الطاهر بلخوجة أشهر وزراء داخلية تونس في حوار سياسي وتاريخي

الطاهر بلخوجة يرد على قائد السبسي : ما بالطبع لا يتغير

 

 

حاوره الإعلامي والأكاديمي كمال بن يونس

موقع عربي 21

 

 

السياسي المخضرم الطاهر بلخوجة أبرز وزراء الداخلية والإعلام والفلاحة في عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة.. كما خاض تجارب دولية في عالمي السياسة والأعمال، وهو يتابع عن كثب وهو في الـ 92 من عمره المستجدات في تونس وفي المنطقة..

قابلته في بيته بموطنه في مدينة المهدية السياحية الساحلية، 220 كلم جنوبي العاصمة تونس، فكان هذا الحوار الخاص معه لـ “عربي21” حول رؤيته للأزمات الحالية التي تمر بها تونس ودول المنطقة وفرص الخروج منها..

كما شمل الحوار صفحات خفية من كواليس السياسة في عهد بورقيبة وبن علي وبعد ثورة 2011.. بما في ذلك العلاقات بين السلطات ومعارضيها في تونس والجزائر وليبيا والمنظمات الفلسطينية.. وبعض خفايا الحركات والمجموعات السياسية اليسارية والقومية السرية وشباب المجموعات التي عارضت الدولة من خلال الانتماء إلى تنظيمات مسلحة و”ثورية” في السبعنيات والثمانينات من القرن الماضي.. أو المشاركة في “كومندوس” الهجوم على مدينة قفصة الحدودية التونسية الجزائرية في يناير 1980 بدعم من أنظمة عربية وتنظيمات فلسطينية ولبنانية مسلحة..


وزير الداخلية التونسي الأسبق الطاهر بلخوجة يتحدث للزميل كمال بن يونس

 

 

وهذا نص الحوار:

س ـ كيف تنظر إلى تونس والمنطقة العربية اليوم في ظل تراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية؟

ـ (يبتسم ويعرض علي كتابا جديدا أصدره عن الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة ويعلق مبتسما بهدوئه المعتاد قائلا): السياسي الناجع لا يخاف الأزمات.. فكل الأزمات لديها حلول عبر الحوار الوطني والتحرك السياسي الرصين الذي يعطي الأولوية لقضايا المستقبل ومشاغل الشباب وليس لخلافات الماضي والتناقضات الثانوية بين الفرقاء والجيران وأبناء الشعب الواحد..

رغم بلوغي الـ 92 من عمري أبقى متفائلا وأعتقد أن الإعلاميين والمثقفين والسياسيين النزهاء يمكن أن يخرجوا بلادي وكل المنطقة من أزماتها عبر الحوار الوطني والمصالحة الوطنية..

أؤكد على هذا التقييم بعد مسيرتي الطويلة التي خضت فيها تجارب كثيرة في المجتمع المدني، بينها رئاسة اتحاد الطلبة التونسيين ثم تحمل مسؤوليات في الحكم وخارجه..

عاشرت عن قرب أجيالا من المسؤولين في الدولة والمعارضين والمستقلين وعددا كبيرا من الشخصيات التي ساهمت في تأسيس الدول العربية وأثرت في مسارها مثل الزعيم الحبيب بورقيبة ورفاقه والرئيسين الجزائريين الشاذلي بن جديد وعبد العزيز بوتفليقة وفريقيهما أو الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي ومستشاريه فضلا عن الشخصيات الأوروبية..

لكل هذا لست ممن يعتقدون أن أزمات تونس الحالية بكل تعقيداتها، أو أزمات بقية دول المنطقة، أصبحت خطيرة جدا ويصعب حلها..

على العكس من ذلك أعتقد أن الخروج من الأزمة سهل إذا صدقت النوايا وعمل صناع القرار كل من موقعه على إعادة ترتيب الأولويات.. بهدف الاهتمام أولا بمشاغل الجيل الجديد والشباب والأطفال.. مع دعم خيار الحوار والمصالحة الوطنية وتجنب السيناريوهات التي تؤدي إلى السقوط في مستنقع تصفية الحسابات والثأر والانتقام..

كل الأزمات لديها حلول وتعالج عبر الحوار والتوافق حول أولويات المستقبل وعقلية إعادة البناء وتكريس المصالحة الوطنية الشاملة..

 

بورقيبة والقذافي وبومدين وبن جديد وبوتفليقة

 

س ـ عرفت عن قرب الزعيم الحبيب بورقيبة منذ كنت رئيسا لاتحاد الطلبة أواخر الخمسينات ثم خلال عقود، لا سيما عندما كنت وزيرا مثيرا للجدل للداخلية في عهد حكومة الهادي نويرة في السبعينات ثم وزيرا للإعلام في عهد حكومة محمد مزالي في الثمانينات.. وفي عهدهما عرفت عن قرب عددا من الملوك والرؤساء بينهم بن جديد وبوتفليقة والقذافي.. كيف تقارن تعاملهم مع الأزمات وما تشهده المنطقة حاليا من قضايا؟

ـ طبعا شاركت من خلال المسؤوليات التي تحملتها في الدولة وخارجها في أحداث مهمة جدا بعضها وطني وبعضها دولي..

(يفكر ويبستم ويتابع بهدوئه المعتاد قائلا): لن أتوقف اليوم مطولا عند محادثات الكواليس التي عشتها بين الرؤساء بورقيبة وهواري بومدين والشاذلي بن جديد والقذافي والمقربين منه أو مع غيرهم..

الأهم بالنسبة لي اليوم أن “البراغماتية” كانت تنتصر في الغالب وتؤدي إلى احتواء الأزمات والخلافات بين الدولة التونسية والشقيقتين الجزائر وليبيا وبقية العواصم العربية والأجنبية.. بما في ذلك بعد هجوم مجموعات مسلحة معارضة على تونس في 1980 وقبل ذلك وبعده..

تواصل القادة والوزراء والمسؤولون الكبار ونجحوا في محاصرة الأزمات عن طريق الحوار وتبادل رسائل التطمينات..

لذلك لم يغادر الرئيس بورقيبة قصره المتواضع في واحة نفطة الحدودية التونسية الجزائرية الذي لم يكن يبعد كثيرا عن ساحة الأحداث الدامية في قفصة في يناير 1980..

وبعد ذلك تعددت لقاءاته مع الرئيس الجزائري بن جديد ومع العقيد القذافي بحضور كبار المسؤولين في البلدان الثلاثة.. مثلما وقع احتواء كل الأزمات التي وقعت في السبعينات والثمانينات بين تونس وكل من الجزائر وليبيا..

الحل كان الرهان على الحوار والطرق السلمية لحسم الخلافات “العابر ة”.. رغم خطورة بعضها أمنيا وقتها..

واليوم هناك فرص أكبر لحسم كل الخلافات وتحسين العلاقات عبر الحوار والديبلوماسية العقلانية والرصينة..

 

المعارضات السرية والمسلحة

 

س ـ لكن قيادات في السلطات الليبية والجزائرية ومنظمات فلسطينية ولبنانية وعربية اتهمت وقتها رسميا من قبل محاكم تونسية بتدريب مئات المقاتلين المعارضين “اليساريين” و”العروبيين” في لبنان وليبيا وتسليحهم وإرسالهم مرارا إلى تونس لشن هجمات ومحاولة تغيير نظام الحكم بقوة السلاح.. بما في ذلك بمناسبة هجوم يناير 1980 على محافظة قفصة التي أوردت المحاكم انخراط الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومنظمة أبو نضال وناجي العلوش وقيادات طرابلس والجزائر فيها؟

ـ  أعتقد أنه لا بد من تنسيب الأمور.. الأمر كان يتعلق أساسا بأشخاص وبحالات خاصة وبشباب كان بعضهم سافر من تونس إلى دول شقيقة أو إلى أوروبا بحثا عن مورد رزق وعن شغل يضمن كرامته وكرامة عائلته فوقع الزج به في مجموعات محدودة العدد.. بعضها تورط في العنف وفي مجموعات أيديولوجية شبابية صغيرة جدا…

والأهم هو نجاح قوات الأمن ومؤسسات الدولة في تجاوز كل الأزمات الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي مرت بها عبر الحوار وتطوير أداء موظفيها ورجالاتها ووسائل الإعلام والتثقيف ودعم موازنات التربية والتعليم والصحة العمومية..

لقد حضرت جلسات خاصة بين الرئيس بورقيبة ورجالات من دولة تونس مع رؤساء الجزائر وليبيا والعالم بحضور مسؤولين كبار من عدة دول.. وكانت الكلمة الأخيرة الانتصار لخيار العقلانية والواقعية ودعم فرص الحوار والمصالحة والتفكير في آليات بناء مستقبل أفضل..

 

أولويات المرحلة القادمة

 

 س ـ عملت مع بورقيبة منذ 1954 مع فريق من الشباب بينهم محمد المصمودي الذي عين لاحقا رئيسا للديبلوماسية.. وأشرفت على قطاع الأمن حوالي 10 أعوام بينها 6 أعوام وزيرا للداخلية.. فيما اتهمكم معارضوكم بقمع المعارضين والمظاهرات الشبابية والاجتماعية بعنف..

ـ المعارضون تعاملنا معهم “حالة بحالة “.. وكذلك بالنسبة للاضطرابات الاجتماعية والشبابية.. ولم تكن لدينا قوات أمن قوية فحاولنا تطوير جهاز الأمن ليلعب أساسا دور “الأمن الوقائي” و”الفصل بين المنحرفين والمجرمين مع تجنب المواجهة”.. لأن سياسات تونس في عهد بورقيبة كانت تعطي الأولوية للأولويات الاجتماعية والشعبية وليس للاستثمار في قطاعي الأمن والدفاع.. خلافا لدول أخرى..

وقد تواصلت بعد خروجي من الحكم علاقاتي بعدد من رجالات الدولة والمجتمع ورموز المعارضة والمجتمع المدني في تونس والمنطقة.. وكانت لدي علاقات مميزة مع السياسي الكبير الراحل محمد المصمودي وصديقه عبد العزيز بوتفليقة الذي كنا نلتقيه خارج الجزائر خلال “العشرية الحمر اء” في التسعينات.. وكنا نسأله: لماذا لا تقبل أن تكون رئيسا للجزائر؟ وكان يعلمنا أنه أخبر صناع القرار في بلاده أنه سيقبل عندما يقبلون بشرطه الرئيسي وهو الإعلان عن مصالحة وطنية شاملة ووقف حمام الدم الذي تسبب في سقوط حوالي مائتي ألف قتيل وعشرات آلاف المفقودين..

وبالفعل ترشح بوتفليقة للرئاسة في 1999 وقاد مسارا ناجحا للمصالحة الوطنية وحقن الدماء وإعادة البناء..

ولا بد من الاستفادة من تلك التجربة مع إعطاء الأولوية لقضايا المستقبل ولمشاغل الشباب ومشاكله التي تسببت في انتفاضات واضطرابات طوال العقدين الماضيين وبينها البطالة وتهميش الجهات الداخلية والأحياء الشعبية وتدهور القدرة الشرائية للطبقة الوسطى..

كما يحتاج الشباب والجيل الجديد إلى من يسمعه ويتحاور معه حول أفكاره وطموحاته.. لأن الشباب فرصة للبلد ونقطة قوة مهمة فيه وليس معضلة أو عبئا.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *