الإعلام في تونس بين ضعف التشريعات المنظمة للقطاع و التخوف من عودة القوانين القمعية

مغرب نيوز-منية العيادي

 

لا أحد ينكر أنَ الإعلام التونسي شهد بعد الثورة تحولات عميقة و عرف هامشا واسعا من حرية التعبير بعد انهيار المنظومة السلطوية التي كانت تسيطر على المجال الإعلامي على مستوى المضمون و الخط التحريري لوسائل الإعلام و على مستوى القوانين الزجرية إضافة إلى أن القطاع شهد ازديادا كبيرا في عدد المؤسسات الإعلامية في كافة أصنافها السمعية و البصرية و المكتوبة عدا الكم الذي لا يحصى من الصحف الإلكترونية.

إلا أن العديد من أهل المهنة يرون أن تونس لم تصل بعد إلى مرحلة حرية الإعلام و لا يمكن الحديث عن الإعلام بمفهوم السلطة الرابعة وسط المخاوف من عودة  القمع و محاولات إخضاع المؤسسات الإعلامية لأجندات سياسية معينة تنأى بحيادية المشهد الإعلامي نحو الفوضى و انتهاك حرية العمل الصحفي في ظل ضعف القوانين و التشريعات المنظّمة للمجال الإعلامي .

و رغم تأسيس هياكل جديدة بهدف تنظيم القطاع بدءا بتشكيل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في ماي 2013، و التي تعنى بإسناد التراخيص و تعيين مسؤولي القنوات الإذاعية و التلفزيونية و حماية استقلاليتها إزاء السلطات و قبلها صدور المرسومين 115 و 116، في الرائد الرسمي في نوفمبر 2011، و الذين اعتبرهما البعض ساهما في تعديل القطاع السمعي و البصري من خلال العمل على استقلالية لجنة إسناد بطاقة الصحفي المحترف و تقديم إجراءات قانونية جديّة في المجال الجزائي فإن صدور المنشور عدد4 مؤخرا حول تنظيم عمل خلايا الإعلام و الاتصال الراجعة بالنظر للوزارات و المؤسسات و المنشآت و الذي يقضي بمنع أعوان الوظيفة العمومية من الإدلاء بأي تصريحات لوسائل الإعلام ، قلب البوصلة في القطاع الإعلامي و أثار حفيظة الصحفيين الذين طالبوا بسحب هذا المنشور و مراجعة الأمر عدد4030 المتعلق بالمصادقة على مدونة سلوك العون العمومي باعتبارهما آلية للتضييق على حرية الصحافة و النفاذ إلى المعلومة. 

 و كانت نقابة الصحفيين دعت كافة العاملين في قطاع الإعلام إلى التنديد بهذا الأمر و التجمع أمام قصر الحكومة في إطار خطوات تصعيدية للضغط على الحكومة وسط التنديد بإضراب عام في القطاع في صورة عدم الاستجابة للمطلب المذكور مع المطالبة بالإسراع في تفعيل كل القرارات الوزارية المتعلقة بقطاع الصحافة و الإعلام التي أعلن عنها رئيس الحكومة يوم 14 جانفي الماضي .

و إعتبر عضو المكتب التنفيذي للنقابة الفاهم بوكدوس، أن السلطة “تتغافل عن عودة العديد من الممارسات المرفوضة كالتضييق على الصحفيين”ّ، ملاحظا أن هذه المسألة تتزامن مع تقديم تونس لتقريرها المتعلق بالحريات، بما من شأنه أن يؤثر على مشهد الحريات في تونس، و يعطي رسالة سيئة على التزامها في هذا المجال، خاصة و أن تقرير منظمة العفو الدولية حول عمليات التعذيب في سياق مكافحة الإرهاب، “قد شوش على كل المكاسب المتعلقة باحترام الحريات الفردية و العامة في تونس”، وفق تقديره.

و في نفس السياق أشار نقيب الصحفيين ناجي البغوري إلى أن مثل تلك المناشير و بعض القرارات العشوائية التي تتخذها الحكومة تهدف إلى ضرب حرية التعبير التي كانت أهم مكسب من مكاسب ثورة 14 جانفي كما تهدف إلى محاولة الإلتفاف حول القطاع و تطويعه داعيا إلى ضرورة وضع حدّ لحالة الفوضى التي بات عليها القطاع من أجل إرساء إعلام حر و نزيه يخدم مصالح الدولة و المواطنين.

و قال البغوري إنه عوض أن تتجه الدولة إلى تنظيم القطاع و إصلاحه و الإهتمام بأوضاع الصحفيين و توفير إطار قانوني يضمن صحافة حرة و نزيهة ، تحاول ضرب حرية الإعلام و حق النفاذ إلى المعلومة عن طريق إصدار مثل تلك المناشير و القرارات إضافة إلى التضييق على العمل النقابي الصحفي و الحدّ من فعاليته.

كما اعتبر البغوري أن الاوضاع الاجتماعية و الاقتصادية الهشة لفئة واسعة من الصحفيين تعد تهديدا لحرية الصحافة و قد تشكل فى حال استمرارها مدخلا لضرب هذا المكسب و العودة بالمهنة و العاملين فيها إلى مربع الإخضاع و الهيمنة و التحكم إضافة إلى  الانتهاكات التي مسَت هذه الفئة من ممارسة لسياسة الترهيب عبر التتبعات القضائية و الاعتداءات الجسدية و اللفظية و المنع من العمل فى الفضاء العام و محاولة ممثلي السلطة توجيه الإعلام و التدخل فى عمل مؤسساته.

 رئيس الجمعية الوطنية للصحفيين الشبان و الصحفي بجريدة الشروق عبد الرؤوف بالي إعتبر أنَ الإعلام رغم تحسنه في فترة ما من ناحية حرية التعبير و الصحافة خاصة خلال السنوات الأولى للثورة و التي شكلت مكسبا مهما منذ الثورة للتعبير عن مشاغل الشعب التونسي و مشاكله و المشاركة في تقديم الحلول و المقترحات فإنه على المستوى التشريعي لم يحقق القطاع الآمال المرجوة من حيث القوانين و الهياكل المنظمة له و  التي اعتبرها متخلفة مقارنة بالقوانين السابقة و لم تحقق شيئا للصحفيين التونسيين بما أنها حافظت على العقوبات الزجرية و على الكثير من القيود التي أدت إلى إيقافات عديدة و محاكمات و محاولات لمنع بعض الإعلاميين و الصحفيين من القيام بمهامهم. 

كما أشار إلى الوضعيات المهنية و المادية الهشة التي يعاني منها أغلب العاملين في القطاع نتيجة عدم تطبيق قوانين الشغل في غالبية وسائل الإعلام سواء المكتوبة أو المسموعة أو البصرية و حتى الصحافة الإلكترونية التي أصبحت اليوم تستقطب طاقة تشغيلية كبرى مبينا تواصل انتهاك حقوق الصحفيين الإجتماعية و تأثير ذلك على الإستقلالية المادية للصحفيين و بالتالي على القطاع.
 
و دعا بالي إلى ضرورة النهوض بقطاع الإعلام  بمعالجة تلك النقائص التي تمثل اليوم عائقا كبيرا أمام ممارسة حرية التعبير و خاصة من ناحية التشريعات و معلجة الأوضاع المادية للعاملين في القطاع.

من ناحيته يرى الإعلامي، زياد الهاني  أن المطروح اليوم هو تحصين المنظومة الإعلامية الوطنية ضد العودة بها إلى ما كانت عليه قبل الثورة و سيطرة أطراف بعينها على توجهاتها و ذلك بتوفير إطار قانوني يضمن حيادها بعيدا عن التوجهات و القيود السياسية و ينظم الأداء الإعلامي و يستجيب لطموحات الصحفيين و انتظاراتهم.

و للتذكير فقد تم سجن الصحفي زياد الهاني  في العام 2013 على خلفية التهمة الموجهة إليه، و هي نسب أمور غير قانونية لموظف عمومي متعلقة بوظيفته دون الإدلاء بما يثبت صحة ذلك، وسط احتجاجات عدد من الصحفيين و الحقوقيين الذين اعتبروا أن هذه المحاكمة غير قانونية لأنّها تخدم مصالح حزبية معينة، و دخل عدد منهم في اعتصام مفتوح يومها إضافة إلى أنه يعتبر من بين الصحفيين الذين رفع ضدهم كمَا من القضايا بسبب حرية التعبير. 

و في حين تتجه الحكومة حاليا نحو مراجعة المنشور عدد4 أو إلغائه حسب ما صرح به وزير الوظيفة العمومية عبيد البريكي أمام تصعيد الصحفيين و الهياكل النقابية الإعلامية يبقى قطاع الإعلام من أكثر القطاعات التي تشهد عديد الصعوبات المتراكمة منذ العهد البائد و رغم خروجه عن تلك السياسات القمعية و التضييقية و السلطوية إبان الثورة فإن محاولات الرجوع به إلى الوراء لا تزال مما يستدعي عملية إصلاح شاملة للمنظومة الإعلامية تتوفر فيها كل الأطر القانونية و التشريعية و تطرح أهم الرهانات التي يقوم عليها القطاع و المشهد الإعلامي الجديد خاصَة مع توفر هذا الكم الهائل من المؤسسات الإعلامية أملا أيضا في تحسين وضعيات الصحفيين المهنية و الإجتماعية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *