يرتبط موضوع الحركات الاجتماعية بمشكلات تنمية المجتمع والرغبة في تغيير الأوضاع القائمة كما أنها(الحركات الاجتماعية) أصبحت تؤلف جزءا أساسيا في الدراسات المتعلقة بالسياسات العامة في كل أنحاء العالم وان كانت هذه الدراسات أكثر تقدما في المجتمعات الديمقراطية عنها في المجتمعات الشمولية الدكتاتورية التي تسودها النظم الاستبدادية وذلك بفضل سهولة التواصل تبادل الأفكار والحصول على المعلومات والتعرف على الحركات المماثلة في الدول الأخرى مما يتيح إمكان التنسيق بينها على نطاق واسع ويجعلها بالتالي اكثر فعالية وتأثيرا.
ويساعد على ذلك في الوقت الحالي انتشار استخدام الانترنت في كل أنحاء العالم مما يدفع الكثير إلى اعتبار الانترنت ذاته ” حركة اجتماعية” جديدة وليس مجرد أداة أو وسيلة لنشر الحركات الاجتماعية والتعريف بها ولعل ما طرحه مؤسسة أكبر المواقع الاجتماعية في العالم “مارك زوكربرغ” من اضمحلال الحدود و الحديث عن دخل أدنى مضمون لكل البشير دليل إضافي على الأمر.
يمكن اعتبار الحركات الاجتماعية استجابات عقلية لمواقف جديدة أو مستجدة في المجتمع على اعتبار أنها تهدف إلى تجديد الحياة السياسية والاجتماعية وتوفير ظروف حياتية أفضل مما هو قائم ومن هنا تعتبر هذه الحركات بمنزلة قوى ضغط لتحقيق الإصلاح والتقدم وإيجاد واقع جديد يستند إلى نسق مغاير من القيم تتجاوز التناقضات التي يعانيها المجتمع سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو حتى في المجال الثقافي.
فالحركات الاجتماعية تمثل إذا تمردا(في الأنظمة المستقرة) و ثورة في ما عداها هي إذا رفض واضح و صريح للأوضاع السائدة في المجتمع وبخاصة في المجتمع الصناعي وما بعد الصناعي الذي يعاني اتساع الفوراق وشرائحه وطبقاته المختلفة وان كان هذا لا يستبعد إمكان قيام حركات اجتماعية في المجتمعات التقليدية والمتخلفة سياسيا واقتصاديا و اجتماعيا كما هو الحال في مجتمعات بلدان الربيع العربي.
فالحركات الاجتماعية تنشأ نتيجة لظروف وأوضاع تتميز بالتوتر بين النظم السائدة في المجتمع مما يؤدي إلى تفكك تلك النظم وفشلها في أداء وظائفها على النحو الأمثل وانهيار فاعليتها بالتالي.
وبذلك يكون قيام الحركات الاجتماعية في مجتمع ما مؤشرا على وجود خلل في البناء الاجتماعي وضعف في نسق التماسك والتكافل بين نظمه المختلفة مما يدفع إلى التمرد و الإعلان عن هذا التمرد إذا توافرت القيادة المؤثرة الملائمة للاضطلاع بمثل هذا العمل.فالحركات الاجتماعية صورة مخففة من الحركات الثورية الضارية وان كانت مثلها تبغ التغيير الواضح والهادف.غير أن هذا الرأي يجابه بأمثلة مضادة تجسدت في ثورات الشباب العربي وانتفاضاته.
وربما كانت السمة الأساسية المميزة لمعظم الحركات الاجتماعية هي أنها موجهة ضد الدولة لان الذي يدفع إلى قيامها –كما ذكرنا- التناقضات الرهيبة التي يعانيها المجتمع وبخاصة التناقضات الرهيبة التي يعانيها المجتمع وبخاصة التناقضات الرهيبة التي يعانيها المجتمع.
لذا يرى كثيرون أن هذه الحركات المتمردة أمور مشروعة بل وطبيعية ولا تمثل انحرافا اجتماعيا أو أخلاقيا.خاصة أنها تهدف في آخر الأمر إلى التغيير و تحرك المياه الراكدة والقضاء على الجمود والتحرر من قيود الأوضاع التقليدية المتزمتة التي صاغها أصحاب المصالح والفئات المهيمنة سياسيا واقتصاديا ,وان الهدف منها هو توطيد الاستقرار والتوازن وترسيخ القيم التي تعلو على المصلحة الخاصة.
يجدر التذكير أن مصطلح الحركة the mouvement استخدم في الأصل للإشارة إلى حركة الحقوق المدنية ولكنه لم يلبث أن امتد وإستع نطاق استخدامه ليشمل كثيرا من حركات الاحتجاج والدعوة إلى التغيير و التعديل,لدرجة انه استخدم في ستينات القرن الماضي لوصف حركة الطلاب الشهيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا على الخصوص.
هذه الحركات قام بها أشخاص ينتمون إلى الطبقة الوسطى وليس إلى الطبقة العاملة أو الطبقات المهمشة اقتصاديا واجتماعيا.وهذا عنصر يميز الحركات الجديدة عن الحركات الأصلية التي يشار إليها الآن في كثير من الكتابات بأنها حركات تقليدية وتنضوي تحت مسمى” الحركات الاجتماعية الجديدة “الآن مجموعة كبيرة من دعاوي التمرد والاحتجاج التي نشأت منذ أواسط الستينات في عدد من المجتمعات الغربية التي ترتبط بالاقتصاد بعد الصناعي وتدور حول عدد كبير من الأنشطة الجماعية والبنائية المتنوعة ذات العلاقة الوثيقة بالثقافة والأديويوجيات والسياسات السائدة في تلك المجتمعات ,ولذا فهي تختلف عن الحركة الاجتماعية التي لازمت الثورة البروليتارية من حيث أنها لا تركز على المصالح الاقتصادية وحدها كما كان الشأن بالنسبة لحركة العمال,بل امتدت إلى آفاق أوسع واشمل وأكثر تنوعا كما في الحال مثلا بالنسبة للاختلاف بين الحركة النسوية والحركة الايكولوجية وغيرها.
البشير الجويني