الشباب و التغيير

مغرب نيوز – محمد علي العقربي
في الكتاب المقدّس تم التنصيص بوضوح على أن أعظم الرسائل و المشاريع الحضارية الكبرى في تاريخ الإنسانية قد ألقيت في أحضان الشباب و على رأسها الرسالة المحمدية نفسها “آمن به أحداث القوم” و “الأحداث” في هذا السياق هم شباب القوم من الذين لم تصبهم لوثة الجاهلية أو ما كان عليه محيطهم الإجتماعي الذي نشؤوا فيه فمجال التنشئة و النشأة في واقع الحال من ضمن أبرز و أهم محددات بناء المستقبل.
من هذا المنطلق و من زاوية ديمغرافية أوضح مفادها أن كتلة الشباب هي الأكبر في مجتمعاتنا المشرقية و أن أكبر أزمة تعترض المجتمعات الغربية تتعلّق بكونها مجتمعات متهرّمة و مترهّلة، يطرح موضوع موقع و مكانة الشباب لا فقط على إعتبارها الفئة أو الكتلة المجتمعية الأكثر ديناميكية و حركية، بل لكونها الكتلة الحيوية الحاملة دائما للواء التغيير و الإصلاح أو حتى التمرد و الثورة فهي في لحظة ما يسمى “البحث عن الذات”.
6 بالمائة فقط من الشباب قبل التنظم سياسيا أو مدنيا في تونس في السنوات الأخيرة ،و هي نسبة قد تكون أقل بقليل من نسبة الشباب الذي تحتضنه السجون في قضايا تتعلق بالجريمة أو بالمخدرات أو النسبة التي إلتحقت ببؤر التوتر لتكون حطبا لمعارك الجماعات الجهادية المتطرفة، هذا التقييم كفيل وحده بطرح سؤال موقع الشباب و أسباب إستبعاده من المشهد و خلفيات ذلك.
سؤال الفاعلية: لا يوجد وجه واحد من الفاعلين السياسيين و الإجتماعيين و الإعلاميين و الإقتصاديين في المشهد التونسي لا يتحدث عن أهمية الشباب و عن دورهم في البناء و الإصلاح و في التأسيس للمستقبل و لا أحد من ضمنهم يملك رؤية واضحة خارجة عن سياق التوظيف و التدجين و الهيمنة و تغييب سؤال الفاعلية عن المخيال العام للشباب أو إختزاله في بعض الأنشطة التي لا تصب سوى في حسابات الكهول و القيادات المترهلة.
يُحمل على فئة الشباب أنها الفئة الأكثر تذبذبا في خياراتها و هذه الملاحظة من بين أهم المداخل التي يعتمدها “شيوخ المشهد” لجعل الشباب صفا ثانيا، رغم وجودهم دائما في مقدمات الخطاب المنطوق ليتحول السؤال في هذا الحال، كيف يمكن أن يكون الشباب فاعلا و يكتسب الخبرة و المعرفة دون أن يتم تحميله المسولية أو جزءا منها على الأقل أو حتى تدريبه على ذلك؟
في الواقع، سؤال الفاعلية يظل مطروحا خارج سياق الإهتمام الجاد فالمخلوع بن علي كان يستحضر الشباب في كل خطاباته تقريبا و لكن لتنميق نظامه و لوضعهم تحت هيمنة إستراتيجيته عبر مناشط تبعدهم عن الفاعلية و تبقيهم في وضع “الإستهلاك” و التبعية على غرار ما كان يحدث في جمعية “فرحة شباب تونس ” و “طلبة التجمع ” المنحل.
سؤال النشأة و الحيوية من الثابت أن الشباب التونسي كان و لا يزال في جزء كبير منه ضحية لسياسات عقود من التهميش و الإستبداد و عدم التنشئة السليمة و لكنه من الغريب أن يتحدث كثير من صانعي السياسات عن هذه الفئة المجتمعية و العمرية دونما تركيز فعلي و إستراتيجي على إصلاح و تثوير السياسات التي تجعل من الفرد فاعلا في مجتمعه و المقصود في هذا السياق الإصلاح التعليمي و الثقافي و الإعلامي و الإداري و غيره.
حتمية التاريخ ستفرض على النخب المتواجدة في المشهد الحالي أن تغادر تاركة أجيالا من الشباب أمام حتمية تغيير واقعهم بأنفسهم و هنا سيطرح بقوة موضوع مدى قابلية و قدرة هؤلاء على أن يكونوا فاعلين و مدركين لمهماتهم الكبرى و حينها سيكون من “المهزلة” بمكان أن تعاد كرة تحميل مسؤولية الوضع للجيل الحالي الذي لم يشتغل بإستراتيجية واضحة على المستقبل و حاملي ألويته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *