البلديات و تجربة الحكم المحلي الأولى في تونس

مغرب نيوز- عزيزة بن عمر

بعد أن حدّدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يوم السادس من ماي القادِم موعداً نهائياً لأول انتخابات بلدية إبان الثورة استحقاق تم تـأجيله مرتين حيث كان أوله في 17 ديسمبر الماضي و الثاني في 25 مارس الجاري، و تمكّنت “ليزي” في 23 فيفري الفارط من غلق باب الترشّحات للانتخابات البلدية قبل أن تعلن عن القائمات المترشّحة . أكثر من 2173 قائمة قدّمت لهيئة الانتخابات منها 177 قائمة ائتلافية و 1099 قائمة حزبية و897 قائمة مستقلة بنسبة تغطية تُقدّر ب100 بالمائة. و كأن المشهد السياسي في تونس قد طبع على القائمات المترشّحة حيث استأثرت حركتا نداء تونس و النهضة بتغطية كامل الدوائر البلدية في تونس و التي تبلغ 350 دائرة، فيما يظل الفرق بينهما و بين الأحزاب الأخرى المشكّلة للمشهد السياسي شاسعاً.

هذا و يتوجه بعد أقل من أسبوعين التونسيون إلى مكاتب الاقتراع لانتخاب مَن يمثلهم في المجالس البلدية بعد 7 سنوات فشلت فيها المجالس البلدية المؤقتة في تسيير الشأن البلدي، ما نتج منه تعطّل للخدمات وانتشار الفوضى، لكن المتابعين للشأن السياسي يرون أنها أول انتخابات يتم إجراؤها تحت الباب السابع من الدستور الذي ينصّ على الحُكم المحلي و تدعيم اللامركزية، إضافة إلى المصادقة العسيرة على مجلة الجماعات المحلية و التي تعطي للبلديات استقلالية تامة.

طريق عسير للانتخابات البلدية:

قبل 7 أشهر من موعد الانتخابات الأولى الذي حدّد يوم 17 ديسمبر من العام المنقضي أعلن الرئيس السابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات شفيق صرصار الاستقالة من منصبه ، لتدخل الهيئة في نفق طويل من الجدل و التأويل ويضع الانتخابات البلدية في مأزق . هذه الاستقالة وضعت مجلس نواب الشعب أمام ضرورة وضع أكداس القوانين التي تنتظر المصادقة جانباً ، و النظر على عَجَل في إيجاد رئيس آخر تتوافر فيه شروط موافقة شريكي الحُكم (نداء تونس و حركة النهضة) بحُكم سيطرتهما على الأغلبية في المجلس ويحظى برضا بقية الأحزاب.

انتخاب الرئيس لم يكن المشكل الوحيد فقد دخلت على الخط ضرورات أخرى أهمها سدّ الشغور في عضويّة الهيئة بسبب استقالة عضوين آخرين إلى جانب صرصار ، و هما مراد بن مولى و لمياء الزرقوني. انتخاب الرئيس الجديد محمّد التليلي منصري جاء بعد جدل طويل اتّهمت فيه الأحزاب نداء تونس و حركة النهضة بتعطيل المسار من أجل إيجاد مرشّح يضمن لهما على الأقل مواصلة التوافق. من جانب آخر و على خلفيّة الجدل الذي عاشته الهيئة فقد تقرّر تأجيل الانتخابات البلدية إلى 25 مارس الماضي، لكن عدم صدور الأمر الرئاسي المتعلّق بدعوة الناخبين ، إضافة إلى المشاورات التي أجرتها الهيئة مع عدد من الأحزاب أجبرتها على تحديد موعد جديد للانتخابات البلدية وهو يوم 6 ماي القادم ، مع إعطاء الحق بالانتخاب للأمنيين و العسكريين و التي سيكون موعد انتخابهم يوم 29 أفريل القادم

نتائج تقديم الترشّحات للانتخابات البلدية

بدأت الهيئة بقبول الترشّحات بداية يوم 15جانفي 2018، امتد قبول الترشّحات إلى غاية يوم 23 فيفري 2018 ، حيث أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن القائمات المترشّحة و التي وصل عددها إلى ما يُقارب 2173 قائمة ، منها 177 قائمة ائتلافية و1099 قائمة حزبية ، إضافة إلى 897 قائمة مستقلة .. وبلغ عدد المترشّحين في كامل تراب الجمهورية ما يُقارب أكثر من 52 ألف مترشّح من بينهم 1812 مترشّحاً من ذوي الاحتياجات الخصوصية ، إضافة إلى أكثر من 57 المائة من المترشّحين هم أقل من 35 سنة . في المقابل وحزبياً احتلت النهضة و نداء تونس الصدارة في عدد القائمات المترشّحة بنسبة تغطية تساوي 100 بالمائة، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمّد التليلي منصري أكّد أنه يمكن القول أنه بالنظر إلى القائمات المقدّمة يمكن تقييم عمل الهيئة بملاحظة “حسن جداً” “لاتوجد أية بلدية لا تحتوي على ترشّحات و هناك بلديتان فقط تحتويان على قائمتين ، يعني أن مبدأ التنافُس موجود هذا نظرياً بشرط أن تكون جميع القائمات قد احترمت شروط الترشّح المنصوص عليها ضمن قرار الهيئة “.

مآلات التوافق في الانتخابات البلدية

في بداية سنة 2018 أعلنت حركة نداء تونس قراراها رسمياً بالقطع مع مرحلة التوافق التي استمرت منذ سنة 2014، و إعلان حركة النهضة كمنافس رئيس في الانتخابات البلدية القادمة، متابعون رأو أن هذا القرار مردّه محاولة نداء تونس استمالة أنصاره العلمانيين بحجّة الدفاع عن مشروعه “الحداثي الديمقراطي ” في مواجهة الإسلام السياسي. برهان بسيس المكلّف بالشؤون السياسية أكّد مرة أخرى أن نداء تونس سيدخل الانتخابات القادمة في منافسة رسمية مع حركة النهضة ، نور الدين البحيري من جهته أكّد أيضاً ألا وجود لتوافق في الانتخابات البلدية “ستدخل الحركة في منافسة مع جميع القائمات الانتخابية بما فيها نداء تونس ، النداء والنهضة ليسا نسختين مطابقتين للأصل كل له برامجه و مشاريعه و برنامج حركة النهضة سيكون تعبيراً عن طموحات المواطنين “.

من جهة أخرى حصلت حركتا نداء تونس و حركة النهضة على نسبة تغطية ب100 بالمائة تليهما الجبهة الشعبية ب132 قائمة ، مشروع تونس ب84 قائمة، التيار الديمقراطي ب72 قائمة، هذه النتائج تضعنا أمام قطبية انتخابية متوزّعة بين نداء تونس و حركة النهضة . متابعون للمشهد السياسي يؤكّدون أن حركة نداء تونس باتّخاذها لحركة النهضة كمُنافس ستسعى لإعادة إحياء معادلة انتخابات 2014 وهي منافسة بين الدولة الديمقراطية الحديثة و الإسلام السياسي ، و هو ما يتطابق مع ما قاله المكلّف بالشؤون السياسية في حزب نداء تونس برهان بسيس،. على الجانب الآخر تسعى النهضة إلى إبعاد شُبهة الإسلام السياسي و التي تضعها في حَرَج داخلياً و خارجياً حيث تمكّنت حركة النهضة من ترشيح مواطن يهودي على قائمتها في دائرة المنستير ، وهو ما اعتبره سياسيون مناورة سياسية لإبعاد شُبهة الإسلام السياسي ، خاصة بعد تصريحات اليهودي التونسي سيمون سلامة بأنه اختار النهضة “لأنها حزب يخاف الله” ، لكن نورالدين البحيري رئيس كتلة حركة النهضة في مجلس نواب الشعب استغرب الاهتمام الإعلامي بهذا الترشيح قائلاً ” كل التونسيين لديهم الحق في الترشّح للانتخابات، ليس هناك فرق بين تونسي و يهودي و حركة النهضة لا يمكن أن تدقّق في قلوب المترشّحين لتعرف إيمانهم”.

من جهة أخرى تبحث الأحزاب الأخرى عن تموقع جديد في المشهد السياسي في تونس من خلال تحقيق نتائج في الانتخابات البلدية المقبلة تفتح لها الطريق للانتخابات التشريعية المقبلة ، و يرى المحللون أن خطاب الانتخابات البلدية سيختلف كثيراً عن خطاب الانتخابات التشريعية، لكن في المقابل ستستغلّ الأحزاب المعارضة فشل الائتلاف الحاكِم في حل القضايا الاقتصادية نقطة هجوم .

تحديات الحُكم المحلي

نصّ الدستور التونسي في الباب السابع على أحكام السلطة المحلية و الحُكم المحلي في تونس ضمن 12 فصلاً ، تضمّنت تفسيراً واضحاً لهذا المفهوم الجديد للحُكم و الذي يقوم على مبدأ اللامركزية و يُعطي البلديات استقلالية أكبر في ممارسة مهامها ، إضافة إلى أنه يقوم على مبدأ التدبير الحر. تفاصيل هذا التمشّي تعرضه مجلة الجماعات المحلية التي تمّت المصادقة عليها من قِبَل لجنة شؤون الإدارة و القوات الحاملة للسلاح ، وينتظر أن تتم المصادقة عليها من قِبَل مجلس نواب الشعب قبل الانتخابات. لكن الحُكم المحلي تعرّض إلى عديد الانتقادات آخرها ما قالته رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي “أحكام الحُكم المحلي لن تمر ولو على جثثنا”، و اعتبرت أن الحُكم المحلي يُعدّ تفكيكاً لمنظومة الدولة وضرباً لسيادتها ولمركزية القرار وتقسيمها لمجموعة من الدويلات. و في تصريح” لمغرب نيوز”قال رئيس جمعية “كلنا تونس” معز عطية إن من أكبر التحديات التي تواجهها الانتخابات البلدية القادمة هو عدم المصادقة على مجلة الجماعات المحلية إلى حد اليوم بالرغم من تحديد تاريخ يوم 6 ماي 2018 لتنظيم الاستحقاق البلدي. مبرزا أنه في صورة عدم المصادقة على المجلة الجماعات المحلية من قبل مجلس نواب الشعب قبل البلديات ، فان الانتخابات البلدية ستكون “صورية” وسيتم انتخاب مجالس بلدية ليس لها القدرة الفعلية والحقيقية على تغيير الواقع وتقريب الخدمات من المواطن التونسي. من جهتها نشرت صحيفة لوبوان الفرنسية مقالاً بعنوان “تونس و البلديات : الانفجار العظيم ” أكّدت فيه أن “مجلة الجماعات المحلية ” حتى و إن تمت المصادقة عليها لن تكون نافِذة المفعول إلا بعد سنتين من تاريخ إصدارها ، و عليه يمكن للوالي أن يُبطل قرارات المجلس البلدي بجرّة قلم و هذا ما اعتبرته الصحيفة وجهاً من وجوه الصراع بين المركز و الأقاليم حيث تتلكأ السلطة في تطبيق الحُكم المحلي خوفاً من انحسار صلاحياتها.

لكن على الجانب الآخر يرى خبراء أن تجربة الحُكم المحلي في تونس ستُعطي أكثر استقلالية للأقاليم و للمجالس الجهوية ، و ستعطي البلديات حرية إقرار الأولويات من دون الرجوع إلى مراكز القرار ، كما أن مجلة الجماعات المحلية أعطت الحق للسلطات المركزية للتدخّل من أجل إقرار مبدأ العدالة بين االبلديات في حال انحسار موارد بعضها. هذا الموقف أيّده بعض الأحزاب مثل التيار الديمقراطي الذي أكّد من خلال نائبه غازي الشواشي أن الباب السابع من الدستور يُعتَبر من أهم إنجازات ثورة 14 جانفي ، كما أكّد الناطق الرسمي باسم نداء تونس المنجي الحرباوي أن الحكم المحلي لا يبعث على القلق باعتباره تكملة للحُكم الديمقراطي .

14 أفريل 2018 انطلاقة الحملة الانتخابية للبلديات :

انطلقت الحملة الانتخابيةللبلديات يوم 14 أفريل الجاري بكافة الدوائر البلدية على التراب الوطني لأول انتخابات بلدية بعد ثورة 2011 على أن تستمر هذه الحملة إلى غاية يوم 4 ماي.

و ستتنافس في هذه الانتخابات 2074 قائمة مقبولة نهائيا موزعة على 860 قائمة مستقلة و159 ائتلافية و 1055 حزبية، وقد ترأس 69،67% من القائمات رجال فيما ترأست النساء 30،33 % منها. كما تجدر الإشارة إلى أن 18 قائمة من بين القائمات المترشحة ترأسها أشخاص من ذوي الاحتياجات الخصوصية (13 رجل و5 نساء).

وسيمكن هذا الاستحقاق الانتخابي من تكريس الديمقراطية التشاركية والحوكمة المحلية تطبيقا بمقتضيات الباب السابع من الدستور.

و يتنافس المترشحون الذين لم يتجاوز سن 50% منهم 35 سنة (في المقابل لا يمثل من تجاوز سنه 60 سنة سوى 4،41%) على الفوز بـ7177 مقعدا في 350 دائرة بلدية.

وستجرى الانتخابات في 11185 مكتب اقتراع في أكثر من 4000 مركز اقتراع في مختلف جهات البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı