العدوان الأمريكي الصهيوني على رفح لتحقيق التهجير القسري .. بقلم توفيق المديني

العدوان الأمريكي الصهيوني على رفح لتحقيق التهجير القسري

توفيق المديني

كثيرًا ما نسمع في الخطاب الإعلامي و السياسي الذي تتناوله الصحف و المجلات الأمريكية والبريطانية عن أحاديث لمسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى يعترفون بأخطاء إدارة بايدن تجاه حرب الإبادة الجماعية على غزة ،وتبرمها من رئيس الحكومة الصهيونية الفاشية نتنياهووسلوكه الوحشي في طريقة شن العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فهل تعكس هذه التصريحات حقيقة الموقف الأمريكي ؟

رغم البيانات الرسمية السياسية التي حذرت تباعًا من شن الكيان الصهيوني عدوانه على رفح، سواءً من دول عربية أو أوروبية، والموقف المصري المتحفظ، فإنَّ نتنياهو لايُبَاليِ بحجم الإدانات الدولية، وهو مستمرٌ في المضي قدمًا في العدوان المرتقب على رفح، متسلحًا بموقف إدارة بايدن الذي لا يعارض العدوان الصهيوني ، لكنَّه يشترط “سلامة المدنيين”،وفقًا لتصريحات الرئيس جو بايدن.

الحرب الصهيونية عرَّتْ عورات منظومة حقوق الإنسان و الليبرالية الغربية

فضحت حرب الإبادة الجماعية التي تقودها “إسرائيل”منذ السابع من أكتوبر 2023، موقف إدارة الرئيس بايدن الديمقراطية من هذه الحرب العدوانية،إذ ظلتْ هذة الأخيرة داعمةً بصورة علنيةٍ لإسرائيل وقاومتْ المطالبات داخل الحزب الديمقراطي بالدعوة إلى وقف إطلاق النار إلى جانب تصريحات بايدن التي تلقي بظلال من الشك على عدد ضحايا الغارات الجوية الإسرائيلية ووصف الخسائر في الأرواح بأنها “ثمن شن الحرب”، وهي تصريحات أثارت غضب الشباب والناخبين السود والتيار التقدمي الأكثر تعاطفا مع القضية الفلسطينية.

فقد استمرت الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الأوروبية في تقديم دعمهم الثابت للكيان الصهيوني على الرغم من الانتهاكات الواضحة للقانون الدولي التي ترتكبها قوات الاحتلال، إذ إِنَّ هذا الدعم يسهمُ في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، التي راح ضحيتها لغاية الآن أكثر من 28000 شهيدًا فلسطينيًا غالبيتهم من الأطفال و النساء، وتشريد مليوني فلسطيني ، بالإضافة إلى المجاعة التي تهدد جميع السكان الآن. ويتحمل المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى مسؤولية سياسية وعسكرية وأخلاقية في هذه الجرائم لدعمهم جرائم التطهير العرقي والفصل العنصري والاحتلال الوحشي التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني من قبل “إسرائيل” منذ عام 1948، ولغاية الحرب الحالية.

وازدادت الحرب الصهيونية عدوانية في ضوء التهديدات بتكثيف الاجتياح العسكري لرفح، الملجأ الأخير لسكان قطاع غزة ، إضافة إلى وقف تمويل الأونروا من قبل الدول الغربية، حيث تساهم هذه الإجراءات العقابية في تفاقم الكارثة الإنسانية. ورغم مبادرة جنوب أفريقيا لتقديم “إسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، فإنَّ الحكومات الغربية لا تزال متواطئة في الأزمة المستمرة.

وبالمقارنة مع النضالات ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والاستعمارالبريطاني في إيرلندا، تؤكد معظم دول وشعوب العالم على أهمية التضامن العالمي والمقاومة وفرض العقوبات على “إسرائيل، وتدعو إلى وضع حد للتواطؤ الأمريكي-الأوروبي مع نظام الفصل العنصري الصهيوني ، وتحث على القيام بتحرك جماعي ضد الظلم الذي يواجهه شعب غزة وفلسطين، واتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لوقف الإبادة الجماعية ودعم حقوق وكرامة الشعب الفلسطيني.

إنَّ صمت العالم في مواجهة العدوان الصهيوني على رفح لتهجير حوالي مليون ونصف فلسطيني إلى صحراء سيناءلا بقوة السلاح، يعتبر دليلًا خطيرًا بشكل خاص على استثنائية “إسرائيل” في الساحة الدولية.  تقع رفح جنوب قطاع غزة، وتشكل مع مخيماتها المحافظة الخامسة وفق التقسيم الإداري لقطاع غزة، وتمتد مساحة المدينة على 55 كيلومترا مربعا، من أصل 151 كيلومترا مربعا هي كامل مساحة المحافظة.

وتقع جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، ويبلغ عدد سكانها 296 ألفا و661 نسمة وفق إحصائيات عام 2022، وتشكل بوابة القطاع إلى العالم الخارجي، ويقع فيها معبر رفح المخصص لسفر المواطنين عبر مصر، ومعبر كرم أبو سالم المخصص لإدخال البضائع عبر “إسرائيل” إلى القطاع، وبقايا مطار غزة الدولي الذي دمره الاحتلال مطلع الانتفاضة.فبعد 130 يومًا من العدوان، تحولت رفح إلى خزان للنازحين من عموم مناطق القطاع، حيث قدرتْ الأمم المتحدةعدد النازحين على المدينة بنحو 1.5مليون فلسطيني من أصل 2.3 مليون إجمالي عدد سكان القطاع المحاصر.ومع إطباق الحصار عليها من جهاتها الأربع، تحولت رفح اليوم إلى مخيم كبير للاجئين، إذ يزيد عدد المقيمين فيها الآن على 6 أضعاف عدد سكانها الأصلي قبل بدء العدوان.

إنَّ الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية الأخرى تمارس النفاق الدولي تجاه النظام القانوني الإسرائيلي الذي يريد ضم الضفة الغربية ،وإعادة احتلال غزة بالكامل رغم عواقبه الوخيمة على الحياة الواقعية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة الاحتلال الصهيوني، و التهجير القسري من جديد من غزة.

لكنَّ الغرب عموما بقيادة الولايات المتحدة عودنا منذ تأسيس هذا الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، على ارتكاب الخطايا التاريخية الفادحة تجاه الشعب الفلسطيني ، وهذا ليس جديدًا. لقد كانت المعايير المزدوجة التي يمارسها هذا الغرب، الميزة الأساسية التي يتميز بها هذا النظام الليبرالي العالمي الأمريكي منذ بداية الحرب الباردة،ولغاية اليوم ،فهو يمارس صمت القبور تجاه سياسة التوسع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين المحتلة، ولكنَّه بالمقابل يخوض حربًا شعواء ضد الضم الروسي في أوكرانيا. ويُعَدُّ حظر الضم أحادي الجانب للأراضي المحتلة مبدأ أساسيا للنظام القائم على قواعد ما بعد الحرب العالمية الثانية. والفشل في محاسبة “إسرائيل” لا يقوّض مصداقية الغرب فحسب، بل له تأثير مزعزع للاستقرار على النظام الدولي أحادي القطبية بأكمله.

استخدام “إسرائيل” كقاعدة متقدمة لتأبيد السيطرة على العالم العربي

الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الأوروبية يخوضون الآن صراعًا جيواسترايجيا دفاعًا عن استمرارهم في ممارسة الهيمنة على المنطقة العربية ، نظرًا لاحتلالها موقعًا استراتيجيًا مهمًا في قلب العالم ،وامتلاكها أهم الثروات المعدنية من البترول والغاز الطبيعي بكميات واحتياطات كبيرة جدًا، إضافة إلى أنَّها تمثل سوقًا استهلاكية كبيرة جدَّا عسكرية ومدنية،وأصبحت في الوقت الحاضر ميدان صراع بين القوى الغربية التي تدافع عن بقاء سيطرة النظام العالمي الرأسمالي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الذي أثبت إفلاسه التاريخي بوصفه نظامًا استعماريًا جديدًا،وبين القوى الإقليمية والدولية الصاعدة مثل روسيا والصين وجنوب أفريقيا والهند والبرلزيل ،التي تنادي بإعادة تشكيل النظام الدولي وبناء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب.

ولا يمكن أن نفصل حرب الإبادة الصهيونية الغربية في غزة عن عودة الولايات المتحدة للمنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط بعد بدايةٍ اسْتِعْلاَئِيَةٍ للرئيس بايدن وكأنَّه لا يزال يعيش الولاية الأولى لباراك أوباما؛ غير أنَّ الأزماتِ الدوليةِ المتلاحقةِ، والتحدِّي الروسِيِّ الكبيرِ للهيمنةِ الأوروبيةِ-الأمريكيةِ، إلى جانبِ التعاطيِّ السلبيِّ وعدم فاعليةِ الاستجابةِ للأزماتِ، كلّ هذه العوامل جعلتْ من عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة قائمةٍ حماية النظام العالمي الحالي بما يضمن حد أدنى من هيمنتها وتفوقها الاستراتيجي على كل من الصين وروسيا، ومن أجل الاحتفاظ بالسيطرة على ثروات المنطقة العربية وأسواقها، وإنشاء النظام الإقليمي الشرق أوسطي بقيادة الكيان الصهيوني.

كل حروب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الصناعية الأوروبية في السابق هي من أجل الدفاع عن النظام الرأسمالي العالمي المتوحش، لذا خاضت الإمبريالية الأمريكية ومعها كل المعسكر الغربي الحرب الباردة ،والحروب الإقليمية في كل من قارتي آسيا و أفريقيا ضد الاتحاد السوفييتي السابق، وضد الدول الوطنية العربية التي أرادت تحسين شروط العلاقة مع الغرب من موقع الندية في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي.

وفي سبيل تحقيق هذه الاستراتيجية، اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية خوض الحروب في المنطقة العربية بالاعتماد على قاعدتها الاستراتيجية في المنطقة متمثلة في “إسرائيل” ،التي خاضت الحروب ضد الدول العربية ، لا سيما ضد مصر وسوريا، وكبدتها ثلاث هزائم عسكرية لتحييدها وإجبارها على الانسحاب من الصراع العربي-الصهيوني وتوقيع اتفاقية مهينة في كامب ديفيد عام 1979،حيث تخلّتْ فيها مصر عن سيادتها في سيناء التي فقدتها في حرب 1967، وتم ضم الجولان السوري في عام 1981 ،وقضت على العراق في حرب الاحتلال عام 2003، ودمّرت سورية وليبيا عقب ما يسمى “انتفاضات الربيع العربي”في بداية عام 2011. وفي جميع هذه الحروب الأمريكية ، لعبت “إسرائيل” دور القاعدة المتقدّمة والعصا الغليظة لهذا التحالف الغربي بقيادة الإمبريالية الأمريكية .

و الحال هذه لا غرابة في حرب الإبادة الصهيونية الجماعية الحالية على مدينة رفح لتهجير الفلسطينيين منها وإجبارهم بقوة السلاح إلى التشرد من جديد في صحراء سيناء ،من استمرار الدعم الأمريكي و الغربي الكامل لهذا الكيان الاستيطاني الصهيوني بالسلاح العسكري والدبلوماسي والسياسي، بما في ذلك تحييد القانون الدولي وتقويض عمل الأمم المتحدة للحفاظ على ما تبقّى من هذا النظام الرأسمالي العالمي الليبرالي الأمريكي المتوحش،وما يرتبط به من وهم قيادة إدارة بايدن للنظام الدولي أحادي القطبية.

الموقف المصري من الاجتياح الصهيوني لرفح

بدلاً من أن يكون الموقف المصري وطنيًا وقوميًا ،يقتضي من الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يقطع علاقات مصر الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني،ويلغي نهائيًا اتفاقيات ما يسمى بالسلام (اتفاقيات كامب ديفيد، ويزج بالجيش المصري على الحدود مع رفح،ويهدد العدو الصهيوني وكل الدول الغربية بالدخول في حرب حقيقية إذا شنَّ الكيان الصهيوني عدوانه الغاشم على المهجرين والنازحين الفلسطينيين المتكدسين في مخيمات مدينة رفح على الحدود مع مصر،بدلاً من كل هذا نجد نظام السيسي يؤمن حدوده مع مدينة رفح ،منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، من خلال عمليات تشييد جديدة للجدار الفاصل، الذي جرى بناؤه أكثر من مرة.

فقد بدأت المحطة الأولى لبناء الجدار من قبل جيش الاحتلال الصهيوني ، قبيل انسحابه من قطاع غزة عام 2005، وشيّدت قوات الاحتلال في حينها سياجًا حدوديًا مكونًا من ألواح معدنية وجدران في بعض المناطق وأسلاك شائكة.لكنَّ هذا السياج لم يصمد طويلاً، حينما اقتحم مئات آلاف الفلسطينيين الحدودمع مصر في كانون الثاني/ يناير 2008، تزامنًا مع اشتداد الحصار على قطاع غزة، للحصول على مواد غذائية واحتياجات أساسية، وهو ما سمحت به القاهرة لبضعة أيام.

ثم شرع النظام المصري عام 2008 بتشييد جدار صخري بارتفاع ثلاثة أمتار على الجانب المصري من الحدود، وبدأ في العام  التالي بزرع حاجز حديدي تحت الأرض للتصدي للأنفاق.
ويمتد الجدار بطول 10 كيلومتر وعمق يتراوح من 20 إلى 30 متر تحت سطح الأرض، ويتكون من صفائح طلبة طول الواحدة 18 مترًا، وسمكها 50 سم، مقاومة للديناميت ومزودة بمجسات ضد الاختراق.ويضم الجدار أيضا ماسورة تمتد من البحر غربا بطول 10كيلو باتجاه الشرق يتفرع منها أنابيب مثقبة يفضل بين كل واحدة والأخرى 30 إلى 40 متر، تقوم بضخ الماء باستمرار، بهدف إحداث تصدعات وانهيارات للأنفاق.

وأشرف على الجدار ضباط مخابرات أمريكيين وفرنسيين، وتقدر تكلفته حوالي مليوني دولار، وقالت القاهرة إنَّه بنى بأموال وبمعرفة الحكومة المصرية، وبمساعدة فنية واستشارية فقط من قبل الولايات المتحدة.شملت المرحلة الأولى تركيب أجهزة للكشف عن الأنفاق، وهي أجهزة جيولوجية ذات تقنيات عالية في الكشف عن الصوت والحركة في باطن الأرض وعلى أعماق كبيرة، وقد بدأ العمل فيها منذ الربع الثاني من 2009 تقريبا.

أما المرحلة الثانية من المشروع فهي عملية بناء جدار فولاذي بطول المنطقة الحدودية، لعرقلة حفر الأنفاق عند نقطة معينة تمت دراستها بعناية، وهي عبارة عن منظومة الكشف عن الأنفاق.
تم استثناء 3 كيلومتر من الحدود، والتي تنعدم فيها عمليات حفر الأنفاق بسبب نعومة ترتبها الرملية، وهي المنطقة المحصورة ما بين تل السلطان وحتى شاطئ البحر غرب مدينة رفح.
وبين عامي 2014 و2015، أنشأ النظام المصري منطقة عازلة بطول الحدود مع قطاع غزة، وبعمق 1500 متر داخل الحدود المصرية.

وفي حرب الإبادة الجماعية الأخيرة على غزة، عزز النظام المصري تأمين حدوده المغلقة مع قطاع غزة بحجة منع تهجير الشعب الفلسطيني من القطاع إلى سيناء، وقام بتشييد سور إسمنتي على الحدود.وامتدت خيام النازحين في مدينة رفح إلى المنطقة القريبة من الحدود مع مصر، وباتوا يشاهدون عمالا مصريين يبنون السور الجديد فوق السور القديم الموجود بالفعل، أي أن عملهم كان لزيادة ارتفاع السور، وليس بناء سور جديد.

وبدأ النظام المصري بأعمال ترميم جديدة في السياج الفاصل، والذي يبلغ طوله 13 كيلومترا، إلى جانب نقل معدات ثقيلة الرمال، وتقوية أبراج المراقبة والسور الخرساني على طول الحدود مع قطاع غزة،ويقع الجدار بطول الحدود المصرية مع غزة، ويمتد معبر من كرم أبو سالم جنوبا وحتى ساحل البحر الأبيض المتوسط غربًا.

خاتمة: في حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها “إسرائيل” في غزة،وفي مدينة رفح ،تبنت الولايات المتحدة بقيادة الرئيس “الصهيوني”بايدن رواية الاحتلال وبررت جرائمه في غزة،كما أبرزتْ تأكيدَ التزامَ واشنطن بحماية أمن “إسرائيل”، فضلاً عن توسيع دائرة التطبيع وإطلاقِ التحالفِ الدفاعِيِّ الإقليميِّ ضد إيران، مع تغييب الجوهر السياسيِّ للقضية الفلسطينية والاقتصارِ على الجانب الإنساني. كما أنَّها أكَّدتْ أنَّ “إسرائيل” ستبقى الحليف الإستراتيجي الأبرز في الشرق الأوسط، حيث ستحظى بالدعم السياسي والعسكري والأمني.

من الناحية التاريخية كانت كل الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية، تضع مصالحَ “إسرائيل” هدفًا أساسياً يَعْلُو على كلِّ الأهدافِ الأخرى في المنطقة العربية . فإدارة بايدن منذ بداية العدوان الصهيوني لا تخدم سوى المصالح الإسرائيلية على حساب القضية الفلسطينية، وهي تهدف إلى تعزيز الانقساماتِ في المنطقةِ وتشكيلِ اصطفافاتٍ جديدةٍ لحماية المشروع الصهيوني وسياسته التوسعية، وتستهدفُ محور قوى المقاومة العربية والإسلامية في الأمة، إضافة إلى تشكيل حلفٍ عسكريٍّ جديدٍ في المنطقة على غرار حلف بغداد الذي أُنْشِىءَ عام 1955، يكون الكيان الصهيوني رائده، الأمر الذي يشكل خطرًا استراتيجيًا على القضية الفلسطينية وعلى المصالح القومية العربية.

ولا تزال إدارة بايدن تستهدف تعميقِ اندماج الكيان الصهيوني في المنطقة، ومواجهةِ تصاعدِ النفوذِ الإقليميِّ الإيرانيِّ وكذلك الحضور القوي لكل من روسيا والصين في إقليم الشرق الأوسط. فالتحالف العضوي والاستراتيجي بين الولايات المتحدة و”إسرائيل،يجعل من واشنطن ملتزمة ببناء هيكلٍ إقليميٍّ لتعميق علاقات التطبيع بين “إسرائيل” والسعودية.

وتماشياً مع العلاقة الأمنية الطويلة الأمد بين الولايات المتحدة وإسرائيل والالتزام الأمريكي الراسخ بأمن “إسرائيل”، تحافظ إدارة بايدن على تفوق “إسرائيل” العسكري النوعي، وعلى قدرة تها على ردع أعدائها وتعزيزها والدفاع عن نفسها ضد أي تهديد أو مجموعة من التهديدات. 

تؤكد الولايات المتحدة مجدَّدًا أنَّ هذه الالتزامات مقدسة من الحزبين الديمقراطي و الجمهوري ، وأنها ليست التزامات أخلاقية فحسب، بل أيضًا التزامات استراتيجية ذات أهمية حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة نفسها. كما تؤكد الولايات المتحدة أيضًا أنَّ جزءًا لا يتجزأ من هذا التعهد هو الالتزام بعدم السماح لإيران مطلقًا بامتلاك سلاح نووي، وأنَّها مستعدةٌ لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة،ومواجهة ما تسميه “التهديد”الإيراني والأنشطة المزعزعة للاستقرار، سواء كانت مدفوعة بشكلٍ مباشرٍ أو من خلال فصائل محور المقاومة الإسلامية في العراق ، وحزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، والحوثيين في اليمن.

تشير الولايات المتحدة و”إسرائيل” إلى أنَّه لا يوجد شيء أفضل عبرالحرب الإسرائيلية الغربية في غزّة ، من تحقيق بناء نظام الشرق الأوسط الأمريكي الأطلسي بقيادة الكيان الصهيوني ،ومنع الدول العربية من الاعتقاد بانهيار الردع الإسرائيلي، واستعادة حرِّيتها في إقامة علاقات دولية متنوعة مع روسيا و الصين وجنوب أفريقيا ، وبالتالي، إجبارها على الاصطفاف القوي حسب أهداف المخطط الأمريكي-الصهيوني ، ثم أخيراً تصفية القضية الفلسطينية بما يتوافق مع مصالح “إسرائيل” وأهدافها التوسعية الاستيطانية الإحلالية والانتهاء منها مرّة واحدة وإلى الأبد. ولذا تبرهن هذه الترتيبات بالكلام والفعل أنَّ الولايات المتحدة تعتبر أنَّ أمنَ “إسرائيل” ضروريٌّ لمصالح الولايات المتحدة وركيزة للاستقرار الإقليمي.

مجلة البلاد اللبنانية: تصدر أسبوعيًا عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان، العدد رقم 427،تاريخ الجمعة 16فبراير 2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *