الدولة الموازية في تونس تعبد الطريق لمخطط مارشال؟ .. بقلم جنات بن عبد الله

أثار النداء الذي بادرت به مجموعة من الشخصيات الاقتصادية التونسية والفرنسية والذي سيعطي إشارة اطلاقه الخميس المقبل 15 سبتمبر 2016 بباريس الوزير الأول الفرنسي السابق جان بيار رافاران ورئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، أثار تساؤلات عديدة بخصوص مدى احترام هذه المبادرة لتطلعات الشعب التونسي خاصة في مجال الاستثمار الأجنبي والقروض الأجنبية من جهة، ومدى احترامها لرزنامة عمل حكومة الوحدة الوطنية التي انخرطت في استكمال الاعداد للمؤتمر الدولي للاستثمار الذي ستحتضنه تونس في شهر نوفمبر المقبل لتعبئة الدعم المالي لتنفيذ المخطط الخماسي للتنمية 2016 – 2020 من جهة أخرى.
الملفت للانتباه أن هذا النداء تزامن مع دعوة البرلمان الأوروبي وبالتحديد مجموعة من البرلمانيين الأوروبيين بلجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي الى وضع مخطط مارشال لتعزيز الانتقال الديمقراطي في تونس ومساعدة الاقتصاد الوطني وذلك في اجتماع بتاريخ 12 جويلية الماضي خصص للمصادقة على تقرير حول العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتونس.
الملفت للانتباه أيضا في هذا المستوى هذا التناغم بين ما يحدده البرلمان الأوروبي لتونس في المجال الاقتصادي ورجع صداه لدى مجموعة من الشخصيات الاقتصادية التونسية الوفية والجاهزة دائما لتنفيذ ما تخطط له الجهات الخارجية. فقد ظهرت هذه المجموعة لأول مرة في حكومة السبسي وتحركت بمناسبة قمة مجموعة الدول السبعة المنعقدة في ماي 2011 بدوفيل حيث بادرت فرنسا بإطلاق مبادرة “الشراكة من أجل الديمقراطية” ووعدت مجموعة السبعة آنذاك الشعب التونسي وفي ذلك الإطار بوقوف المجتمع الدولي الى جانب تونس من خلال تقديم الدعم المالي الذي سرعان ما تبخر قبل الوصول الى الحدود ويدخل الاقتصاد التونسي في دوامة الركود.
واليوم تخرج هذه المجموعة من الشخصيات الاقتصادية التونسية من قرطاج لتتحرك في باريس وهذه المرة بالشراكة مع وزير فرنسي سابق ورئيسة منظمة الأعراف التي أخفقت في دفع منخرطيها الى الاستثمار في بلادهم لتستجدي المستثمر الأجنبي للانتصاب في تونس. الملفت للانتباه أيضا السبق الذي يفاجئنا به البرلمان الأوروبي في تحديد رزنامة عمل الحكومات التونسية المتعاقبة بعد الثورة. فهو الذي حدد تاريخ انطلاق المفاوضات بين تونس والاتحاد الأوروبي حول مشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق بعد أن منح التفويض للفريق الأوروبي المفاوض بناء على وثيقة التفاوض التي أعدها، ليتم استدراج حكومة الصيد اليها – أو هكذا خيل الينا – دون تفويض من مجلس نواب الشعب ودون دراسات تقييمية وتوجهات واضحة، وهو الذي – أي البرلمان الأوروبي – لا يتحرك دون دراسات، لتنطلق الجولة الأولى من المفاوضات يوم 18 أفريل 2016 والفريق التونسي المفاوض لا يزال يبحث عن ذاته، وبالتوازي مع ذلك يسارع وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في حكومة الصيد الى ادماج مضمون اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق في الوثيقة التوجيهية للمخطط الخماسي للتنمية 2016 – 2020 واعتمادها للمرحلة المقبلة وذلك قبل أن يصادق مجلس نواب الشعب على مشروع الاتفاقية.
واليوم تخرج علينا هذه المجموعة من الشخصيات الاقتصادية التونسية والفرنسية وذات الجنسية المزدوجة، تونسية وفرنسية، للإعلان عن مبادرة خلفيتها الأساسية ما دعا اليه البرلمان الأوروبي بتاريخ 12 جويلية 2016 لتعزيز الانتقال الديمقراطي وتطوير الاقتصاد الوطني، وضع مخطط مارشال للإنقاذ. ان الأسلوب الذي اتبعته هذه المجموعة للإعلان عن مبادرتها تذكرنا بأساليب الأجهزة الموازية للدولة حيث كان من المفروض أن يتم مناقشة هذه المسألة مع مجلس نواب الشعب باعتبار تداعياتها على سيادتنا الوطنية من جهة، ومدى استعدادنا لمزيد اغراق البلاد في المديونية من جهة أخرى. فهرولة عدد من مكونات المجتمع المدني الى باريس لإطلاق مبادرة من هذا الحجم والإصرار الى التوجه الى الخارج لتعبئة الأموال في ظرف يتسم بتفشي الفساد والانفلات، يدفعنا الى التساؤل عن الغاية الحقيقية من هذه المبادرة، هل هي لخدمة البلاد التي غرقت في المديونية والفساد بما يدعو الى مراجعة مفهوم الاستثمار الخارجي الذي اتضح اليوم تورطه في تهريب الأموال وتبخر القيمة المضافة باعتبار تهرب الشركات غير المقيمة من الجباية ومن استرجاع مداخيل صادراتها ومن تأمين نقل التكنولوجيا… أم هي لخدمة مصالح مكاتب الدراسات لمجموعة الشخصيات الاقتصادية التي تعمل بالشراكة مع المكاتب الأجنبية؟
في هذا المستوى لا بد أن نعرج على تجربة تأهيل القطاع الصناعي الذي تبناه النظام السابق في اطار تطبيق اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لسنة 1995 حيث رصد الاتحاد اعتمادات ضعيفة مقارنة مع الخسائر التي تكبدتها خزينة الدولة نتيجة تفكيك المعاليم الجمركية واستفادت من هذه الاعتمادات خاصة الشركات غير المقيمة، لنسأل رئيس الهيئة التوجيهية لنادي خير الدين بصفته وزيرا سابقا للصناعة في نظام بن علي وتصرفه في هذه الاعتمادات، وبصفته أيضا من مجموعة الشخصيات الاقتصادية المتبنية للمبادرة، نسأله عن مردود برنامج التأهيل الصناعي والجهات التي استفادت منه لأننا نعيش اليوم في اقتصاد دمرت أغلب وحداته الصناعية وتبخرت أغلب الشركات غير المقيمة المستفيدة من التأهيل ليسجل على الدولة التونسية أنها من أكثر الدول التي استفادت من المساعدات المالية الأوروبية كما كررت ذلك في كل المناسبات سفيرة البعثة الأوروبية في تونس لاورا بائيزا.
واليوم تستعد هذه المجموعة من الشخصيات الاقتصادية لمرحلة تطبيق اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق التي تحمل في جرابها برامج تأهيل القطاع الفلاحي وقطاع الخدمات، لتكرر التجربة السابقة التي جنت منها مكاتبها أموالا طائلة وجنت منها صناعتنا الدمار الشامل. ان ما حدث الأسبوع الماضي في فرنانة من ولاية جندوبة يؤكد درجة الفساد التي تفشت في البلاد والتي أفرزت مزيدا من الفقر والبطالة والتهميش، ويكشف بكل مرارة أن الطبقة السياسية “الفاعلة” لا زالت في برجها العالي، وأن الشعب التونسي قد ترك لمصيره المجهول، لتتمعش الدولة الموازية من عجز سلطة تنفيذية تبحث عن الكراسي والمسؤوليات، وسلطة تشريعية تتجاذبها مصالح الأحزاب، دولة موازية تهرول الى باريس مستبقة موعد مؤتمر نوفمبر للاستثمار للتسويق لمخطط تنموي ستنهب بفضله أموالا طائلة ويدمر بسببه ما تبقى من اقتصادنا بسبب تحرير قطاعي الفلاحة والخدمات، وهو ما بشر به مشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق. حرر يوم 11 سبتمبر 2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *