الانتقال الديمقراطي و مخاطر” البين بين” بقلم فوزي معاوية

تونس-مغرب نيوز

 

 القديم الباقي و الجديد الآتي 

يتفق المحللون على أن “الانتقال” بمفهومه الثوري كمرحلة تحول نوعي هو ذلك المجال الذي لم يغادره القديم نهائيا و لم يتمكن الجديد من احتوائه…فهو مجال البين بين بما يمثله من اضطرابات و هزات و انفلاتات و ما يصاحبه من خوف و حيرة و من مراوحات بين يأس و من أمل… 
ولكن الهام في اعتقادنا أنه مجال التجاذبات القسوى بين الأطراف المتطرفة أي بين الساعين على اختلاف مشاربهم و مصالهم الى الشد الى الوراء و العاملين على تعطيل المسار من جهة و الدافعين نحو القفز الى الأمام و ان كان ذلك نحو المجهول و ما بينهما الزخم الهائل بتشعباته و تداخل شعابه و تناقضاته وتردداته. 

 الدولة هي الكيان المستهدف 

 من بين المسائل الجوهرية أن هذه المرحلة و هذا المجال غالبا ما يتميز بالتحديات الكبرى التى توضع أمام المجتمع برمته بمختلف مكوناته و خاصة بنخبه الفاعلة فالتجربة التاريخية هنا تتشكل انطلاقا من المخزون المؤهل للمجتمعات و المحدد لقدراتها على تبني مشاريع التجديد و اقامة التحولات النوعية المنشودة و الانتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة البناء و ان هذا المسعي يرتبط شديد الارتباط بدور الدولة و قدرتها على اجراء التحولات المطلوبة في صلب مؤسساتها ولا يعني ذلك أنها جهاز متعال على المجتمع بل هي الأداة الأساسية الكفيلة بتكريس التحولات على أرض الواقع لذلك نجدها تحتل موقعا مركزيا في الصراعات القائمة و الاجتهادات المطروحة. 

ذلك ما يفسر الصراعات التى بلغت ذروتها داخل المؤسسات الحيوية وخاصة منها الادارة و القضاء و الأمن و الأعلام و ما بلغته التدخلات في شأن تفعيل دورها و تجديده من صراعات ما فتئت تتسع و تحتد مع صعوبةالفرز الواضح بين الأطراف المتصارعة و قد لايخلو موقفنا من التعسف و التبسيط ان أكدنا في هذا الشأن على وجود قطبين، المتمسكين بالنظام و المنظومة القديمين ومنهم من يشكك في قدرة المجتمع على تحقيق التغيير المنشود قناعة أو بهتانا فغايتهم مهما تنوعت مواقفهم هي الدفاع عن مصالح ضيقة والسعي الى توسيعها على حساب المجموعة الوطنية و في المقابل القوى الوطنية الساعية الى التغيير و اقامة التوازنات لتحقيق المنشود… و مما لا شك فيه أن المقاصد بين مختلف قوي الشد الى الوراء في الدولة و المجتمع قد تختلف لكنها تتلاقى في مساعي تعطيل مشروع الانتقال حتى لا نقول نسفه لكل ذلك فان الرهان اليوم يضع دور النخب التونسية المتمسكة بالتوجه العصري و الاصلاحي في الميزان مهما كان اختصاصها و مهما كانت مواقعها في الدولة أو في المجتمع.

لا مناص من تحرر” الذكاء التونسي ” 

و نحن نشير الى كل ذلك لأن قضية القضايا المطروحة أمامنا اليوم تتعلق ببروز “القيادة الوطنية التاريخية” المتبصرة بالمفهوم الشامل وهي القادرة على تأطيرهذه التجربة و الدفع نحو التجديد و سد الأبواب أمام منزلقات الرجوع الى الوراء فهناك اليوم من يحتل المواقع المتقدمة في صنع القرار الوطني واضعا قناع التغيير و هولا يعدو أن يكون من المنظومة القديمة التى وان كانت قد أدت في السابق جانبا من واجباتها الوطنية فهي لم تعد صالحة لرفع التحديات الجديدة … غير أن عملية الفرز و التشكل لهذه القيادة مازال محل أخذ و رد و أن العملية تقتضي بالأساس تحرر القوى الوطنية الحية أي تحرر ” الذكاء التونسي ” و خروجه من المسالك المسدودة و الفضاءات المغلقة وفي مقدمتها التنظيمات السياسية المختلة و الأطر التنظيمية المكبلة في مختلف المجاللات الادارية و الحقوقية و الاجتماعية التي هي في أوكد الحاجات الى تثويرما تأسست عليه فكرا و ممارسة…لأن الحقيقة التي لا يجب أن تخفى هي أن الثورة في النهاية ثورات.

 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *