مرتفعًا، باعتراف المنافسين الخاسرين، وفي تركيا إعلام حر، ومجتمع مدني قوي، وتنافس حزبي سياسي قوي، وهناك تجربة تنموية رائدة نقلت تركيا إلى مستوى العشرين دولة الأولى (على مستوى العالم إقتصاديًّا)، وتم ذلك على يد العدالة والتنمية”.

ولفت إلى أن “تونس أصلح لها الحكم الائتلافي، هناك دول لا يلائمها حكم الحزب الواحد، مثل مصر وليبيا، على خلاف تركيا حيث الديمقراطية مترسخة؟”.

وأوضح الغنوشي أن بعض الدول “لا تحتاج لحكم 51٪، بل لتوافق على الحكم، حيث يقوم على أغلبية واسعة، كما هو في تونس، وعندما نقول أن نموذجًا ديمقراطيًا ناجحًا في بلد، قد لا يكون كذلك في بلد آخر”.

وبحسب أدبيات الحركة فـ “النهضة حزب سياسي مدني يستلهم خياراته و برامجه من مبادئ الإسلام و من الهوية العربية الإسلامية، يتبنى مشروعًا تنمويّا وطنيّا جامعًا يرتكز على مبادئ الحرية والديمقراطية واحترام الهوية العربية الإسلامية.

وتصف نفسها بأنها “حركة وسطية، معتدلة ومعاصرة تأسست سنة 1981: من أبرز مؤسسيها أستاذ الفلسفة والمفكر راشد الغنوشي، وهو رئيسها الحالي، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” .

وتعرضت الحركة لـ “قمع في حقبة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وذهب ضحيته عشرات الآلاف من الناشطين في الحركة، كان يرأسها الدكتور صادق شورو، لقب بمانديلا تونس، قضى 20 سنة في السجن، وترأسها أيضًا حمادي الجبالي، وعلي العريض، والحبيب اللوز، والحبيب المكني وغيرهم”.

و”لا تعتبر الحركة نفسها ناطقًا باسم الإسلام أو المقدّسات الدينية ولكنها تتبنى فهمًا وسطيًا للإسلام يجعل منه مصدر إلهام ووحدة وانفتاح على الحداثة وقضايا العصر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *