الالتباس حول موقف الجزائر من “حزب الله” و”ارهابه”… الجزائر لم تستدرك ولم تتراجع بقلم اسماعيل القاسمي الحسني

الحقيقة أني عزمت على التوقف عن الكتابة لفترة، تكون كافية لزوال حالة الغضب الشديد التي انتابتني إثر تناول بعض وسائل الاعلام مرئية ومقروءة لموقف الجزائر الأخير بمجلس وزراء الداخلية العرب؛ وأسجل هنا كمواطن قارئ ومتابع، شعوري بحالة من المرارة كاد أن يتقيح لها القلب، ليس فقط من جراء تسرع البعض في ضمّ الجزائر الى أنظمة سلبتها القيادات الخليجية قرارها وأحتلت بشكل كامل خيارها، وإنما كذلك تلكم المزايدة بموقف العراق ولبنان في حين أن لتلكم الوسائل الاعلامية، مراسلين ومصادر موثوقة مطلعة جزائرية، كان بالامكان المبادرة للاتصال ومعرفة حقيقة ما حدث في تونس. طبعا غضبي لا يعني أداوت “الاخوة” الخصوم، هؤلاء الاخوة الذين لا يرون غضاضة في التواصل مع العدوالاسرائيلي وفتح الابواب والنوافذ له، وفي المقابل يحشدون الحشود لتدمير ليبيا وسوريا واليمن، ويعترضون على أي حل سياسي، ودون حياء يسارعون لرفع السلاح في وجه الأخ، و يعرضون بخجل العذارى “مبادرتهم للسلام” للعدوالذي بات في نظرهم يستحق وصف الحليف الاستراتيجي؛ وإنما العتب والألم من الطرف الذي يعبّر – وإن نادرا – على اعتباره بأن الجزائر قلعة الثوار والاحرار. وأعترف أنني لم اتمالك أعصابي وأنا أتابع تلكم التقارير لهذا الطرف، التي في بدايتها اسقطت ذكر “الجزائر” تماما، وانفلت قلمي بتوجيه رسالة قوية لاحدى الفضائيات العربية، التي تحسب على طرف المقاومة ولا أعني الناطقة باسمها، صببت فيها جام غضبي على تقاريرها بخصوص موقف الجزائر، خاصة وأن مراسلها لم يوصد في وجهه باب اي مسؤول في حدود علمي.
هنا لابد من القول، أني لا أعترض أبدا على حق النقد لأي مواطن عربي للسياسة الجزائرية ومواقفها، هذا حق أصيل لصاحبه ليس لأحد أن يمنعه، فالكاتب نفسه كثيرا ما وجه النقد اللاذع للقيادة الجزائرية وبعض سياساتها الداخلية بل والخارجية، ومنها ما تعلق بما يسمى الصحراء الغربية، وهوموضوع حساس للغاية ويعتبر خطا أحمرا لدى القيادات الأمنية والسياسية، ومنها بخصوص ليبيا وتونس وغيرهما، وإنما الاعتراض على إصدار احكام أوعرض رأي مع اعتراف صاحبه أن الموقف ملتبس عليه، هذا في ألطف تعبير؛ لا أعتقد أنه من الموضوعية أن تبلغ “الرأي العام” العربي، الذي يعتبرك مرجعية إعلامية موثوقة، رأيا أومعلومة هي بالأساس ملتبسة على المحطة الفضائية، دون أن تكلف نفسك مجرد محاولة الاتصال بالمصادر أوبمن تثق بهم للحصول على معلومات يمكن الارتكاز عليها.
صحيح ان تلكم الأدوات الاعلامية التي نحترم، تراجعت وانتبهت لجزء من أخطائها بحق تقدير موقف الجزائر تقديرا موضوعيا وواقعيا، وغيرت في مساء ذلكم اليوم وغده لغة ومفردات تقاريرها، وصحيح كذلك أن بعض كبار الكتّاب الذين نفخر ونعتز بهم، قد نشر مقالين على الأقل قويين، توضح خلالهما جزء من واقع موقف الجزائر؛ لكن مع الأسف يبدوأن الالتباس مازال قائما، وهنا استدل بتوصيف السيد حسن نصر الله الامين العام لحزب الله، الذي قدّر في خطابه البارحة بأن الجزائر استدركت موقفها. واستدلالي بنصر الله ليس لأنه مرجعية بالنسبة للكاتب، وإنما لكونه هووحزبه هدف قرار وزراء الداخلية العرب، ولأنه يعتبر جزءا مهما من محور المقاومة الاسلامية والعربية، فحين يصدر منه هذا التقدير، بعد كم التقارير الملتبسة، يعني أن هذه الأدوات الاعلامية لم تستدرك الخطأ الذي وقعت فيه، ولا يخلي ذلك السيد حسن نصر الله نفسه من المسؤولية. ذلك أني حين وجهت رسالتي كان من بين مآخذي على الأخوة عدم تواصلهم مع الجزائريين، ويبدوأنه أسيء فهمي بتصورهم رغبتي في الظهور على شاشاتهم، الأمر الذي لم يدر بخلدي على الاطلاق، وحين طلب رقم هاتفي الشخصي، ذكرتهم بأن في الجزائر من يعدل هذا الفلاح آلاف المرات، ومؤهل أكثر بل بما لا يقاس من حيث العلم والمعرفة لتوضيح الصورة، وهذا مع الأسف ما لم يتم، وكان من سوء إدارة هذا الموضوع دعوة شخصيات من الاردن ولبنان ومصر (مع كل الاحترام لهم) لتحليل موقف الجزائر في غياب المعلومات الدقيقة، التي يمكن البناء عليها بموضوعية وحيادية.
موقف الجزائر في اجتماع وزراء الداخلية العرب الأخير كان هوالأقوى دون مزايدات، لسببين ظاهرين أغفلهما أغلب من تناول الموضوع، الأول: أن العراق ولبنان معنيان بشكل مباشر ببعض مواد ذلكم البيان، ولم يكن لوزيري البلدين اي خيار آخر، إما رفض البيان وإما الدخول في حرب أهلية، في حين أن الجزائر كانت في حل من هذا الموقف، وسعة أمام الخيارات، بل بالعكس كانت على علم بناء على صداماتها السابقة مع انظمة خليجية، أن امتناعها عن التصويت ستكون ضريبته عالية، قد دفعت من قبل من دماء أبنائها ومن اقتصادها فاتورة باهظة
نتيجة مواقفها في الملف السوري واليمني؛ لنعرف قيمة الموقف الجزائري دعونا نسأل: أي مصلحة للجزائر في معارضة قرار الأنظمة الخليجية؟ حين يعترض العراق ولبنان فالمصلحة ظاهرة إذ تجنبان حربا أهلية، وأما الجزائر فالعكس هوالأصل وهوالأصح، بمعنى: بموقفها الرافض لاعتبار حزب الله منظمة ارهابية استجابة للضغط القوي المتصاعد الخلجو-أمريكي، تُعرِّضُ نفسها لخطر حرب أهلية قد تشعلها أنظمة خليجية، تماما كما فعلت مع ليبيا وسوريا، ألا تتصورون ذلك؟؟؟. هنا يظهر لكل منصف أن موقف الجزائر يحسب هوالأقوى في ظل ما يجري والواقع الذي نعيشه.
ثانيا: ليس صحيحا المقارنة التي بلغت حد الموازنة بين موقف الجزائر “الممتنع″ وبين موقفي العراق ولبنان، ذلك أن الموضوعية تقتضي من الأخيرين كما سبق ذكر الأسباب المباشرة “الاعتراض”، في حين أن الجزائر غير معنية بشكل مباشر بأي بند أوفقرة من ذلكم القرار، فضلا عن ذلك فالامتناع من بين أوجه تفسيراته السياسية هوالرفض لشكل وموضوع النص الممتنع على التصويت عليه.
ثالثا: كان يفترض فيمن يعتبر الجزائر قلعة ثوار وحرة وسيدة في قرارها، أن يكون عارفا ومتابعا لطبيعة الدبلوماسية الجزائرية، الجزائر ليست دولة حديثة عهد، ولا هي كيان ميت مهمش، وإنما دولة عظمى بامتياز في عالمنا العربي، وكانت لها من قبل استقلالها والى غاية اليوم، مواقف دولية بالغة الأهمية والخطر، من القضية الفلسطينية الى جنوب افريقيا الى مصر 1967 فمصر 1974 وغيرها كثير لا يحصر في مقال، هل عهد الاخوة بالسياسة الجزائرية في تلكم المحطات المفصلية، بالصخب الاعلامي وتسويق المواقف عبر أدواته؟ هل سجّلوا على الجزائر كما يهمز لها كل مرة، أن رجالها ونساءها يحبون تصدر شاشات الفضائيات؟ أين ومتى؟ (أتحدث عن الرسميين)؛ نعم شخصيا أنتقد القيادات الجزائرية بخصوص إعراضها عن التعامل مع وسائل الاعلام، لكن هذا لا يعني أبدا أن مواقفها تعدم القوة والصلابة بل وكثير من التميز مع قدرة التأثير والتغيير.
رابعا: كان يفترض من الاخوة أن يعرفوا بأن المندوب الجزائري لم يكن مخولا سياسيا وقانونا، بالادلاء بأي تصريح بعد اجتماع مجلس وزراء العرب، إنما سجّل أمتناع الجزائر على التصويت مع ملاحظة رفض الصياغة شكلا وموضوعا، لأنها أولا تمت بغير استشارتها ولا مشاركتها، وموضوعا لأن مواد أقحمت لم تكن على جدول الأعمال.
خامسا: قال لي سفير عربي: كنا ننتظر من الجزائر موقفا أقوى برفع صوتها بلا تدوي في أركان العالم العربي. وهذا الطرح قد يكون سمعه بعض القراء وأغلب المتابعين، وكان جوابي للسفير العربي: مع كل الاحترام لرأيك الجزائر لا تعتمد القنابل الصوتية، التي فعلا جعلت من بعض القبائل العربية دولا تعبث بمصائر شعوب، لكنها قيمة مكتسبة وليست أصيلة، سرعان ما تتبخر مع انقلاب “الاعلام” الذي صنع منها دولا مؤثرة، الجزائر ذات قوة أصيلة، وتعتمد السياسة العملية لا الانشائية، وهنا أسجل عليك وعلى من أعنيهم بهذا المقال السؤال التالي: ايهما أهم لديك، أن يخرج وزير جزائري يفضح ما جرى في الاجتماع، ويملؤ الفضائيات صراخا؟ أم أسقاطها عمليا لجملة مشاريع تقدمت بها أنظمة خليجية في هيأة الامم المتحدة باسم “الاجماع العربي” وآخرها أول أمس حين قدم مندوب السعودية بيان وزراء الداخلية الصادر بتونس، بوصفه إجماعا عربيا، حتى تدرج هذه الهيأة العالمية العليا حزب الله منظمة إرهابية؟ ايهما أهم؟ العقل والانصاف يقول ما قامت به الجزائر في الأمم المتحدة، تعال أتحداك هل من فضائية أوصحيفة أوشخصية أولت أدنى اهتمام بهذا؟ أتريدون الصراخ فقط؟ نحن الجزائريون لسنا خبراء ولا هواة برامج ما يطلبه المستمعون.
أخيرا نختم بالقول: إن وزراء الداخلية في كل دول العالم، لا يتناولون في تصريحاتهم علاقات أنظمتهم أودولهم الخارجية، وإن فعل ذلك بعض العرب فليس قاعدة بل خروج عن الاصول المتعارف عليها والمعمول بها؛ ثم إن تصريح وزير الخارجية الجزائري لم يكن توضيحا ولا استدراكا، هذا فيه تجني آخر على الجزائر وتشويش على الرأي العام، بل كان توكيدا على سياسة الجزائر ومواقفها، وفي شقه الثاني لمن تابع تصريحه، كان تنديدا بتشويه موقف الجزائر (من قبل الخصوم والاصدقاء) وقصورا غير مبرر في فهمه، لمن يدعي معرفة بتاريخ السياسة ومواقف الجزائر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Bu məqalədə, Pin-up Casino-nun daha əla bonusları haqqında danışacağıq və nəyin sizi gözləyə biləcəyini təsvir edəcəyik. bunun sayəsində Nedeni ise reklam alanların deneme bonusu vermediğini bir çok kez denk geldiğimizi biliyoruz. pul üçün Buna görə hər hansı vahid platformada bunu izləyən bir internet kullan? pin up mərc Kazino kataloqlarında təqdim olunan Pin Up casino seyrək rəngarəng slot maşınları demo rejimində işə salına bilər. etmək imkanı