التراجع السعودي أمام قطر، نهاية أزمة أم حربة جديدة؟

 بعد ثمانية أشهر من الحصار الشامل الذي فرضته السعودية والدول الحليفة لها على قطر بدعوى دعم الإرهاب والتقارب مع إيران، وفشل جميع الوساطات التي بُذلت من قبل أطراف متعددة لحل هذه الأزمة، عادت الرياض لتعلن على لسان وزير الخارجية “عادل الجبير” بأن الدوحة قد أوقفت دعمها لـ”جبهة النصرة” في سوريا، ولحركة حماس في قطاع غزة ما سمح للسلطة الفلسطينية ببسط نفوذها في القطاع.

وأضاف الجبير في كلمة أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل قبل عدّة أيام بأن بلاده تأمل أن تواصل الدوحة هذه السياسة من أجل عودة العلاقات الطبيعية بين السعودية وقطر.

ويبدو من خلال قراءة تصريحات الجبير بأن الرياض قد تراجعت عن مواقفها المتشددة ضد الدوحة وتريد فعلاً إعادة العلاقات معها إلى وضعها الطبيعي، إلّا أن قراءة ما بين السطور توحي بفهم آخر لهذه التصريحات، ويمكن بيان ذلك من خلال سيناريوهين:

السيناريو الأول: سعي الرياض لإظهار نفسها كراعية للسلام في المنطقة

بعد فشل السعودية في إخضاع قطر لإرادتها من خلال الشروط الـ 13 التي فرضتها عليها، ارتأت أخيراً أن تتظاهر بلعب دور المحب للسلام والساعي لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة وهو ما ظهر بشكل واضح في تصريحات الجبير ببروكسل، متوهمة أن العالم غافل عمّا ترتكبه سلطات الرياض من جرائم بشعة سواء ضد الشعب اليمني من خلال عدوانها المتواصل على هذا الشعب منذ ثلاث سنوات وأم ضد باقي شعوب المنطقة خصوصاً في سوريا والعراق من خلال دعمها للجماعات الإرهابية التي تنشط في هذين البلدين.

والإدانات الكثيرة التي وجهتها وتوجهها المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية ضد هذه الجرائم خير دليل على أن الرياض باتت غير قادرة على خداع العالم بأنها محبة للسلام أو أنها تسعى لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة. وهذا يعني أن تصريحات الجبير لم تكن سوى محاولة بائسة لتلميع صورة السعودية التي تلطخت بسبب جرائمها ضد شعوب المنطقة وانتهاكاتها المتكررة لحقوق الإنسان ضد شعبها.

السيناريو الثاني: السعي لتدارك الهزائم المتلاحقة

 يعتقد الكثير من المراقبين بأن تصريحات الجبير في بروكسل هي ترجمة حقيقية لطبيعة الهزائم المنكرة التي مُنيت بها السعودية على المستويين الداخلي والخارجي وعلى جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومن بينها الأزمة المالية الحادّة التي تعاني منها المملكة، وفشلها في تحقيق أهدافها من وراء شن العدوان على اليمن، وإخفاقها في تحقيق أهدافها في سوريا والعراق من خلال دعمها للجماعات الإرهابية، وهزيمتها الواضحة أمام محور المقاومة الذي تدعمه إيران في عموم المنطقة، وفشلها كذلك في تحقيق أهدافها السياسية في لبنان، وغيرها من الهزائم التي لحقت بها طوال السنوات الماضية.

من خلال قراءة هذه المعطيات يمكن الاستنتاج بأن السعودية تسعى في الوقت الحاضر لترتيب أولوياتها عبر التظاهر بأنها على استعداد لإعادة العلاقات إلى وضعها الطبيعي مع قطر لأنها لم تعد قادرة على مواجهة الأزمات الكثيرة التي أوجدتها بنفسها خصوصاً في اليمن وسوريا، وكيفية مواجهة محور المقاومة في عموم المنطقة.

ولا ننسى أن نشير هنا إلى أنه من المقرر أن يلتقي الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بكبار المسؤولين في السعودية والإمارات وقطر خلال الشهرين القادمين، وهذا يعني أن على الرياض أن تظهر نوعاً من الاستعداد لحل أزمتها مع الدوحة نزولاً عند رغبة ترامب الذي يسعى هو الآخر لإظهار نفسه كراعٍ للسلام في المنطقة بعد أن فشل في إقناع العالم بأنه جادّ في محاربة الإرهاب، وأخفق كذلك في تحريك مفاوضات التسوية بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني بعد إعلانه القدس عاصمة لهذا الكيان الغاصب وقراره بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

ويبدو أن الضغوط الغربية على ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” كان لها أثر أيضاً في خضوع الرياض لمطالب المجتمع الدولي بضرورة الكفّ عن دعم الجماعات الإرهابية وعدم ارتكاب المزيد من الجرائم ضد العديد من شعوب المنطقة والعالم، وهذا الأمر يفسر أيضاً لماذا تسعى السعودية لإظهار نفسها بأنها تريد عودة الأمن والاستقرار إلى المنطقة من خلال دعوتها لقطر بتقديم تنازلات تمهد الأرضية لإعادة العلاقات بين البلدين كما صرّح بذلك الجبير نفسه أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل قبل عدّة أيام.

هذه الحقائق وغيرها تكشف بوضوح فشل السياسة السعودية في تقديم نموذج صالح لرسم علاقات طبيعية مع دول وشعوب المنطقة، ولو كانت الرياض جادّة فعلاً في مزاعمها بأنها تريد عودة الأمن والاستقرار للشرق الأوسط لَما تعاونت مع الكيان الإسرائيلي وواشنطن لخدمة المشروع الصهيوأمريكي الرامي إلى تمزيق المنطقة والاستحواذ على ثرواتها والعبث بمصيرها ومقدراتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *