العقدة ليست في وساطة الجزائر ولا في تعنت السعودية بقلم اسماعيل القاسمي الحسني

لا شك بأن الاوضاع في الشرق الأوسط تزداد تعقيدا، وبأنها مرشحة وفق متغيرات الواقع، لمواجهات وصدامات إن لم تكن بالضرورة قتالية، فلا محالة أنها ستحتل مساحات أكثر وأوسع من أوجه الصراع المُصنّع؛ ومن المؤسف أن نشهد في هذه المرحلة الخطيرة من حياة “الأمة”، أغلب صنّاع الرأي من مفكرين وإعلاميين يصبون الزيت على نار الفتن، كأنما سقف المعبد سيهوي على رؤوس بعض دون بعض، وكأنما قوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة. لا تعني شيئا بالنسبة لهؤلاء.
وقلة عزيزة من أصحاب الرأي والقلم، من تدعوللتهدئة ونبذ الخلاف وتعرض مخارج من هذه الازمات المفتعلة، لتغييب الوعي العربي والاسلامي عن واقعه المرير، وعنوانه الأبرز ضياع فلسطين أرضا ومقدسات وتشريد شعب بأكمله؛ ومن بين هؤلاء الاستاذ عبد الباري عطوان، والاستاذ فهمي هويدي، ولعلني لا أبالغ إن قلت: ما قرأت لسواهما من أعلام عالمنا العربي، على امتداد مساحته وتعدد منابره، من استدعى دور “الجزائر” المشهود له بالخبرة العالية، والنجاح المرتكز على ثقلها وموضوعية طرحها، للتدخل كوسيط لفك الاشتباك المتصاعد بين السعودية وايران.
طبعا لا ينكر صاحب عقل سليم، ضرورة وقف تهالك العلاقات العربية العربية، وتآكل العلاقات الاسلامية الاسلامية، ولا شك كذلك بأن المصلحة العليا للأمتين تقتضي تكاتف الجهود وتوحيد الصفوف، فهذه من أبجديات المعرفة، ولا يعقل أن يدعي أحد سعيه لصالح الأمة بإضرام نيران الفتن، واختلاق نزاعات وصراعات دموية فيما بين أبنائها وأقطارها. ويقينا أن عالمنا العربي والاسلامي فيه من العقلاء والحكماء من يملك الأهلية والقدرة على رأب الصدوع، وتجنيب المنطقة مزيدا من التدهور بارتكاب حماقات لا يشجعها إلا سفهاء العقول، أوعملاء الضمائر.
وإن كانت دعوة الكاتبين الكبيرين سواء عبد الباري عطوان في مقالاته أومداخلاته عبر محطات فضائية، أوفهمي هويدي عبر كتاباته ومنها مقاله الأخير تحت عنوان “نعي المثلث الذهبي” بصحيفة “الشروق” المصرية في 10 من هذا الشهر، للجزائر للقيام بدور الوسيط بين السعودية وايران، وفك فتيل القنابل التي تزرع عمدا لنسف الشرق الاوسط، دعوة معقولة ومرحب بها، لكن وبكل أسف يبدوأن هناك ما يغفل ذكره على أهميته المؤثرة والفاعلة.
بداية لن أزايد (كما قد يقرؤها البعض) بالتذكير بالضرائب العالية التي دفعتها الجزائر، نتيجة كل وساطة قامت بها لدفع الخطر عن الأمة، وإنما لابد من لفت انتباه السادة بأن الجزائر عرضت وساطتها لحظة اشتعال شرارة الازمة بين السعودية وايران، التي تمثلت في الاعتداء المدان على مقارها الدبوماسية في طهران ومشهد، وجاء العرض الجزائري بتزامن مع عرض العراق، وكليهما رفضتهما السعودية جملة وتفصيلا.
والحقيقة أن العقدة ليست في قدرة الجزائر على لعب دور فاعل ومهم في هذه الازمة، ولا كذلكم هي في تعنت القيادة السعودية وتمسكها بخيار التصعيد غير المبرر ولا المشروع؛ وإنما مربط الفرس الذي يغفل ذكره في أنظمة عربية قوية التأثير، رهنت خيارها وقرارها بيد القيادة السعودية؛ وهنا أتحدث عن مصر بالدرجة الأولى ثم الاردن وبدرجة أقل المملكة المغربية.
فمن تابع ما تسرب عن مجلس وزراء الخارجية العرب، الذي عقد منذ يومين، يقف على سلوك غير سوي وغير مسؤول من وزيري خارجية مصر والاردن، كلاهما زايد على موقف السعودية، بل وسبقا بأشواط مداخلات عادل جبير؛ ففي الوقت والحال التي يرجى من الجزائر أوغيرها أن تتدخل لتهدئة الوضع، هناك أنظمة مركزية كمصر مثلا تمضي في الاتجاه المعاكس تماما، ما يعني أن “الوسيط” أيا يكن لا يجد نفسه يسعى بين السعودية وايران فحسب، وإنما هناك جبهات مزايدة عديدة عليه أن يلجمها، وهذه مهمة بالغة الصعوبة وعالية الكلفة؛ وتذكرنا بقول الشاعر: متى يبلغ البنيان تمامه*** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم.
ولا ندري إن كان قد انتبه الاستاذ فهمي هويدي، وهويدعوالجزائر للعب دورها، قد سبق ذلك نعيه للمثلث الذهبي، هذا الأخير يقوم على مصر وتركيا وايران، أنه لا يتأتى عقلا نجاح الجزائر وغيرها، في حال معارضة مصر وتركيا، ودون اتهام عشوائي فكليهما يؤججان الصراعات أكان في سوريا أواليمن، بذريعة مواجهة ايران.
العقدة إذن ليست فيمن يدير العجلة، وإنما في من يضع العصي؛ نقول هذا بناء عن تجارب سابقة، أقربها عهدا العدوان السعودي العسكري على اليمن، والذي اعترضت عليه الجزائر بكل صراحة ووضوح، ولووقفت القيادة المصرية الى جانب الجزائر، أواختارت الحياد على الأقل، لأمكن تخفيف الخسائر الكارثية المترتبة عن ذلكم القرار الأهوج؛ بيد أن مصر والاردن والمغرب، سايروا القرار السعودي مجاملة حتى لا نقول “متاجرة” وابتزازا على حساب دولة عربية ضعيفة، وشعب عربي أصيل أعزل؛ في مثل هذا الموقف هل تتحمل الجزائر عبأ النهوض بوساطة أغلب الفاعلين يرون في أزمتها دكان تبضع وكيل “رز″؟.
أتفهم ضرورة دعوة هؤلاء الأساتذة لدور الجزائر، وأثني على تذكيرهم القادة العرب بقيمة هذا البلد ودوره المهم، وأزعم أنه دوما على استعداد وله كل القدرات لفك الألغام، ولكن قبل ذلك لابد من الاعتراف بأن الوضع ليس صنيعة القيادة السعودية فحسب، وإنما يزيده تأزما وخطرا وتعقيدا، تجارة أنظمة عربية بعينها، هي أغنى ما تكون عن فعل ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *