الزردة: مناسبة للترفيه في ظل غياب المهرجانات الصيفية في بعض المناطق الداخلية

الزردة هي مهرجان كرنفالي يقام في عديد المناطق الدَاخليَة  و أغلبها تقام في فصل الصيف و تمتد  لثلاثة أيام و احيانا لاسبوع, يكون فيها سوق يجتمع فيه التجار لبيع مختلف ما جادت به صنائعهم خصوصا من الحلي و الالبسة التقليدية, تكون هناك عروض للالعاب التقليدية مثل المبارزة و الرمي و سباقات الخيول …

في الحاضر  تعدَ مناسبة للَقاءات  و الترفيه و التعريف بالطابع الثقافي و الحضاري و التراثي  لكل منطقة..

تتميّز الزّردة بعدّة طقوس مقدّسة، وهي عبارة على عادات وتقاليد ترسّخت عند التّحضير للاحتفال بها.

وقد ارتبطت الزّردة بالزّوايا والطّرق الصّوفيّة التي كانت منتشرةً في أغلب المناطق التّونسيّة، ممّا يبيّن الدّورَ الأساسيّ لهذه الطّرق في تدعيم الزّردة، وذلك من أجل استقطابٍ أكثر للمنتمين أو لجمع الأموال والهدايا التي كانت تقدَّم خلال الزّيارات إلى الزّوايا.

ومن أهمّ العادات التي مازالت حاضرةً إلى اليوم إعدادُ الأطعمة؛ حيث تقوم العائلات المحتفلة بإحضار كلّ مستلزمات الطّبخ ونصب الخيام بالقرب من الوليّ الصّالح وإحضار خروف أو ماعز لذبحه (وهو عبارة عن قربان يتبرّك به). وعندها ” تجتمع النّساءُ والصّبايا والفتيان وحتّى الرجال الأشدّاء في زاوية أو هيكل يذبحون ما تأتّى ويأكلون لحمًا على أنغام طبل وناي”.

ضمن هذا الإطار، لم يعد ذبحُ القربان أو أكله مظهراً من مظاهر الاحتفال وإنّما أصبح طقسًا دينيًا مقدّسًا لابدّ من القيام به في كلّ زردة. فـ” القرابينُ التي أضحت طعامًا مشترَكًا، تعمل أيضًا على إبعاد الشرّ، وهذا الفعل هو وليد منظومة عقائديّة أكثر منها دينيّة”.

من العادات التي نجدها أيضًا في احتفال الزّردة، ولا تقلّ قداسةً عمّا ذكرنا سابقًا الزّياراتُ وما يرافقها من طقوس. فعند الإعلان عن بدء زيارة زاوية الوليّ الصّالح، تقوم النّسوةُ بالاصطفاف أمام الزّاوية وقبل دخولهنّ تردّدن الزّغاريدَ، ويُعتبر ذلك نوعًا من التّحيّة للوليّ. بعد دخولهنّ، تقمْن بإشعال البخور. وهناك من النّساء من تغنّي بأناشيد صوفيّة عادة ما يكون فحواها ذكرَ الرّسول وكرامات الوليّ الصّالح. في الأثناء تقوم بتقديم بعض من المال إلى شيخ الزّاوية أو تضعه فوق تابوت الوليّ وعند مغادرتها تحمل قليلاً من البخور وتقوم بشرب قليل من الماء الموجود في “جرّة أو قلّة” داخل الزّاوية.  ويُعتقد، من خلال هذه الحركة، كسبُ كرامة ورضا الوليّ الصّالح. وهنالك أيضًا من النّساء من تقوم بأخذ قليل من القُماش الموجود فوق التّابوت وشراء الحلوى التي تُباع عادة أمام الزّاوية.

·  أهم عروض الفرجة للزردة:

من أبرز المظاهر التي نجدها في ” الزّردة ” الخرجة وهي “عبارة عن طائفة من إخوان أحد المشايخ كالعيساويّة مثلاً، فإنّك تراهم في كلّ عام آخر المصيف يخرجون لزيارة الشّيخ سيدي أبي سعيد  الباجي*في موكب عظيم ناشرين مئات من الأعلام المذهّبة”. في الأثناء، يقوم الأطفال الصّغار بتوزيع الماء على الحاضرين، وعادةً ما يتصدّر الخرجة شيخُ الزّاوية الذي يقوم بتنظيم الصّفّ ويكون في المقدّمة.

ما يميّز احتفالات الزّردة أيضا عروضُ الفروسيّة التي لا تقام إلاّ بالقرب من زاوية الوليّ الصّالح بحضور المتفرّجين. كذلك فَقرةُ الحضرة التي تقام بعد المساء أي بعد انتهاء عروض الفروسيّة وحلول الليل. عند الإعلان عن بداية الحضرة، يقوم بعضُ المنتمين بتحضير الألعاب الناريّة وأوراق التّين الشّوكيّ (الضّلف)، وعند انطلاق العرض يقوم المنتمون بالرّقص على أنغام الموسيقى المقدّمة (الموسيقى عادة ما تكون أذكارًا وأشعارًا في مدح الرّسول وذكر مناقب شيخ طريقة الزّاوية وفضائله)، ثمّ يبدأ الرّاقصون بالتّخمّر مع ارتفاع أنغام الموسيقى ونسقها.

إنّ العروض الفرجويّة للزّردة تتميّز بجانبها القدسيّ الذي ظهر جليًّا خلال الألعاب الشّعبيّة (الفروسيّة) التي لا تقام إلاّ بالقرب من الزّاوية، وكذلك الحضرة وما ينتج عنها من نواميسَ لا تخلو من جانب روحيّ. وتعدّدُ طقوس الزّردة يحيلنا على الأفكار الصّوفيّة التي كانت سائدةً وهي ترمي  إلى إعطاء الوليّ الصّالح مكانةً هامّة تصل إلى حدّ التّمجيد والتّقديس.

 

الهادي جدلي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *