الخوف من نهضة الشرق بقلم د.خالص جلبي

العالم يتفرج، والشعب السوري يُباد، وبمقدور العالم التدخل في خطة إنقاذ ولكنه لايفعل لماذا؟ السبب خوف الغرب من نهضة الشرق وتفاعل الاسلاموفوبيا من خلفية الحروب الصليبية التي هي أطول وأخطر صراع بشري وأكثره كلفة وبصمة.إنه الخوف من يقظة العالم الإسلامي عقلانياً ودخول أنوار الحداثة.إنهم يريدون الاحتفاظ بمزاياهم في العالم؛ فنحن نعرف أن العالم اليوم مقسم إلى ثلاث شرائح في رقم سبعة مليارات و140 مليوناً و930 ألفاً من الأنام، فيهم مليار ومائتا مليون دخل الفرد السنوي 28500 ألف دولار في حين أن 6.2 مليار من البشر ينخفض دخل الفرد عندهم مباشرة إلى 1850 دولاراً في السنة معظمهم في العالم الإسلامي، أما الـ 600 مليون المتبقين فدخل الفرد أقل من 450 دولاراً للفرد.

ترجمة هذا الكلام أن الشريحة الأولى من العالم والمتركزة في أوروبا والشمال الأميركي (بالمناسبة تشرب أميركا يومياً أكثر من عشرين مليون برميل نفط- وفيها أكثر من 200 مليون سيارة- من أصل ثمانين مليون برميل نفط من الإنتاج العالمي). بكلمة أخرى أن عشرين في المئة من البشر يتمتعون بثمانين في المئة من خيرات العالم، والعكس بالعكس، وهم حريصون على إبقاء هذه الامتيازات والنسب حكراً عليهم،ومنه حرصهم على الحفاظ على ديكتاتوريين صغار ترانزستور، يمكن إزالته بجملة صاعقة، كما فعل بوش مع صدام، حين قال عليه أن يخرج من الكويت خوفاً وهلعاً، وهذا الذي كان فخرج صدام مدحوراً.

اميركا كأنها إله يقول للشيء كن فيكون، وهو الشيء الذي يمكنها فعله ولكنها لا تريد فعله. نحن هنا أمام فراق القدرة والإرادة. من يريد لا يفعل ومن يقدر لايريد.

الشعب السوري يريد الخلاص، ولكن يحصد بالرصاص الروسي ويحرقه المال الإيراني، ويطعن بحراب الطائفية المتعفنة المتخندقة في مربع الزمن قبل ألف عام على قضايا انتهت وزكمت الأنوف.

سكت الشعب السوري عن مذبحة حماة عام 1982، فهو يدفع الثمن الآن كله. وسكت العالم عما يجري في سوريا ولسوف يدفع الثمن في صورة من الصور. ما حدث في سوريا ثورة فعلية ماضية في طريقها ولا نعرف أين تنتهي حالياً. قد تخمد أيضاً بالسلاح الروسي والمال الإيراني، ولكن آثارها البعيدة ستلقي ظلالها ورمادها مثل أي انفجار ذري، وغبارها سيكون على الكريملن وطهران.ويقولون أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين.

وأقول إن الشعوب التي تطلب الحرية ستصل لقدرها مهما طال الوقت، وسوريا تغيرت، ولن ترجع لقبضة دولة المخابرات الأسدية، بل أقول إن «الربيع العربي» سيمشي بريحه إلى أرجاء العالم العربي، ولسوف يدفع العرب إلى مسرح التاريخ خلال نصف القرن القادم. في تقديري أن الثورة ستنتصر في صورة من الصورة وفي وقت آتٍ لا ريب فيه، ويصعب التنبؤ بكيفية النهاية، ولكنها قادمة كما في قصة الثعلب والذئب.

جاء في كتاب الخرافات أن الثعلب مر يوماً على الذئب فوجده بين قضبان الفخ أسيراً فضحك وسر. قال له الذئب بعين منكسرة: يا أبا حصين يقولون إن القيامة جاءت أشراطها واقتربت! فهل عندك خبراً عنها؟ أجاب الثعلب بابتسامة خبيثة: أما القيامة فلا علم لي بها. أما قيامتك فهي وشيكة بلا شك وريب، وكذلك هي نهاية بشار والعصابة من دون بشرى.

والصورة الحالية في سوريا مع مطلع 2014 تذكر بالحرب الأهلية في البوسنة في تسعينيات القرن الفائت، وهي صورة من جانب قاتمة، ومن جانب واعدة بالحرية والخلاص، كما رأيت أنا سراييفو في شتاء العام الفائت محررة.

أنا متفاءل على العموم على طريقة الفيلسوف فردريك نيتشه الألماني:(التشاؤم دليل انحطاط. والتفاؤل سذاجة وسطحية.التفاؤل الصحيح يأتي من رحم المعاناة). في تقديري لن يبقى حجر على حجر في سوريا. لن تبقى مدينة من دون أطلال كما في أطلال هيروشيما. سيبلغ عدد القتلى والمفقودين والمشوهين والمعطوبين والمعاقين مئات الآلاف. ولكن الجراح ستلعق، والأرحام ستعوض الموتى. والنازحون والهاربون سيعودون. وستبنى سوريا كما فعل الألمان بعد الحرب. وستنهض سوريا من الرماد والدمار كما في قصة طائر الفينيق.

وستبقى هذه الثورة في المخيال الجمعي رمزاً للحربة والحرية والاستقلال الفعلي. سيولد أطفال سوريا الجدد للحرية وليس للعبودية. وسيدخل البلد تحت قوس التوحيد وليس عبادة الأصنام الحجرية والبشرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *