الرقص بين الذئاب.. و«الاستثناء التونسي»

من بين أشهر الأفلام الأمريكية التي لقيت صدى دوليا منذ عام 1990 شريط «الرقص مع الذئاب».. الذي ترجم إلى لغات عديدة وحصل على جوائز بالجملة من كبرى مهرجانات السينما والثقافة عالميا..
عنوان هذا الشريط ـ الذي انطلق من قصة مثيرة وقعت صياغاتها عام 1988 يذكر بواقع الساسة والسياسيين في تونس والدول العربية منذ الحروب التي وقع تفجيرها في المنطقة قبل 30 عاما من قبل لوبيات مقربة من «المحافظين الجدد» في الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف إعادة رسم حدود الدول العربية والإسلامية وإعادة توزيع ثرواتها وخيراتها وموازين القوى فيها.

ولئن كسب «المحافظون الجدد» في الولايات المتحدة وحلفاؤهم معركة الإطاحة بالمعسكر الاشتراكي وأطاحوا بـ»جدار برلين» في 1989، فان الوطن العربي الإسلامي الكبير لم يسقط بالرغم من تعاقب حروب الاستنزاف  للطاقات  من الخليج إلى المحيط .
كانت حصيلة حروب «المحافظين الجدد» في أوروبا الشرقية تأسيس دول ديمقراطية ومتقدمة، لكن الحصيلة كانت في الدول العربية والإسلامية أن وقع تحويلها إلى ساحة لصراع «الذئاب» ومختلف الحيوانات المفترسة.
رغم هذا المناخ تتعاقب جهود الإصلاح وإعادة البناء التي تدعمها إرادة الشعوب في التغيير والتنمية والديمقراطية مع التمسك بالثوابت الوطنية والخصوصيات الثقافية.
وتحتل تونس والمجتمعات والنخب التقدمية والديمقراطية والوطنية في دول شمال إفريقيا مرتبة متقدمة ضمن مسار الشعوب التي تسعى لتكريس إرادتها وفرض خيار التحرر الوطني والاجتماعي والثقافي والانتصار على منظومات الفساد والاستبداد .
وبالرغم من الانتكاسات الكبيرة في مسار التغيير والانتقال الديمقراطي السلمي في «الشرق الأوسط الكبير» ـ من أفغانستان والباكستان إلى الدول المغاربية ـ فان مؤشرات عديدة تؤكد أن تلك الانتكاسات «ظرفية» ووقتية، وأنه يحق للمؤمنين بالتغيير والإصلاح التفاؤل بفرص الانجاز على المدى المتوسط والبعيد.. وإن كان الطريق شائكا على المدى القصير..
في هذا السياق العام يمكن فهم ضرورة الرهان على متابعة «الرقص بين الذئاب» ـ وليس معها ـ التي ينتهجها كبار السياسيين في تونس الذين لا يزالون يؤمنون بإنقاذ البلاد وبالمضي في الخيار الديمقراطي رغم التحديات الأمنية والاقتصادية والثقافية التي تواجه البلاد ومحيطها الإقليمي .
ودون مبالغة يمكن الرهان جزئيا على الأحزاب التسعة والمنظمات النقابية والاجتماعية التي وقعت وثيقة قرطاج قبل 6 أسابيع.. والتي صوتت عمليا لفائدة الحكومة التاسعة بعد الثورة وسمتها «حكومة وحدة وطنية».
لكن هذا الرهان ليس مشروطا..
إن النجاح في تشكيل حكومة «توافق وطني» جديدة كرست مصالحة بين الدستوريين واليساريين والإسلاميين والليبراليين والقوميين مهم جدا، لكنه سوف يبقى نجاحا منقوصا ومحدود الأثر، إذا لم تكسب النخب السياسية معركة «الرقص بين الذئاب».. وإذا لم تمض دون تردد في مسار واضح للإنصاف والمصالحة الوطنية الشاملة..
إن الذئاب تترصد فرصة جديدة لتجهز على «الاستثناء التونسي» وتغلق نهائيا صفحة الدعوات عالميا إلى دعم مسارات الإصلاح والتغيير السلمية التي انطلقت من تونس مطلع 2011.. لكنها تتعثر لأسباب آنية وأخرى إستراتيجية كثيرة من بينها حسابات ومخططات تهم مستقبل كامل المنطقة وعمقها الاستراتيجي..
فمزيدا من اليقظة يا ساسة البلاد ونخبه.. وحذار من الوقوع في فخ «الرقص مع الذئاب» عوض كسب معركة الصراع معها عبر «الرقص» بعيدا عنها..
في تلك الحالة سوف ينتصر «الاستثناء التونسي» وسيعمم ليفند المقولات الاستعمارية والعنصرية عن «الاستثناء العربي» و»الاستثناء الإسلامي»..

كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı