السعودية.. ايران.. والصراع السياسي والاعلامي في سورية بقلم سيف الدين ونوس

لم تكن تشكل السعودية في الوعي الجمعي لمعظم السوريين قبل اندلاع الحرب في بلادهم سوى مقصداً مهماً لجمع المال، ثم العودة إلى الوطن، وبناء مشروع صغير ، أوربما شراء عقار للزواج، فالمعروف أن رؤوس الأموال الضخمة في البلاد يمتلكها ويديرها نخبة النخبة ممن حصلوا على شهادة تقدير قدمتها السلطات الأمنية والرسمية.

في المقابل ،كان السوري ينظر إلى السعودي أو الخليجي بشكل عام وإلى بلاده على أنها رغم تقدمها المعماري، وغناها بالموارد النفطية والعمالة الغربية ، ومااستطاعت تحقيقيه ُمن نهضةٍ اقتصاديةٍ هي بلدان متخلفة، تبني أجيالها بخبراتٍ غربيةٍ وعربيةٍ،وتفتقر إلى العمق الحضاري والتاريخي،وبالتالي فإن ديمومتها شبه مستحيلة

ولم ينجح فكر البعث طوال عقودٍ من الحكم في إقناع السوري أن شقيقه السعودي يشاركه الآمال والآلام والتاريخ المشترك، فأهل الشام ونقصد بالشام سوريا وامتدادها الطبيعي – فلسطين الاردن لبنان- لديهم قناعةٌضمنيه بأنهم مختلفون كل الاختلاف حتى عن باقي شعوب المنطقة.

إيران في المقابل، لم تكن تعني للسوريين أكثر من بلدٍ صديقٍ عانى كماعانت بلادهم من حصارٍ وعقوباتٍ غربيةٍ، وهو على الرغم من أيديولوجيته الدينية التي قد لاتناسب كثيرين، إلا أنه يخطو بثبات نحو التقدمِ والتفوقِ العلمي والعسكري، ويكفي أنه مناصرٌ لقضية ِالعرب المركزية القضية الفلسطينية،كما أنه وسوريا الداعمان الرئيسيان لحركات المقاومة في المنطقة على اختلاف انتمائاتها، وبالتالي فالنظرة إلى إيران كانت أكثر احتراماً لدى السوري من نظرته لشقيقه السعودي الذي كان يقصد بلدان عدة ومن بينها سوريا بغرض السياحة الجنسية.

مع استعار نار الحرب السورية، وانكشاف دورِ كل ٍمن السعودية وقطر إعلامياً ومالياً وعسكرياً على الأرض، أيقن السوري أن السياسة ونجاعتها، لاعلاقة لها بالوجدانيات والقناعات الضمنية، فالسعودية المهمشة سياسياً على الساحة الدولية بنظر السوري سابقاً، تعتبر اليوم لاعباً مهماً على الأرض، حالها كحال قطر التي لاتتجاوز مساحتها مساحة محافظة سورية واحدة، ومن كان بالأمس شقيقاً تحول إلى عدو حقيقي ينبغي تعريته، وإعادة  ترتيب صورته الذهنية في عقول الناس بما يتوافق وضرورات الحرب وهو ماأدخل الإعلام السوري حالة الانفصام في بعض المراحل.

السعودية  التي لاشك أنها دخلت العمق السوري بالاعتماد على ثقلها الإسلامي، واستمالتها لمناطق وأحياء معروفة بانتمائها المذهبي للملكة، استطاعت من خلال آلتها الإعلامية وبدعم من حلفائها تحويل الصراعوجرّه إلى أخطر حلقاته – الحرب المذهبية والطائفيه– مستفيدةًمن وقوف إيران إلى جانب الدولة السورية ، وهو باختصار العنوان العريض لحرب الوكالة التي تدار اليوم على الأرض السورية،ومنه تتشعب باقي العناوين الفرعية للحرب التي دخلت عامها الخامس والخاسر الوحيد فيها هم السوريون.

مع بداية العام الحالي اشتد الصراع السعودي الإيراني، واتخذ شكلاً مخيفاً بعد اعدام السلطات السعودية لرجل الدين المعارض نمر النمر، مايعني تصعيداً في المواجهه بين الطرفين لكن في ساحات الحرب التقليدي- سوريا واليمن- ومن هنا يدرك السوريون اليوم أنهم بين فكي كماشة الصراع الإيراني السعودي،ومن خلفه الصراع العربي الإسرائيلي ،الذي تشكل فيه سوريا قاعدة المواجهه الأولى والاخيره.

وهنا يميل كثيرون إلى الابتعاد عن ملامسة الواقع خوفاً، والحديث بجدية عن حقيقة هذا الصراع، مكتفين بنظرية الحرب على سوريا ومحور المقاومة من أجل تصفيته، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية، غير مدركين أن هذه الأحاديث باتت حقيقة راسخة، حتى في عقول كثيرين ممن كانوا قبل سنوات أشد الأعداء لسوريا وجيشها.

في الحقيقة تجاوز السوريون مسألة السعي لتدمير دولتهم، وبنيتهم التحتية، ومؤسساتهم، تجاوزوا مسألة الحرب الكونية ضد مقاومتهم للعدو الصهيوني، ودفاعهم عن قضايا العرب المحقة، تجاوزوا مسألة الصراع بين معارضة ونظام، هم اليوم أمام ماهو أخطر، هم أمام حربٍ عالمية لكسر الإرادات، إرادات دول عظمى كروسيا والولايات المتحدة، ورغبات دول أقل وزناً كانوا ينظرون إليها بالأمس على أنها عاجزة متخلفة.

الواقع الجديد الذي وصلت إليه الحرب السورية كان ضرورياً بعد فشل السعودية ومن خلفها واشنطن والغرب في إسقاط النظام المعادي لمصالحهم، رغم تحويلهم البلاد إلى خزان للجهاديين والتكفيريين ومسرح حرب للقاعدة بكل تشكيلاتها، فالصراع المذهبي بحسب خبرة واشنطن يتسم بالديمومه، والقدرة على استقطاب المزيد من المرتزقة إلى المنطقة، والأهم من هذا كله سيعيد هذا الصراع إن كتب له الاستمرار تقسيم المنطقة بشكل ذاتي دون الحاجة إلى سايكس وبيكو.

حتى هذه اللحظة تتعامل طهران مع ماخطط بهدوء على عكس الرياض ،كما أن روسيا التي أطلقت رصاصة الرحمة على معارضة السعودية المسلحة في سوريا بإعلانها جيش الاسلام تنظيماً إرهابياً، تحاول الوساطة قبل مفاوضات جنيف المرتقبة بخصوص سوريا، وهو مالن ينجح بالتأكيد، فالروس رغم تعاظم دورهم على الساحة الدولية بفعل سياساتهم الحاسمة في سوريا وأوكرانيا،هم في ميزان واحد مع إيران بنظر الرياض، الأمر الذي يجعل الحديث عن تطبيق خطة فيينا للانتقال السياسي في سوريا حديثاً مؤجلاً رغم تطمينات المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان ديميستورا.

في المحصلةلم تعد السعودية ودول الخليج الأخرى تلك الدول التي ينظر إليها اليوم بعين الاستخفاف، رغم تبعيتها للغرب، وارتهان سياساتها لمشاريع استعمارية قديمة ومتجدده، يكفي أن ندرك أن دول الخليج تسيطر اليوم على منظومات إعلامية ضخمة ومؤثرة في العالم، والرياض تخوض حرباً ضد اليمنبطائرات متطورة وليس بمنجنيق وسيوف، كما أنهاتدير حرباً بالوكالة في سوريا منذ سنوات صرفت لها من الأموال ماكان كافياً لتحرير فلسطين والجولان، وإشباع أطفال إفريقيا والعالم

وطالما أن الصراع الذي أرادته السعودية مع إيران يتجه اليوم نحو المجهول، وينعكس سلباً على ماتم انجازه في جنيف وفيينا بالنسبة للسوريين الذين تفائلوا بداية العام ،لابد لنا جميعاً في هذه المنطقة المنكوبة والمنحوسة والمليئة بالأحقاد والصراعات، لابد لنا من الدعاء والتضرع ورفع الصوت عالياً لعلّ الإرادات الخيرة تنتصرعلى تلك الإرادات الشريرة التي لم تشبع بعد من دماء السوريين واليمنيين والفلسطينيين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وانتمائاتهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *