الجيش والاتحاد والنداء والنهضة .. بقلم كمال بن يونس

دخلت البلاد ” شهر الإضرابات ” والتصعيد السياسي بين الأطراف الاجتماعية في مرحلة تشهد أزمة غير مسبوقة بين مؤسسات الدولة و عدد من “مجموعات الضغط ” ” المؤثرة في القرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الوطني من بينها هيئات المحامين والصيادلة والأطباء والخبراء المحاسبين والمهندسين ..

في الأثناء قام بعض المسؤولين في الحكومة والولاة والمعتمدين ورؤساء بعض النيابات الخصوصية للبلديات بمبادرات قي انها تهدف الى البرهنة عن استرجاع “هيبة الدولة” من خلال سلسلة من عمليات الغلق والهدم لبنايات فوضوية في الملك العمومي أو على الرصيف..

لكن الحصيلة كانت غالبا تراجعا عن كثير من تلك القرارات وسط تساؤلات ونقاط استفهام حول ” الحوكمة الرشيدة “..

ويعتبر المراقبون أن الاضطرابات الاجتماعية وسياسات “الأيادي المرتعشة” وتعاقب مظاهر التردد والتناقض في قرارات ممثلي الدولة والمجتمع المدني من بين أخطر المؤشرات التي تدعو إلى التخوف على مستقبل البلاد وعلى توازناتها رغم الرسائل الايجابية التي قدمها المؤتمر الدولي للاستثمار ولقاءات نخبة من كبار قادة الأحزاب والمؤسسات الاقتصادية مؤخرا مع ” صناع القرار ” الإقليمي والدولي .

في الأثناء تبدو البلاد أمام خيارين كبيرين : الأول تنازل الحكومة والبرلمان لفائدة النقابات و” الفئات ” التي دخلت في مسلسل من الإضرابات والاحتجاجات ، والثاني تمسكهما بمقرراتها وبينها مشروع قانون المالية حفاظا على ” مصداقية الدولة “بصرف النظر عن التهديدات .

وفي كلتا الحالتين فإن من بين أخطر ما يهدد البلاد تمادي القائمين على مؤسسات الدولة في اتباع ” سياسة الحلول الترقيعية ” حفاظا على مواقعهم في الحكم وعلى حظوظهم في المشاركة في المعارك الانتخابية والسياسية القادمة .

لقد تسببت الحسابات السياسية والانتخابية والحلول الجزئية والترقيعية طوال الاعوام الستة الماضية في اجهاض أحلام الشباب الذي ثار مطالبا بحقه في الشغل والكرامة وبنصيب المهمشين في التنمية وفي ثمار العدالة الاجتماعية والجبائية .

ويمكن اليوم الجزم بأن من بين الأسباب التي أوصلت تونس إلى ما هي عليه اليوم من أزمات تحالف مجموعة من ” اللوبيات ” التونسية والأجنبية من أجل إضعاف كبار الفاعلين فيها سياسيا واقتصاديا : البداية كانت عبر إضعاف مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية وتهميش مئات الآلاف من الصناعيين والتجار وموظفي الإدارة ، ثم تعاقبت حملات اضعاف الاطراف السياسية الثلاثة الأكثر تأثيرا وطنيا : التيار الدستوري الذي ورثه حزب النداء وشركاؤه في اعتصامات الرحيل بباردو ، والتيار الاسلامي الذي قاد حقبة حكم ” الترويكا ” ، والتيار الاجتماعي اليساري الذي يتزعم اتحاد الشغل ونقابات العمال وكثيرا من منظمات المجتمع المدني .

وفي الوقت الذي كان فيه الخبراء والمراقبون المستقلون يؤكدون على حاجة تونس إلى ” مصالحة تاريخية ” بين المكونات السياسية الثلاثة تعمدت بعض مجموعات الضغط اضعافها وتوريطها في صراعات هامشية ونزاعات لا تخدم الا المهربين والارهابيين والمتهربين من الضرائب وغيرهم ممن يستفيدون في كل دول العالم من اضعاف الدولة .

لذلك فإن الأهم اليوم ليس مجرد التوصل الى ” تسويات ظرفية ” و”حلول ترقيعية ” بين الاطراف الاجتماعية ، بل اعادة الاعتبار للمؤسستين العسكرية والامنية من جهة وللتيارات السياسية الوطنية الثلاثة الكبرى ..لأن اضعافها سيعني اغراق البلاد في مشاكل ستكون نتيجتها الفوضى ودفع الاوضاع نحو المجهول ..لا قدر الله ..

كمال بن يونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *