الخبير الإقتصادي صادق جبنون لمغرب نيوز: هذه أسباب انهيار الدينار و الأزمة الإقتصادية قد تهدّد الإنتقال الديمقراطي

مغرب نيوز-منية العيادي

 

أثار التراجع الكبير للدينار التونسي أمام اليورو و بقية العملات الأجنبية وسط تصريحات وزيرة المالية لمياء الزريبي بتوقع انزلاقه لمرحلة الخطر ، العديد من ردود الأفعال حول الوضعية التي وصل إليها الاقتصاد التونسي.

و اعتبر الخبير الإقتصادي المختص في المالية صادق جبنون أن الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس قد تهدّد الإنتقال الديمقراطي إن لم يقع وسط ما تشهده أرقام النمو الاقتصادي من تراجع بينما لم تقم الحكومة الحالية بتبني أية استراتيجية للخروج من حالة الركود التي تعيشها البلاد في كافة المستويات.

و قال إن الإنحدار الأخير لمستوى الدينار لم يكن فقط نتيجة الضعف الإقتصادي الكبير و تراجع مردودية القطاعات الحيوية الرئيسية كالفلاحة و الصناعة و التصدير و السياحة و كذلك قلة تحويلات مواطنينا في الخارج بل كان أيضا نتيجة للإتفاقيات التي أبرمت مع صندوق النقد الدولي و هي اتفاقيات تنص على تحرير العملة و على خصخصة المؤسسات العمومية و التحكم في كتلة الأجور و انتهاج “سياسة ليبرالية مجحفة” معتبرا أن هذه “الوصفة النمطية” و الإجراءات القاسية التي يقدمها صندوق النقد الدولي لديها دائما “إنعكاساتها السلبية و رديفها الإجتماعي” و تأتي  على حساب الطبقات الضعيفة و المتوسطة .

 و أضاف جبنون أن هذه الوضعية الإقتصادية استمرت أيضا منذ سنة 2011 أمام التجاذب السياسي و المطلبية الإجتماعية المتصاعدة على حساب تحقيق الثروة الإقتصادية و الانتقال الإقتصادي الضروري لتمويل تطلعات الشعب التونسي و خاصة العاطلين عن العمل و الجهات الداخلية و حقها المشروع في التنمية موضحا أنه منذ انتخابات 2014 لم تهتد الحكومة بعد إلى استراتيجية اقتصادية واضحة تخرج البلاد من التراجع الذي تعيش فيه، و زادت الطين بلّة بالتطبيق الحرفي لتوصيات صندوق النقد الدولي .

كما أشار الخبير إلى أن التصريح الأخير لوزيرة المالية كشف بصفة مفاجئة للرأي العام النوايا الموجودة لتحرير العملة و تعويم الدينار التونسي مضيفا أن التصريح في حدّ ذاته لم يكن موفقا حين قالت إن الدينار التونسي مستهدف لأن ينزل مستواه إلى 3 دنانير مقابل 1 يورو و أدى تصريحها إلى تأخير مواطنينا في الخارج و المستثمرين تحويلاتهم إلى الدينار التونسي في انتظار الإنخفاض الموالي و هذا ما يسمى ” la crise auto-réalisatrice” و التي إعتبرها من أسوإ الأزمات النقدية المعروفة في النظرية الإقتصادية.

و أوضح أن هذا الأمر نتيجة “لعدم وضوح الرؤية الإقتصادية للحكومة و ضبابية السياسة النقدية” مع وجود إشكال إتصالي في التنسيق بين السياسة النقدية و السياسة الإقتصادية خاصة مع تخوف الفاعلين الإقتصاديين في تونس من صناعيين و من مورّدين للمواد الخام و المصنعة الذين  أصبحوا الآن ينتظرون استقرار سعر الدينار التونيسي حتى يرفعوا من سعر وارداتهم و هذا سيؤدي إلى ارتفاع خطير في نسبة التضخم سواء على الصناعي التونسي فيقلل هامش الربح أو على المواطن الذي سيكون المستهلك الأخير و بالتالي سوف ينعكس الأمر على إرتفاع الأسعار قبل شهر رمضان مما  قد يؤدي إلى أزمات اجتماعية.

و في نفس السياق أوضح صادق جبنون أنه كان بالإمكان تفادي هذه الأزمة و ما سيلحقها من أزمات لو وقع حسن تنسيق التصريحات و مزيد التشاور و الوضوح في السياسة الإقتصادية و النقدية التي على تونس أن تنتهجها لمجابهة أزمتها الراهنة خاصة و أن تلك التصريحات نتج عنها اضطراب كبير في الأسواق و إلى امتعاض البنك المركزي إضافة إلى خلق نوع من الإضطراب داخل الحكومة بين المستشارين و الوزراء أدى إلى وضعية ارتباك في السوق نظرا لأن هنالك عامل ثقة اهتز لدى الفاعلين الإقتصاديين و تبين ذلك في بيان الإتحاد التونسي للصناعة و التجارة الذي حذر من الإنعكاسات السلبية للإنخفض الحاد للدينار التونسي لدى الموردين التونسيين و خاصة الموردين في الصناعة و المواد الأولية و المواد نصف المصنّعة.

و ذكر جبنون أنه من الأسباب أيضا ظاهرة التوريد المكثف و العشوائي للسلع و المواد و الذي ارتفع بنسبة 53% في الثلاثي الأول مقارنة مع السنة الماضية و وصل مبلغ التوريد إلى حدود ال3 مليار دولار ما إعتبره مبلغا مهولا يستنزف مخزون العملة الصعبة الموجود و يجعل الإقبال على الدينار التونسي ضعيفا.

و دعا إلى الحدّ الفوري من التوريد المكثف و العشوائي للسلع و المواد خاصة من تركيا و الصين و إيطاليا و التوجه إلى استيعاب قطاع التجارة الموازية و تطوير مجلة الصرف لإستيعاب هذه الكتلة الموجودة من العملة الصعبة معتبرا أن البنك المركزي قد يضطر إلى تغيير سريع للعملة لإستيعاب هذه الكتلة المالية الضخمة التي تدور في القطاع الموازي بما يساوي تقريبا 75% من السيولة ثم الإنطلاق في حوار يضم جميع الأطراف السياسية و الإجتماعية و هذه المرة دون إقصاء حتى يقع الإهتداء إلى حلول و يلتزم الجميع في نهاية الأمر بتطبيقها للخروج من الأزمات الإقتصادية و الإجتماعية الخانقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *