التهديد الأبيض لشركة “بتروفاك” بمغادرة تونس…حكومة الشاهد في خدمة الفاسدين .. بقلم جنات بن عبد الله

وأخيرا أنقذت حكومة الشاهد صورة تونس في الخارج وكشفت للعالم قدرتها على إدارة أزمة شركة “بتروفاك” النفطية في الوقت الذي تستعد فيه تونس لاحتضان المؤتمر الدولي للاستثمار المتوقع تنظيمه في أواخر شهر نوفمبر المقبل.
فحوى الاتفاق الذي أنهت به الأزمة يعكس هذا المجهود الجبار الذي قامت به حكومة الشاهد لإقناع الطرف البريطاني في الشركة بتخليه عن فكرة مغادرة تونس وذلك بتوفير السلم في جزيرة قرقنة بعد التزام الأهالي بالتخلي عن الاحتجاجات. فبعد تسعة أشهر عن التوقف عن النشاط استطاعت العصا السحرية لحكومة الشاهد، وخلال بضع ساعات، بإقناع جميع الأطراف التي أمضت الاتفاق بوقوف الحكومة الى جانبهم والاستجابة الى ما اعتبروه “الحد الأدنى” لمطالبهم وذلك من خلال تشغيل 266 من المعطلين عن العمل وادماجهم على 3 سنوات تدريجيا، وانشاء مركز تكوين في مجال الأنشطة النفطية، واحداث شركة الخدمات البيئية بتمويل بقيمة 5 ملايين دينار لاستيعاب العاطلين عن العمل، والترفيع في الميزانية المرصودة لميناء الصيد البحري بسيدي يوسف من 25 مليون دينار الى 30 مليون دينار، وبناء محطة لتحلية مياه البحر.
تقديم مثل هذه الوعود لم يكن يحتاج الى مثل هذا العناء وهذه الخسائر التي تكبدتها الشركة وخزينة الدولة فهي لم تخرج عن نطاق “ذر الرماد على الأعين” في إطار سياسة امتصاص الغضب التي تبنتها حكومة الشاهد منذ أيامها الأولى مع كل حركات الاحتجاج التي تعيشها مختلف جهات الجمهورية من شمالها الى جنوبها. طبيعة هذه الوعود تحتاج الى اعتمادات توفرها ميزانية الدولة في بداية كل سنة إدارية، وباعتبار الفترة الحالية التي تغطيها ميزانية سنة 2016 فان هذه الوعود لن تدخل حيز التنفيذ الا بعد ادراجها في مشروع ميزانية سنة 2017 والمصادقة عليها من قبل مجلس نواب الشعب والتي ستكون ميزانية تقشف بامتياز. وفي انتظار ذلك التاريخ سيغرق أهالي قرقنة وبقية الجهات في الفقر والخصاصة والأمراض والبطالة والمشاكل العائلية …
أزمة شركة “بتروفاك” كانت الامتحان الأول لحكومة الشاهد في مجال مقاومة الفساد الذي اتخذته كأولوية في وثيقة قرطاج. وفي ادارتها لهذه الأزمة انخرطت حكومة الشاهد في المسلك الذي تفننت بعض وسائل الاعلام في تزويقه ونجحت بفضله في تحويل وجهة الرأي العام الوطني عن الضحية الحقيقية في هذا الملف وهم أهالي قرقنة الذين يعانون التهميش وتجاهل ميزانيات الدولة لحقوقهم الأساسية في العمل والتنمية والبيئة النظيفة… لتصبح شركة “بتروفاك” ضحية الاحتجاجات والااستقرار الاجتماعي الذي حال دون مواصلة نشاطها في كنف غياب مراقبة الأجهزة الرسمية.
وتونس تستعد لاحتضان المؤتمر الدولي للاستثمار تكون حكومة الشاهد قد بعثت برسالة مخجلة من تونس للمستثمرين الأجانب حيث برهنت هذه الحكومة عن ضعفها بخضوعها لتهديد أبيض لطرف بريطاني في الشركة لا يملك أغلبية في رأس مالها باعتبار أن الدولة التونسية ومن خلال الشركة التونسية للأنشطة البترولية تملك 55 بالمائة من رأس المال ومغادرة الطرف البريطاني تونس لن يهدد الشركة بالاختفاء بل أن مغادرته سيسمح لتونس بدخول مستثمر جديد في ظل الشفافية. وعوض الإسراع برمي وعود واهية لأهالي الجهة بتحقيق التنمية، كان حري بحكومة الشاهد الرافعة لشعار مقاومة الفساد فتح تحقيق حول نشاط الشركة وحجم انتاجها وصادراتها ومداخيلها من التصدير وتوظيف الأرباح في خدمة التنمية في الجهة وحماية البيئة والثروة البحرية التي تم تدميرها تحت أعين السلط المحلية والجهوية والوطنية. احتجاج أهالي قرقنة بخصوص انعدام التنمية كان فرصة لحكومة الشاهد لإعادة فتح ملف الشركة وهو ملف كان موضوع متابعة من قبل فريق عمل المرحوم عبد الفتاح عمر في سنتي 2011 و2012 حيث توفرت معطيات كانت في قصر قرطاج كشفت عن شبهات فساد تحوم حول الشركة.
وفي انتظار أن يتولى القضاء التحقيق في ذلك فقد نجحت شركة “بتروفاك” في طمس الحقيقة وشيطنة أهالي الجهة لمواصلة نشاطها في غياب المراقبة. فهذه الشركة هي شركة خفية الاسم وتخضع للقانون التونسي وبالتحديد الى مجلة الشركات التجارية الصادرة في سنة 2003، ومن هذا المنطلق فان المساهم الأكبر في رأس مالها، وهي الدولة التونسية، لها حق التصرف في الشركة وفي تسمية رئيس مجلس ادارتها والمدير العام. الا أنه بالنسبة لشركة “بتروفاك” اختار الجانب التونسي في عهد النظام السابق منح حق الامتياز الى الجانب البريطاني وذلك عن طيب خاطر في إطار اتفاق خارج قانون الشركات. وطبقا لقانون الالتزامات والعقود فان كل عقد أو اتفاق من هذا القبيل يصبح شريعة بين أطراف العقد وعليه يصبح العقد أمرا واقعيا الى حد انتهاء المدة المتفق عليها في نفس العقد. وعادة ما يتم هذا الأمر بسبب امتلاك الأقلية في رأس المال للتكنولوجيا مما يجعلها الأقدر على إدارة الشركة أو على خلفية فتح باب الفساد حتى يتمكن الطرفان من تهريب الأموال وهو الاحتمال الأقرب بالنسبة لشركة “بتروفاك”في غياب المعطيات الحقيقية عن نشاطها وصادراتها ومداخيلها من التصدير وعدد العاملين فيها والامتيازات التي يتحصلون عليها. وتهديد الجانب البريطاني بمغادرة تونس هو تهديد أبيض باعتبار أن توجهه الى المراكز الدولية للتحكيم يفرض عليه تقديم المعطيات والوثائق الحقيقية لنشاط الشركة وحجم معاملاتها وأرباحها.
وفي ظل التعتيم وفي غياب التناول الإعلامي النزيه لهذا الملف والمغالطات الممنهجة يبقى السؤال مطروحا، هل نجحت حكومة الشاهد في حل أزمة “بتروفاك”؟ أم أنها تغاضت عن ملف فساد اخر بما يفتح الباب في المؤتمر الدولي للاستثمار لمستثمرين جدد لنهب ثروات البلاد في إطار قانون استثمار جديد تمت صياغته على المقاص؟
حرر بتونس يوم 25 سبتمبر 2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *