الايرانيون يقاطعون موسم الحج القادم ويتهمون السلطات السعودية بانها السبب..

الايرانيون يقاطعون موسم الحج القادم ويتهمون السلطات السعودية بانها السبب..
هل هذا الاتهام في محله؟
وما هي الحجج الايرانية والردود السعودية عليها؟ ومن هم الضحايا؟
الخلاف السعودي الايراني يتفاقم ولم يعد يقتصر على الحرب بالنيابة بين البلدين في كل من سورية والعراق واليمن، وبات يتحول بسرعة الى خلاف ديني طائفي، بعد اعلان علي جنتي وزير الثقافة والارشاد الاسلامي الايراني، ان بلاده لن ترسل حجاجا الى الاماكن المقدسة لاداء الفريضة في ايلول (سبتمبر) المقبل بسبب عدم التوصل الى اتفاق مع السعودية، واكد ان العرقلة مصدرها الجانب السعودي.
السلطات السعودية ردت عبر مصدر مسؤول فيها ان ابوابها مفتوحة للحجاج الايرانيين، واتهمت ايران بأنها تعمل على “تسييس″ موسم الحج، ووجدت دعما فوريا من دول مجلس التعاون الخليجي.
هذه الازمة تعني ان 75 الف حاج ايراني لن يذهبوا الى مكة المكرمة لاداء فريضة الحج، مما يعني خسارة مقدارها نصف مليار دولار، حسب تقديرات مجلة “فوربس″، اللهم الا اذا قررت السلطات السعودية توزيع حصة ايران من الحجاج على دول اخرى، وهذا غير مستبعد.
مقاطعة ايران لموسم الحج، ربما تتبعها ايضا مقاطعة مواسم اداء العمرة، حيث يتوجه الى مكة اكثر من نصف مليون ايراني سنويا، الامر الذي سيعمق الخلاف الطائفي، جنبا الى حنب مع الخلاف السياسي المتفاقم بين البلدين.
السيد جنتي قال “ان رئيس بعثة الحج زار المملكة وعقد اربع لقاءات مع وزير الحج والاوقاف السعودي، ولكن دون التوصل الى اتفاق، مضافا الى ذلك انه تعرض، اي رئيس بعثة الحج، الى اهانات تمثلت في اخذ بصماته وتفتيش حقائبه في المطار رغم انه يحمل جوازا دبلوماسيا”.
هناك ثلاث نقاط اساسية تلخص الخلافات التقنية والاجرائية التي حالت دون التوصل الى اتفاق، والمقاطعة الايرانية بالتالي:
الاولى: اصرار المملكة العربية السعودية على توجه الحجاج الايرانيين الى دولة ثالثة للحصول على تأشيرات الحج، بسبب اغلاق سفارتها في طهران بعد اقتحامها من قبل محتجين على اعدام الشيخ نمر النمر، المرجع الديني الشيعي السعودي، الامر الذي رفضته السلطات الايرانية، واصرت على حصول حجاجها التأشيرات في طهران عبر طرف ثالث.
الثانية: رفض السعودية منح تصريحا لشركة الطيران الايرانية لنقل الحجاج الى مطار جدة الدولي، مثلما كان عليه الحال في كل السنوات السابقة.
الثالثة: اصرار ايران على قيام حجاجها باداء مراسم البراءة من الكفار والمشركين التي تتمثل في مسيرات احتجاجية، الامر الذي رفضته السلطات السعودية، لان هذه المراسم تعرقل اداء الفريضة من قبل الحجاج الآخرين.
في ظل هذا الخلاف المتفاقم، بات في حكم المؤكد، وبسبب اقتراب الموسم، خلو الحج هذا العام من الايرانيين، ومن غير المستبعد ان يتضامن معهم في هذا الموقف حكومات اسلامية اخرى.
اذا تمت المقاطعة الايرانية لموسم الحج فلن تكون الاولى، ففي عامي 1988 و1989 قاطعت ايران موسمي الحج احتجاجا على مقتل 400 من حجاجها اثر صدامات دموية مع الشرطة السعودية في الموسم السابق (1987) بسبب قيامهم، اي الحجاج الايرانيين، بمظاهرات احتجاجية للبراءة من الكفار، رددوا خلالها شعارات ضد امريكا.
اتهام ايران للسعودية بعدم الكفاءة وسوء الادارة لموسم الحج يبدو منطقيا في نظر العديد من المراقبين، بسبب كثرة الحوادث، وارتفاع اعداد الضحايا، الامر الذي جعل خلو مواسم الحج من اي حوادث تتسبب بموت الآلاف من الحجاج عملا استثنائيا.
في الموسم الماضي قتل اكثر من 2450 من جراء التدافع اثناء رمي الجمرات في مشعر منى، كان بينهم 464 ايرانيا، حسب التقديرات الرسمية، وهناك تقديرات غير رسمية تقول ان الرقم الحقيقي اكبر من ذلك بكثير.
السلطات السعودية اعلنت عن تشكيل لجنة للتحقيق في هذه المأساة برئاسة الامير محمد بن نايف ولي العهد، والمسؤول الاول عن موسم الحج وامنه وترتيباته، ولكن لم تقدم هذه للجنة اي تقرير يتضمن شرح الاسباب ويحدد المسؤولين، وهذا امر مفهوم، فهل يمكن ان تدين نتائج التحقيقات وزير الداخلية رئيس المجلس الاعلى للحج الذي هو ولي العهد؟
الطرفان السعودي والايراني يعملان على “تسييس″ موسم الحج من خلال خلافاتهما السياسية وحروبهما بالنيابة، وهذا امر لا يجوز مطلقا، لان اداء فريضة الحج، وزيارة الاماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، يجب ان تتم دون عوائق لانها فريضة على المسلمين جميعا.
تأمين اداء فريضة الحج، او مناسك العمرة، مسؤولية المملكة العربية السعودية المباشرة، وبالتالي لا يمكن، بل لا يجب، السكوت عن الحوادث المأساوية التي باتت تتكرر في موسم الحج، عاما بعد عام، بسبب انعدام الكفاءة والاهمال والتسيب، لان ضحايا هذا الاهمال، وسوء الادارة، من دول اسلامية عديدة من حقها ان تحرص على امن وسلامة حجاجها.
نحن في هذه الصحيفة “راي اليوم” نعارض اي تسييس لموسم الحج، سواء من قبل السعودية او ايران، مثلما نعارض اي مراسم، او ممارسات تخرج هذه الفريضة عن هدفها الاساسي، وتعرض امن الحجاج الآخرين وحياتهم للخطر، وتعرقل اداءهم لفريضتهم بيسر.
كل مشكلة لها حل اذا خلصت النوايا، ولكن النوايا غير المخلصة لدى الطرفين للأسف، والحجاج من الايرانيين البسطاء هم الذين سيدفعون الثمن غاليا، لانهم لن تتاح لهم الفرصة التي انتظروها معظم حياتهم لاداء هذه الفريضة، وذنب هؤلاء في رقبة الحكومتين الايرانية والسعودية معا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *